ماذا يحدث في العراق عام 2050؟.. التهديد الشرق أوسطي الذي لا يتحدث عنه أحد
حذرت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية من تجاهل العالم لظاهرة العواصف الرملية في الشرق الأوسط، وخاصة في العراق، والتي تتسبب بخسائر اقتصادية بمليارات الدولارات، وأضرار صحية تلحق بالاف المواطنين، لافتة إلى أن هذه الظاهرة قابلة للتزايد بشكل كبير خلال السنوات المقبلة.
وبعدما لفتت الصحيفة في تقرير لها؛ إلى أن العواصف الرملية في الشرق الأوسط يتم تجاهلها من جانب العالم مقارنة بالانواع الاخرى من الكوارث الطبيعية، ويتجاهل بالتالي تأثيراتها المتزايدة على صحة الناس واقتصاد المنطقة.
وقارن التقرير بين مشاهد العاصفة في العراق وبين المشاهد المعروفة كأنها في الولايات المتحدة قائلا كأنك في خضم عاصفة شتوية في مدينة أمريكية، حيث تسير السيارات ببطء في الشوارع، ومصابيحها الامامية تضيء في منتصف النهار، وكأنها تعبر وسط طبقة من الثلوج، إلا أنه يضيف أن المكان هو بالفعل في بغداد وسط درجات حرارة تتخطى ال 30 درجة مئوية، وأن الشوارع لم يغطيها اللون الابيض للثلوج، وإنما اللون البرتقالي الذي هو لون الرمال والغبار الذي يملأ الهواء، مشيرا إلى أن هناك مشاهد مشابهة سجلت في إيران وشرق سوريا ومعظم دول الخليج.
وأشار التقرير إلى أن العواصف الرملية تضرب العراق عادة خلال شهور الربيع،
لكنه اضاف ان احداث عاصفة تعتبر العاشرة منذ بداية شهر نيسان/أبريل، أي بمعدل عاصفة كل اسبوع، موضحا أنها ظاهرة تتفاقم من حيث الحجم والخطورة خلال السنوات الاخيرة، كما انه من المتوقع أن تتزايد سوءا في السنوات المقبلة.
وحذر التقرير من أن هذه العواصف "ليست مجرد مصدر ازعاج"، فهي تلحق تكاليف صحية واقتصادية باهظة أيضا، ففي العراق ، ادخل حوالى الف شخص الى المستشفى بسبب مشكلات في الجهاز التنفسي، وأعلنت الحكومة عطلة لحث الناس على التزام منازلهم، وأغلقت العديد من المطارات.
كما حذر التقرير من أنه لم تتم دراسة التداعيات الاقتصادية والصحية للعواصف الرملية على غرار الدراسات المحددة آثار الكوارث الطبيعية الأخرى.
ونقل التقرير عن الاكاديمي في جامعة اوكسفور نيك ميدلتون الذي شارك في تاليف احدى اولى الدراسات البحثية حول هذه القضية، أن التكاليف باهظة للغاية، موضحا أن "العواصف الترابية بامكانها التأثير على عشرات الملايين من الناس، ويبلغ تأثيرها الاقتصادي مئات الملايين من الدولارات".
وقال ميدلتون ان الارتباط بين المشكلات الصحية والعواصف الرملية ليس واضحا دائما، لكنه قد يكون تكون "هائلا" ، مشيرا الى ان "هناك روابط قوية بين الأيام المتربة ومشكلات الجهاز التنفسي وبعض أمراض القلب".
الا ان احد التقديرات القليلة المتوفرة حول التكاليف الاقتصادية للعواصف الترابية، مصدرها البنك الدولي والذي تحدث في العام 2019، عن أن التكلفة العالمية للعواصف الترابية والرملية تزايدت بنسبة 63٪ بين عامي 1990 و2013 لتصل الى 3.6 تريليون دولار. أما في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، فقد تزايدت بنسبة أكبر بلغت 123% ، لتصل إلى 141 مليار دولار.
وأوضح تقرير "هآرتس" ان هذا التقدير يعكس الخسائر التي لحقت بالاقتصاد نتيجة الوفيات المبكرة بسبب التعرض المفرط للغبار، مشيرا الى ان العراق على سبيل المثال
عاني منذ العام 2013، مما يقدر بنحو 10.400 حالة وفاة مبكرة بسبب الغبار، وهو ما فرض على الاقتصاد خسائر بنحو 15 مليار دولار، او ما يعادل 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتابع أن من بين تكاليف المباشرة هناك الخسائر بسبب المطارات المغلقة وخسارة المحاصيل وتوقف الانتاج بالاضافة الى العطلات التي تعلنها الحكومة، والتي قدرها البنك الدولي بحوالى 13 مليار دولار، ما يعني أن إجمالي تكاليف خسائر منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا من العواصف الرملية، تتعدى ال 150 مليار دولار سنويا.
