• Monday, 17 June 2024
logo

الأزمة العراقية.. خيبة الأمل وفقدان الثقة وشرعية الأنجاز

الأزمة العراقية.. خيبة الأمل وفقدان الثقة وشرعية الأنجاز

مجاشع التميمي

 

العملية السياسية في العراق تعثرت منذ العام 2010 يوم الانقلاب الأبيض على القائمة العراقية، وهذه العملية السياسية بنيت على أساس فلسفة المكونات وهي فلسفة بدائية لا يمكن أن تنشئ دولة حديثة، لأن دولة المكونات فلسفة متخلفة كثيراً ولا يمكن أن تكون اساساً صالحاً لبناء الدولة ‏لأن المنطلق الفلسفي الأول لبناء الدولة كان منطلقا بدائياً ولا يمكن أن ينجح وأن قادة العملية السياسية في العراق أخطأوا بأخذ النموذج الديمقراطي البدائي.

الفوضى والديمقراطية بينهما خيط رفيع والتجربة العراقية تميل إلى الفوضى اكثر من الديمقراطية ‏لأن الثانية لها قواعد وأنياب والديمقراطية في العراق بدائية وهي أسوأ انواع الحكم لأنها فاشلة بكل المعايير وهي غير موجودة. نوع الديمقراطية في العراق هي الديمقراطية التوافقية، وهي فعلا أسوأ انواع الحكم وهي تجربة فاشلة ولا تتفق مع الديمقراطية ولأن الديمقراطية لا تتفق مع التوافق لأن الديمقراطية تعني حكم الأغلبية والتجربة الديمقراطية في العراق مبنية على المحاصصة، اضافة إلى أن نظام الحكم في العراق لم يستطع الحصول على شرعية الإنجاز ‏فمع التسليم بنزاهة التجارب الديمقراطية في العراق فهي أعطت رخصة للعمل، لكن إذا لم يتحقق شيء فلا يحق للطبقة السياسية التي وصلت للحكم أن تستمر في العمل السياسي وبرأيي أنها فقدت شرعية الإنجاز، وهذه النقطة المهمة المتمثلة بانعدام الإنجازات قد خلفت لنا فقدان الثقة بين الطبقة السياسية والشعب.

ولهذا بدأ الحراك ضد النظام بوقت مبكر حيث انطلقت أولى التظاهرات في العام 2011 ورغم أنها كانت محدودة لكنها اتسعت إلى أن وصلت إلى انتفاضة تشرين عام 2019 حيث كانت احتجاجات على نظام الحكم برمته وطبقته السياسية كافة وهي إعلان بفقدان الطبقة السياسية الشرعية حيث أصبح واضحاً أن الشعب لا يمنح الشرعية لهذا النظام بمعنى عدم الرضا على هذه الطبقة السياسية وربما لو يتم إجراء استفتاء شعبي حقيقي سنجد غالبية الشعب لا يؤيد هذا النظام، والانتخابات الاخيرة هي أقرب إلى الاستفتاء الشعبي حيث وصلت نسبة المقاطعة إلى نحو 80% وهي إشارة إلى عدم الرضا على الطبقة السياسية ورفض شعبي لمجمل العملية السياسية وعلى هذا الأساس كان من الاجدر على قادة القوى السياسية في العراق المراجعة والاصلاح لعمل جوهري ينقذ العملية السياسية.

