قدرة العراق على التخلص من النفوذ الإيراني مرتبط بدعم دولي للقوى الوطنية
الفوضى في العراق قد تؤدي لإضعاف دور إيران والموالين لها وفقدانها للسيطرة على أهم مناطق نفوذها في الشرق الأوسط، وفقا لمراقبين رأوا أن نتائج الانتخابات الأخيرة وفوز زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بها ومن ثم تخليه عن هذا النصر عقد الوضع المتأزم أصلا في العراق.
تحليل لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أشار إلى أن الصراع على السلطة في العراق يمكن أن يؤدي لعواقب إقليمية وحتى دولية.
وأضاف ، أن إيران تخشى من أن أي انتخابات جديدة في العراق لن تؤدي إلا إلى المزيد من التآكل في نفوذها، مبينا أنه منذ الاحتجاجات العراقية في عام 2019 التي أطاحت بالحكومة وأدت إلى الأزمة الحالية، ازداد الشعور العام المناهض لإيران.
التحليل أوضح أن هذه المعطيات تقلق قادة إيران بشكل كبير، لافتا إلى أن طهران تعتقد أن فقدان السيطرة على العراق قد يؤدي لحدوث سلسلة من ردود الفعل في لبنان وتحطيم صورة إيران كقوة إقليمية.
وتابع أن الكثير من العراقيين يعتقدون أن إيران ستستخدم كل قوتها الاقتصادية والسياسية ضد الصدر وأنصاره، وربما إرسال ميليشياتها الشيعية لمواجهة جماعة الصدر.
ولا تزال الأزمة السياسية في البلاد قائمة بقوة، إذ يعيش العراق شللا سياسيا تاما منذ الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2021. ولم تفضِ مفاوضات لامتناهية بين القوى السياسية الكبرى إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة.
وبدأ الصدر بممارسة الضغط الشعبي على خصومه في الإطار التنسيقي الموالي لإيران وترك لهم مهمة تأليف الحكومة، بعدما استقال نواب التيار الصدري الـ73 في يونيو/ حزيران الماضي من البرلمان، رغم أنهم كانوا يشغلون ككتلة، أكبر عدد من المقاعد فيه.
وأظهر الصدر الذي يملك قاعدة شعبية واسعة أنه لا يزال قادرا على تحريك الجماهير لأهدافه السياسية، بعدما اقتحم مناصروه البرلمان مرتين خلال أقل من أسبوع، وباشروا داخله اعتصاما، رفضا لترشيح محمد شياع السوداني من قبل الإطار التنسيقي، لتولي رئاسة الحكومة.
وأشار تحليل "هآرتس" الى ان جميع الأطراف المعنية بالازمة في العراق أعلنت أنها لا تريد صراعا مسلحا أو اشتباكات في الشوارع. لكن في جو مثل جو بغداد حيث درجة الحرارة فيها حوالي 50 درجة مئوية هذا الأسبوع ، الخوف هو أن يفتح أحدهم النار أو ينفجر قنبلة ، ليشن الجميع الحرب ضد الجميع.
وتطالب الأمم المتحدة التي أرسلت مبعوثًا خاصًا لها والولايات المتحدة ودول غربية أخرى بالسلام ، لكن لن يفاجأ أحد إذا لم يجد هذا الطلب مشترين في العراق. إيران قلقة من هذه التطورات وعدم قدرتها على إملاء وجهة نظرها على العملية السياسية . ومحاولاتها لاقتراح محمد شياع السوداني ، مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الوزراء ، قُضيت في مهدها.
ولفت التحليل الى ان محاولات نوري المالكي ، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في السابق ويعتبر موالياً لإيران ، أسقطت عن جدول الأعمال بعد تسريب إهاناته للصدر وقادة شيعة آخرين إلى وسائل الإعلام. قام إسماعيل قآني ، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني - الذي حل مكان قاسم سليماني بعد مقتله على يد الأمريكيين في يناير/حزيران 2020 - بزيارة العراق عدة مرات مؤخرًا. لكنه فشل في إقناع الطرفين بالتوصل إلى اتفاق.