تحذير برتقالي
واكد التقرير ان هذه التكاليف تتجه نحو التزايد، مشيرا الى ان وزارة البيئة العراقية رصدت 122 عاصفة ترابية و 283 يوما مغبرا خلال العام 2013 وحده، الا ان مسؤولا في وزارة البيئة حذر خلال الشهر الماضي من أن العراق قد يعاني من 272 يوما من العواصف الرملية كمعدل سنوي، وذلك على مدى العقدين المقبلين، وهو ما يمكن أن يزيد إلى أكثر من 300 يوم بحلول عام 2050.
وفي ورقته البحثية، وثق ميدلتون تحت عنوان "الأسباب الشاملة والنتائج الاجتماعية والاقتصادية لعاصفة غبار حادة في الشرق الاوسط"، تداعيات عاصفة رملية كبيرة بشكل خاص في اوائل نيسان/ابريل العام 2015 والتي ضربت مساحة 10 ملايين كيلومتر مربع، بما في ذلك العراق وإيران والخليج، وامتدت شرقا حتى الهند وحتى البحر الأحمر غرباً.
ولفت التقرير إلى أن العاصفة أجبرت المسؤولين على إغلاق المدارس في قطر وأجزاء من السعودية التي أعلنت عطلة للعمال، وعطلت الموانئ السعودية والإيرانية عملياتها ، وأجبرت المطارات في سبع دول على تأخير الرحلات أو تغيير مسارها أو الغائها. كما توقفت أعمال البناء في الأماكن المفتوحة في دولة الإمارات، والغت أبو ظبي رالي تحدي الصحراء لأن الرؤية انعدمت الى الصفر تقريبا، حتى أن محطات الطاقة الشمسية توقفت عن العمل بسبب تراكم الكثير من الغبار على الواح الطاقة.
وبحسب تلك الدراسة، فقد تزايدت حوادث السير في السعودية وقطر ودولة الإمارات، وتزايدت حالات مرضى الجهاز التنفسي في المستشفيات.
ولفت التقرير الى ان اسرائيل ليست محصنة ضد العواصف الترابية، رغم انها لا تعاني من اي نفس النمط الحاد مثل العراق والدول الجارة الأخرى.
وأوضح التقرير؛ أن ظاهرة تغير المناخ هي المسؤولة عن تزايد هذه الظواهر الجوية المتطرفة، لكن الخبراء يقولون إن تغير المناخ ليس سوى أحد العوامل، وهو مع ذلك سيكون له تأثير أكبر خلال السنوات المقبلة لأنه يتسبب في زيادة التصحر وجفاف أكثر حدة، مشيرا الى ان مصادر العواصف الترابية والرملية تعود بشكل أساسي الى عوامل طبيعية وليست من صنع الإنسان، ولكن هذه العوامل تفاقمت بفعل النشاط البشري.
وتابع التقرير موضحا ان الادارة الرديئة للأراضي تتسبب في جعل التربة غير محمية بعد موسم حصاد المزروعات، كما أن الحروب تسببت في هجر المزارعين حقولهم، وهو ما خلق مساحات واسعة من الأراضي حيث بإمكان الرياح حمل الغبار بسهولة. كما يتسبب النمو السكاني والتمدد العمراني في تقليص المساحات التي كانت تضم سابقا نباتات تؤمن الحماية للتربة.
وبالاضافة الى ذلك، فقد أصيبت مسطحات مائية كبيرة بالجفاف، مثل بحر ارال الواقع بين كازاخستان واوزبكستان، وبحيرة اورميا في ايران والتي كانت فيما مضى أكبر بحيرة في الشرق الاوسط. كما تسبب مشاريع بناء السدود بتجفيف مجاري الأنهار وخفض تدفقات المياه الى نهري دجلة والفرات، حتى ان صدام حسين لعب دورا في تجفيف مناطق الاهوار في الجنوب. كما يعتقد بعض العلماء ان ظاهرة النينيا المناخية قد ساهمت في الارتفاع الأخير في العواصف الترابية في الشرق الاوسط.
ونقل التقرير عن الباحثة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن بانفشة كينوش، تشكيكها في أن تكون حكومات الشرق الأوسط مستعدة ببذل جهد كبير من اجل معالجة هذه المشكلة، موضحة أنه يتم النظر الى "العواصف الرملية والترابية غالبا في منطقة الخليج على أنها ظواهر طبيعية لا يمكن السيطرة عليها إلى حد كبير".
وختم التقرير بالإشارة إلى أن حكومات في المنطقة اتخذت بعض الإجراءات، حيث تعهد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزراعة 10 مليارات شجرة في السعودية و 40 مليار شجرة اضافية في المنطقة من اجل مكافحة العواصف الرملية والتصحر. وفي العام 2016، أطلق معهد في الإمارات نظاما للتنبؤ بالعواصف الترابية يمكن لدول المنطقة استخدامه للاستعداد للعواصف الكبرى.
الا ان ميدلتون يعترف بأنه حتى في حال قيام تعاون بين الحكومات، فإن مكافحة العواصف الرملية لن تكون سهلة، غير انه اضاف ان بامكانهم على الأقل تخفيف تأثيراتها ومعالجة العوامل المحلية التي تتسبب في جعل العاصفة الرملية أسوأ.
شفق نيوز