هناك تناقض جوهري بين طبيعة الفكر السياسي الديني المذهبي للقوى السياسية بعد العام 2003 والدستور الذي كتبه بعقلية أميركية بمعنى ثقافة دستورية غربية ولن تستطيع القوة التي كتبت الدستور في عجلة إجراء إصلاحات جذرية تنسجم مع الفكر السياسي لها والأساس لا يمكن أن تنسجم الديمقراطية الليبرالية الدستورية مع ‏ الفكر السياسي التقليدي بمعنى فلسفة الحكم لله عند جميع المذاهب الإسلامية، لهذا السبب أنا أعتقد أن التناقض الدستوري والخلل يكمن في عدم احترام القوى السياسية الحاكمة في العراق للقانون الأسمى في الدولة وهو الدستور العراقي لا يمكن أن يمثلها، وكمثال على ذلك أن القوى الحاكمة لا تحترم حقوق الإنسان بالمعنى الليبرالي الديمقراطي ولا تحترم اقتصاد السوق الحر المفتوح وهي تذهب باتجاه مفاهيم قديمة تقليدية متخلفة لا تنسجم مع بناء دولة حديثة معاصرة وهو ما يدعو لها الدستور العراقي الحالي، ولهذا السبب حصل الخلل الذي نعيش اليوم ومنها الانتهاكات الكبيرة للدستور حيث لا يوجد فهم لهذه الأحزاب لبناء دولة ديمقراطية ‏ولا تحترم الأغلبية ولا الإرادة الشعبية ولا تحترم إرادة الناس التي خرجت للاحتجاج على سياسات النظام من فساد ومخدرات وانتشار السلاح وشكل السياسات المالية وتهريب النفط وغيرها مثل الجفاف والعقود الوهمية والبنوك الوهمية.

ربما الدستور الحالي يعاني من التباسات بمواده، لكن ممكن اللجوء إلى المحكمة الاتحادية من أجل وضع تفسيرات منطقية لهذه الالتباسات في المواد الدستورية ومنها مثلا المادة الخاصة بتشريع قانون النفط والغاز التي لم تنفذ منذ 18 عاماً والمادة الخاصة بمجلس الاتحاد المهم أنا أعتقد أن المشكلة الأساسية هو مشروع المكونات وهو مشروع يمثل الرؤية الأميركية الإسرائيلية التي توافقت مع رؤية الدول الإقليمية بتقسيم العراق من اجل اضعافه وأن الرؤية الإسرائيلية كانت مع تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات بحسب رؤية الكتاب والخبراء الإسرائيليين، وهذه الرؤية تبنتها الادارة الأميركية وبعد ذلك الطبقة السياسية العراقية في الخارج التي انسجمت مع متمنياتها، لأنها تؤمن بنفس الفكرة وهي المكونات بمعنى أنه حصل تلاق واتفاق بالاراء والأفكار وبذلك أصدرت الولايات المتحدة لائحة حقوق الشيعة التي كتبت خارج العراق والقضية الكوردية بمعنى كان هناك ترتيب للمكونات من خارج حدود وهي واضحة ومرتبة في الإعلام الغربي منذ عام 1989 حيث بدأ بتصعيد اللهجة بأن هناك ظلم لحق ببعض المكونات وهناك اضطهاد عرقي وطائفي في العراق وهو للتمهيدي لنظرية "التعويض" للطوائف أو القوميات.

‏فإذا الخطوة الأولى لتصحيح المسار هي التخلص من تبعات الاحتلال لأن الاحتلال جاء لنا بأعراف سيئة وفي مقدمتها المحاصصة والمكوناتية أضافة إلى قوانين ومنها لا على الحصر الامر الذي اصدره الحاكم المدني على العراق (بول بريمر) المرقم 91 الخاص بتنظيم من الميليشيات ساري لحد الآن والذي كان يتعلق بأحزاب الخارج (حزب الدعوة، منظمة بدر، الحزب الشيوعي العراقي، حزب الله العراق، الحزب الإسلامي العراقي، الوفاق الوطني العراقي، المؤتمر الوطني العراقي، الحزب الديموقراطي الكوردستاني، الاتحاد الوطني الكوردستاني) ‏إضافة إلى مغادرة الفلسفة التي فرضت على العراق وهي دولة المكونات والذهاب لدولة المواطنة، لأنه لا يمكن أن تقوم دولة على أساس المكونات لأن كل دولة فيها مكونات وهي تعيش بسلام فضلاً عن أن دولة المكونات ستكون بها ظلم لأن المكونات في العراق بعضها صغير ما يؤدي إلى تغييبه من قبل المكون الأكبر.

