قالها احمد ترك: تحملونا قليلا.. وها نحن ذا

محمد زنگنة
في نيسان من العام الماضي، تواجدت مع الأخ اوميد خوشناو محافظ أربيل، مع وفد من المسؤولين والاداريين ورجال الاعمال، في معرض الشرق الأوسط للسياحة والتجارة والاعمال في (آمد-دياربكر)، وهذه لم تكن المرة الأولى والتي يشارك فيها الإقليم في هذا الملتقى الذي يجمع العديد من دول المنطقة والعالم، لعرض منتجاتهم وتجاربهم الناجحة في المجالات التي يختص بها المعرض، بل وحتى في فترات لم تكن تركيا تحتمل وجود كلمة كوردستان، كان وفد حكومة الإقليم يشارك ويلقي كلمته باللغة الكوردية ويعقد اتفاقيات مع اطراف إقليمية ودولية باسم حكومة الإقليم، ومن دواعي سروري انني رافقت الوفود المشتركة لحكومة الإقليم وغرف التجارة لاكثر من مرة.
وعلى الرغم من ان هذه الزيارة حملت طابعا حكوميا رسميا، واقتصاديا بالتحديد، الا ان الهدف الأساس منها تركز على وجود خطوات أولية وجادة، لمصالحة شاملة، ولا ابالغ ان قلت بان المبادرات التي طرحت من قبل الحكومة التركية ومن قبلها الأحزاب المعارضة، لانهاء حالة العداء في المنطقة، قد بدات من هذه الزيارة ومن خلال هذه اللقاءات التي عقدها وفد الحكومة برئاسة السيد خوشناو، مع الأطراف السياسية والشخصيات الكوردية البارزة والمسؤولين الإداريين للمدن الكوردية في تركيا.
وفي اطار الاجتماعات التي عقدها وفد حكومة الإقليم برئاسة محافظ أربيل، خلال الأيام الخمسة والتي رافقت فيها وفد إقليم كوردستان في دياربكر، كنت محظوظا بتواجدي في اللقاء الثنائي الذي عقد بين السيد احمد ترك، الرئيس المشترك لبلدية ماردين، ومحافظ أربيل الأخ اوميد خوشناو.
في هذا اللقاء، شعرت بشيء كبير من الرهبة، لكوني جالسا بين جيلين سياسيين مهمين أولا، والسبب الأهم، انني ساكون مطلعا على حيثيات الاجتماع الذي اعتقد بانه اصبح سببا مهما جدا، للمستجدات التي نعيشها اليوم في اطار حملة المصالحة الوطنية التي تريد ان تنفذها الحكومة التركية، وبمشاركة قوية وفعالة من إقليم كوردستان، وتحديدا، من الرئيس مسعود بارزاني.
أجواء الاجتماع كانت إيجابية جدا، ومن المهم ان يستمع المرء لسياسي قضى كل عمره في سبيل قضية شعبة، وهرم وتعب من كثرة الاعتقالات والسجن والتهديد بالاستهداف ومحاولات الاغتيال، ومازال متاملا ان يشهد في حياته خطوات جادة للسلام في بلده، وخصوصا، ان انتخابات مجالس البلدية كانت قد افرزت واقعا جديدا جعلت الحكومة التركية تفكر ولأكثر من مرة بأهمية الكورد في هذه الدولة وعدم تجاهلهم ووضع حد للسياسات التي جعلت كانت سببا في عدم الاستقرار الذي شهدته المنطقة.
وبرغم وجود شيء من العتب اللطيف الاخوي، الا ان الاتفاق على مجمل القضية، والحل كان هو السائد في الحديث بين الجانبين، وفي تلك الفترة، وكما قال ترك، ان الاخبار عن صحة ووضع اوجلان كانت منقطعة من اكثر من عام ولم تكن هناك اية فرص للقائه وزيارته، وهذه المعلومة (وقد اعتذرت في وقتها للاخ المحافظ لفضولي الصحفي لتلقفها من السيد ترك بتجاوز القواعد البروتوكولية)، كانت في وقت قد بدات فيه التوترات بين الحكومة التركية ورؤساء البلدية الجدد للمناطق الكوردية وتحديدا في وان وماردين وغيرها من المدن.
احمد ترك قال بان الوضع الحالي، بحاجة لدور كبير وقوي وفعال من الرئيس مسعود بارزاني، وان الظروف باتت لا تطاق ومازالت الكثير من المشاكل عالقة، وحملات الاعتقال أصبحت امرا يوميا وبدون معرفة الأسباب الحقيقية، واعترف بان التصرفات الحماسية لبعض الشباب من المنتمين لتيارات مختلفة من حزب العمال الكوردستاني، تختلط أحيانا مع شيء من الفوضى والشعبوية والتي من الممكن ان تستفز حكومة إقليم كوردستان والتجربة السياسية في الإقليم ومواطني كوردستان، لكنه قال وبكل شفافية ووضوح : ارجوكم تحملونا، لأننا نريد ان نصل الى حلول تخرجنا من هذه الازمات التي نعيشها والتي تتكرر يوما بعد يوم، طالبا ضبط النفس والتصرف بهدوء، مع التأكيد على ان الإقليم سيبقى دوما الملاذ الامن لكل كوردي مستضعف، مستشهدا بذلك بمواقف للرئيس مسعود بارزاني في المراحل السياسية المختلفة والتي شهدها إقليم كوردستان، وعاشتها المدن الكوردية في تركيا.
