عواصف الغبار غير المسبوقة تدق ناقوس الخطر .. ما السر؟
توالت موجات الغبار بشكل غير مسبوق على المحافظات العراقية، وهي الحال الأولى التي تشهدها البلاد منذ سنوات، ما أثار تساؤلات عن حجم التغير المناخي، والتأثير الحاصل على البيئة.
في آخر تلك الموجات، ضربت عاصفة غبارية العاصمة العراقية بغداد، وأغلب مدن البلاد، مساء أمس، وحجبت الرؤية بشكل مكثف، فيما أوقفت وزارة التربية الامتحانات النهائية بسبب كثافة الغبار، فضلاً عن الملاحة الجوية في مطار بغداد قبل عودتها لاحقاً.
وفي مشهد بدأ العراقيون بالاعتياد عليه، غطت طبقات الرمال الصفراء، صباح اليوم، المباني والسيارات المركونة في الشوارع وأثاث المنازل، فيما حجبت سحب الغبار السميكة الرؤية لمجرد بضع أمتار قليلة.
واجتاحت الأتربة جميع المحافظات العراقية باستثناء نينوى وأربيل ودهوك اللواتي تأثرن بشكل طفيف بالموجة الجديدة.
ألفا حالة اختناق
وأعلنت وزارة الصحة العراقية، الاثنين، تسجيل 2000 حالة اختناق نتيجة العاصفة الترابية، خلال ساعات الصباح الأولى، فيما أكد مستشفى اليرموك في بغداد استقبال عشرات الحالات.
كما سارعت مديرية الدفاع المدني بنشر فرقها ومفارزها في عدد من شوارع بغداد؛ وذلك من أجل إسعاف الحالات الطارئة
وسجل العراق خلال شهر أكثر من 10 عواصف ترابية، تتراوح في قوّتها بين الشديدة والمتوسطة، ودفعت بعضها إلى تعطل شبه تام في حركة الحياة في بغداد، وعدد من المناطق الغربية من البلاد.
وتشير إحصاءات نشرتها الهيئة العامة للأرصاد الجوية إلى أنّ عدد الأيام التي تشهد أجواء مليئة بالغبار زاد تدريجياً منذ عام 2013.
وأعلنت هيئة الأنواء الجوية في العراق، الأسبوع الماضي، دخول البلاد في موجة غبار جديدة ستضرب البلاد خلال منتصف الأسبوع الحالي تتأثر فيها مناطق عدة من بينها بغداد.
وهذه هي المرة الأولى منذ عقود، التي يشهد فيها العراق تصاعداً في عدد العواصف الترابية الشديدة خلال فترة قصيرة جدا، حيث أورد تقرير نشرته المنظمة الدولية للصليب الأحمر العام الماضي أنّه «خلال الفترة الممتدة بين عامي 1951 و1990، كان المعدل الوسطي السنوي للعواصف الترابية في العراق محدداً بواحدة كل 24 يوماً مقارنة بـ 122 يوماً عام 2013».
ويعزو الخبراء تكرار العواصف الترابية خلال الشهرين الأخيرين بشكل غير مسبوق في البلاد، إلى التغير المناخي وقلة الأمطار والتصحر.
بهذا الشأن قال المتنبئ الجوي العراقي صادق عطية، إن «العواصف الترابية واردة ضمن مناخ العراق، فهي تتكرر كل عام، وترتبط عادة بالأمطار، فكلما كان الموسم المطري غزير بالأمطار قلّ هبوب العواصف الترابية».
وأضاف عطية في تصريح لـ (باسنيوز)، أن «الظروف الجوية مناسبة لتشّكل العواصف الترابية، مثل وجود منخفضات جوية عابرة تتسبب بفوارق حرارية ونشاط بالرياح السطحية الشمالية الغربية، ما يجعل نسب هبوب العواصف عالية جدًا، وهذا يكون في حالة كان الموسم المطري شحيحاً».
وأوضح أن «الأمطار تساهم في نمو النباتات الطبيعية في المناطق الصحراوية، وتساعد على تماسك التربة التي هي في مناطق غرب البلاد عبارة عن تُرب رملية وقليل من الغرينية».
توسع الصحارى الغربية
ويشير تقرير للأمم المتحدة نُشر عام 2011 إلى أن 40 إلى 60 بالمئة من الأراضي العراقية عبارة عن زراعية وهجرت، أو رملية، وتركز أغلب هذه الأراضي في المناطق الغربية التي تعتبر بؤرا للغبار الذي يثار بفعل نشاط الرياح السطحية أو عبور منخفضات جوية جافة.
وبحسب إحصائية لدوائر وزارة الصحة العراقية، فقد تسببت موجات الغبار التي عاشتها البلاد منذ أبريل/ نيسان الماضي وحتى الـ10 من الشهر الحالي، في وفاة 10 أشخاص وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف.
وكان وزير البيئة جاسم الفلاحي، قد رفع مستوى التحذير جراء التغيرات البيئية التي يشهدها العراق، إذ أكد أن «ما يحدث يشكل خطراً حقيقياً يستدعي الاهتمام والنظر من قبل الحكومة العراقية».
وأعلنت وزارة البيئة العراقية في وقت سابق، أن الأيام المغبرة في البلاد سترتفع إلى 272 يوماً في العام خلال العقدين المقبلين، لتصل إلى 300 يوم عام 2050.
ويحتاج العراق بحسب ما كشفت عنه وزارة الزراعة إلى نحو 15 مليون شجرة لتشكيل مصدات خضراء عند المناطق الحدودية تقي البلاد من موجات الغبار والكثبان الرملية.
وأطلقت فرق تطوعية حملات لتشجير المناطق وتكثيف المساحات الخضراء جاء من بينها حملة «المليون شجرة»، و«بيتنا أجمل»، بهدف تخفيف حدة العواصف الترابية.
ويعد العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم خصوصا بسبب تزايد الجفاف، مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز لأيام من فصل الصيف خمسين درجة مئوية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حذر البنك الدولي من انخفاض بنسبة 20 في المئة في الموارد المائية للعراق بحلول عام 2050 بسبب التغير المناخي.
باسنيوز