وبالعودة إلى الدستور العراقي الذي يقول عن العراقيين "أنهم متساوون في الحقوق" ‏لكن العرف السياسي لا يسمح لأن النص افرغ من محتواه لهذا فمشكلة الدستور العراقي يشتمل على خلل في النص والتطبيق فلو كان النص عقلاني وفيه شيء من الثقافة الدستورية كان من الممكن تجاوز الأخطاء التي وردت فيه، بحيث يضعف ويقل أثرها؛ لكن في التطبيق أضيف عبء جديد على عبء النص لذلك واحدة من خطوات الإصلاح يجب أن تكون حلولاً واقعية وإجراء تعديلات جوهرية على الدستور، ولابد أن يكون هناك إجراء تعديلات على الدستور لكن التعديلات لن تنتهي ازمتنا لأن هناك مشاكل كثيرة فإضافة إلى ما ذكرنا ‏لدينا الإسلام السياسي الذي يعد واحدا من العقبات التي تواجه الإصلاح لأنه لا يؤمن بحاكمية الشعب بل بحاكمية الله، والمشكلة انه هو من يدير البلاد الآن فكيف أن تنجح التجربة الديمقراطية في ظله، لهذا يجب أن تذهب قوى الإسلام السياسي إلى المساجد والحسينيات وتُحترم مكانتهم كرجال دين، فكل فكرة لها معادل بشري، فحينما نقول دولة ثيوقراطية فمعادلها البشري الإسلام السياسي، لكن الدول الديمقراطية والمدنية فالمعادل البشري لها هو القوة المدنية وليس الإسلام ‏السياسي فلهذا فقوى الإسلام السياسي لا تستطيع الحكم لانها لا تعرف غير الثيوقراط وقراءة الروايات والأحاديث.

الإسلام السياسي في البداية أي في عام 2003 لم يكن له منافس، لكن الآن إذا تم إجراء إنتخابات حقيقية وبمشاركة جماهيرية لن يحصل للإسلام السياسي على 1% من عدد أعضاء مجلس النواب وهذا مختلف عن بداية الإسلام السياسي في العراق الذي حصل به أول تجربة انتخابية إلى أكثر من 75% من المقاعد، لكن بدأ بالتراجع والآن نسبة تمثيل ولا تزيد على 25% ‏من اعضاء مجلس النواب.

العنصر البشري هو معادل للإصلاح فمشروع الإسلام السياسي لديه إشكاليات مع الديمقراطية وحدود الدولة فكيف يتم التعاطي معه في دولة اسمها العراق لذلك يجب أن يكون هناك معادل البشري جديد يدير الدولة بالوسائل الديمقراطية وممكن الوصول لها من خلال ضبط إيقاع الانتخابات وسنلاحظ أن المشهد السياسي قد اختلف كلياً لدى الجميع فإن الجمهور العراقي المقاطع لانتخابات 2021 الذي وصل إلى 80% وهذا ليس موقف عدم إكتراث من الجمهور بل هذا موقف احتجاج بمعنى لو ضمن ‏إن الانتخابات ستكون كاشفة فعلا عن الرأي العام سنلاحظ انه 80% سيشاركون وربما يصل العدد إلى 90%.

الأغلبية هي الحل وهي ليست مسألة مصطلحات بقدر ما هي منهج وفلسفة لأن فلسفة التوافقية هي الذهاب للمحاصصة بمعنى "غطيلي وغطيلك" وهنا تكمن الكارثة وتوزيع الكعكة وتقاسم النفوذ والمصالح والاستحواذ على المال العام، وهذه الجرائم لم تحصل بفعل كلمة التوافقية ‏بقدر ما تعكس منهجاً خطيراً لفهم السلطة؛ والسلطه تعني لهم احتكار القرار والاستحواذ على المال العام والمنافع والمكاسب الشخصية للقيادات والأحزاب وهذه الكارثة.

ومن الخطأ في العراق اخذ فكرة التوافقية بمعنى الانسجام ومحتوى معتدل منطقي أي بمعنى الانسجام حول فكرة جوهرية وسياسات للتنمية وستراتيجية للأمن الوطني وضمان التطور على كافة الصعد، لكن الأخطر هو التوافق على مصالح.

 

 

 

روداو

Top