ومع ان ترك لم يفصح عن فحوى الرسالة، الا انها قد وصلت فعلا مع السيد خوشناو الى الرئيس مسعود بارزاني، وقد توضحت الصورة عن فحواها، بزيارة الوفد الذي زار سجن ايمرالي للقاء زعيم حزب العمال عبدالله اوجلان، ليكون مقر الرئيس مسعود بارزاني الوجهة الأولى لهم بعد هذه الزيارة المهمة، على الرغم من عدم حضور السيد احمد ترك للقاء الذي جمع الوفد مع الرئيس، بسبب صدور قرار بمنعه من السفر من قبل الحكومة التركية.
ان هذه الزيارة تعكس مدى أهمية الدور والموقع السياسي للرئيس مسعود بارزاني في الواقع السياسي الكوردي، وفي حل المشاكل بين الأطراف السياسية الكوردية، وفي حل المشكلة الكوردية في الدول الأربع التي تقاسمت كوردستان بعد اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916 وتقاسم المنطقة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وللتذكير، فان سياسة التعامل القومي والوطني الكوردستاني للحزب الديمقراطي، تعتمد على مقررات مؤتمر باكو في عام 1948 والذي اقر على ضرورة التعامل مع القضية الكوردية في اطار الدول التي الحق بها كل جزء من كوردستان المقسمة بين الدول الأربعة.
كما يؤكد الاجتماع، على ان الرئيس بارزاني قد اوفى بوعده وعهده كما عهده الصديق والعدو، وانه (أي الرئيس)، كان يفكر دوما ومازال، بحل المشكلة الكوردية في اطار عقلي براغماتي انساني، بعيدا عن العنف والحروب وسفك الدماء، وهذا ما تجلى اثناء القائه لكلمته في عام 2013 في التجمع الجماهيري في (آمد-دياربكر)، اثناء استقباله من قبل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
لقد تحمل الإقليم كثيرا، تبعات السياسات الخاطئة للكثير من الأطراف الكوردية التي لم تتفهم، او تجاهلت الموقف الحقيقي للإقليم، وتحديدا للحزب الديمقراطي الكوردستاني في فكرة حله للقضية القومية والوطنية لشعب كوردستان، وتعرض للكثير من المشاكل والمواقف المحرجة بل والتهديد، بسبب عدم الالتزام بكل التعهدات التي بادر اليها الرئيس بارزاني في تركيا او في سوريا، بل ان التعمد كان سيد الموقف، في تجاهل كل الحلول التي كان يقترحها الرئيس، لمجرد ان لا يحسب فضل للرئيس ولقيادة الديمقراطي.
واليوم، ونحن على اعتاب مرحلة تاريخية مهمة، من الممكن ان نشهد فيها العديد من التغييرات الجذرية في سياسات العديد من دول المنطقة والعالم، وخصوصا تركيا في نظرتها تجاه القضية الكوردية، لابد من ان لا تضيع هذه الفرصة التي سنحت للخروج بحل يرضي الجميع ويوقف نزيف الدم في تركيا ويبني أساسا قويا لدولة المواطنة والقانون والتعايش المشترك، وهنا يقر الجميع بان تجربة إقليم كوردستان، في مجال التعايش السلمي والتعاون السياسي وتجاوز خانة التعصب القومي وفرض روح المواطنة والمساواة، هي بمثابة القالب السياسي الذي من الممكن ان تستفيد منه الدول الأخرى في حلها للمشاكل التي افتعلت مع الكورد، ولفتح صفحة جديدة بعد قرن دام لم تحقق فيه أي من هذه الدول اية نتيجة، بل ان هذه الحروب أصبحت وبالا عليها بسبب تاثيراتها السلبية على اكثر من مستوى.
وهنا لابد من التأكيد، بان الإقليم، والرئيس بارزاني قد اوفوا بعهدهم، وتحملوا، وكان لتحملهم نتائج إيجابية نراها تتحقق الان وان كانت بخطى بطيئة، ولكن، سيكون الثمن غاليا، ان لم تلتزم الأطراف المعنية بما سينتج مستقبلا من تفاهمات واتفاقات، وان العودة للخانة (صفر)، سيبعد خطوات السلام عقودا الى الوراء.
روداو