ويرى المحلل السياسي هيثم الهيتي أن خسارة الإطار التنسيقي في الانتخابات الماضية شكل "هزيمة كبرى" لإيران على المستوى الشعبي.
ويضيف الهيتي في حديث لموقع "الحرة" الأمريكي ، أن "الحل في العراق يكمن في دعم قوة سياسية تنافس الصدر، لتكون بديلة عن الإطار التنسيقي من أجل تغيير مسار العملية السياسية وإلغاء دور طهران".
ويؤكد الهيتي أن "التخلص من النفوذ الإيراني ليس مستحيلا لكنه صعب"، مشيرا إلى أن الدور الإيراني تضاءل جدا في العراق وبات أضعف كثيرا مقارنة بما كان عليه قبل 20 عاما وخاصة على المستوى الشعبي".
ويربط الهيتي قدرة العراق على التخلص من النفوذ الإيراني بالدعم الذي يمكن أن يقدمه المجتمع الدولي للقوى الوطنية من أجل مساعدتها على المضي قدما بعملية التغيير".
وجرت الانتخابات الأخيرة في أكتوبر/تشرين الاول 2021، وكانت انتخابات مبكرة نظمت بهدف تهدئة احتجاجات شعبية مناهضة للطبقة السياسية هزّت العراق في خريف العام 2019.
نال التيار الصدري 73 مقعدا، ليصبح الكتلة الأكبر تمثيلا في البرلمان الذي يضمّ 329 نائبا. وأراد الصدر، مع حلفائه من السنة والكورد، تسمية رئيس الحكومة وتشكيل حكومة "أغلبية وطنية".
لكن ذلك قوبل بالرفض من قبل خصومه في الإطار التنسيقي الذي يضمّ فصائل موالية لإيران. وكان مطلب الإطار التنسيقي الحفاظ على الحل التوافقي التقليدي بين كافة أطراف "البيت الشيعي"، في تشكيل الحكومة.
وللضغط على خصومه، دفع الصدر الذي اعتاد على اتخاذ خطوات مفاجئة، نوابه للاستقالة من البرلمان في يونيو/حزيران الماضي.
وحاليا، يخيم الآلاف من مناصريه منذ أكثر من أسبوع في البرلمان احتجاجا على اسم مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الحكومة. وهو أثبت بذلك أنه لا يزال قادرا على تحريك ورقة الشارع للدفع باتجاه تحقيق مطالبه السياسية.
ويرى المحلل السياسي رعد هاشم ، أنه "لغاية الآن لا يمكن أن نطلق على ما يجري أنه خطوة لتقويض دور إيران"، مضيفا "ربما هو يضعف هذا الدور على المستوى القريب لكن لن يقوضه".
ويقول هاشم للمصدر ذاته ، إنه "يجب أن يكون هناك تأثير قوي للعامل الدولي من أجل المساعدة في تقويض دور إيران في العراق".
ويرى هاشم أن "الفوضى وعدم التفاهم والتجانس فيما بين القوى السياسية العراقية يخدم المشروع الإيراني، لإنه يرسل رسالة أن الديمقراطية العراقية مهزوزة وهذا يصب في صالح طهران".
بالمقابل يشير هاشم إلى أن "الصدر ارتكب خطأ استراتيجيا عندما سمح للمقربين من طهران بأخذ زمام المبادرة عندما خرج من البرلمان وأعطاهم الفرصة القانونية لتشكيل الحكومة".
ومع ذلك يرى هاشم أنه "لو أفضت تحركات الصدر إلى تغيير حقيقي فيما يتعلق بشكل ومنهجية النظام السياسي القائم وتعديل الدستور وإضعاف دور الموالين لإيران وانهاء شعبيتهم بشكل تام، يمكن أن نقول إن هناك أملا، أما التظاهرات ورفع الشعارات وتأليب الشارع فقط فهذا لن يؤدي لنتائج فعالة".
باسنيوز