اكثر من 500 شركة لبنانية تعمل في إقليم كوردستان مقابل 410 في كل العراق
في أحد أيام ربيع 2021، حمل أكرم جوهري أمتعته وجواز سفره اللبناني، صعد الطائرة من بيروت إلى بغداد دون خطة مسبقة، بحثا عن عمل، بعدما بات راتبه في لبنان لا يعيل عائلة من طفلتين وأبوين كبيرين في السن.
نتيجة الأزمة المتواصلة في لبنان منذ نحو عامين والتي صنفها البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، لم يعد راتب أكرم البالغ من العمر 42 عاما، يساوي مئة دولار مع تدهور قيمة العملة اللبنانية بنحو 90%. فاختار، على غرار العديد من اللبنانيين، السفر.
التوجه الى العراق
ترك عمله في لبنان، وشكلت بغداد الخيار الأكثر بديهية بالنسبة له: مدينة قريبة فيها حركة اقتصادية ناشئة، وتستقبل اللبنانيين بتأشيرة دخول على المطار.
ويروي أكرم من المقهى الذي بدأ بإدارته منذ نحو شهر في أحد شوارع وسط بغداد التجارية لوكالة فرانس برس "لم يكن لدي الوقت الكافي لأبحث عن عمل في الخليج. كان لا بد من أن أقوم بخطوة سريعة. جئت إلى بغداد وبدأت بالبحث عن عمل على إنستغرام"، إلى حين حصل على الوظيفة.
وتخنق الأزمة الاقتصادية الحادة التي بدأت منذ أكثر من سنتين، اللبنانيين، وقد بات 80% منهم تحت خط الفقر.
وبين يونيو/حزيران 2021 وفبراير/شباط 2022، دخل أكثر من 20 ألف لبناني العراق ، وفق السلطات العراقية، بدون احتساب الزوار الذين يأتون إلى النجف وكربلاء.
ويشرح السفير اللبناني في العراق، علي حبحاب، أن حركة اللبنانيين إلى العراق "مؤخرا تضاعفت، وزادت بشكل مطرد لا سيما في مجال القطاع الصحي"، إذ ينطبق ذلك خصوصا على "عشرات الأطباء اللبنانيين الذين يقدمون خدمات ويعتبرون زائرين في المستشفيات والمراكز الطبية العراقية".
سوق جديد وتشابه
ويرى الخبير الاقتصادي العراقي، علي الراوي، أن هناك "مساحة كبيرة وفرصا أكبر للشركات اللبنانية في الاقتصاد العراقي"، لأن "أغلب الشركات الأجنبية تتخوف من الاستثمار" في البلاد بسبب "الصورة المأخوذة عن الوضع الأمني".
ويضيف الخبير أن الشركات اللبنانية "أكثر احتكاكا بالاقتصاد العراقي وتعرف جيدا البيئة الاستثمارية ومتعايشة معها".
ويساهم في تسهيل استقرار الشركات اللبنانية، التقارب الثقافي واللغوي بين لبنان والعراق. وللمفارقة، يتشابه أيضا كثيرا الوضع السياسي والتركيبات الطائفية وانتشار الفساد في البلدين.
ولوقت طويل، حرم تدهور الوضع الأمني العراق من الاستثمارات ومن أن يكون وجهة للعمل، لا سيما بعد الغزو الأميركي في عام 2003، ثم النزاعات الطائفية، وسيطرة تنظيم داعش، والعنف الذي تلاها.
اليوم، تعود الحياة تدريجيا إلى شوارع بغداد التي شهدت فظائع دامية خلال السنوات الماضية ، إذ تفتح المقاهي أبوابها حتى وقت متأخر في الليل ، فيما مراكز التجميل والعيادات الطبية منتشرة في كل الزوايا.
لكن هذا النبض الجديد يترافق مع نقص في الخبرات ومع أزمات معيشية عميقة في بلد يعتمد بإيراداته بنسبة 90% على النفط.
ويعاني العراقيون أنفسهم أيضا من الفقر والبطالة وتدهور البنى التحتية ، إذ تبلغ نسبة البطالة بين الشباب فيه 40%، وثلث سكانه البالغ عددهم أكثر من 40 مليون نسمة ، يعانون من الفقر ، بينما يسعى عدد كبير منهم ، على غرار اللبنانيين، إلى الهجرة.
فضلا عن ذلك، يواجه القطاع الصحي خصوصا في العراق مشاكل عديدة تدفع الكثير من العراقيين إلى التوجه نحو الدول المجاورة مثل إيران وتركيا ولبنان، لتلقي العلاج.
متنفس
وكان عدد كبير من زبائن مركز بيروت التخصصي لطب العيون في لبنان من العراقيين، كما يشرح مديره الإداري، مايكل شرفان، من بغداد. وبدأت الأزمة تؤثر على عمل المركز في لبنان، وراح يتكبد خسارات هائلة. في 2020، يشير شرفان الى أن "أطباء كثر تركوا لبنان ونحن خسرنا أطباء".
عندها، شكل العراق الوجهة المثالية : السوق غير مشبع، والتكوين الديموغرافي ملائم، والخدمات التي يقدمها المركز غير موجودة في العراق، كما يشرح شرفان.
وفّر وجود المركز الذي افتتح قبل عام على المرضى العراقيين السفر إلى بيروت ، لكنه شكل أيضا "متنفسا" للعديد من الأطباء اللبنانيين وتعويضا لخسارات تكبدها المركز بسبب الأزمة في لبنان.
ويقول شرفان "أطباؤنا يأتون إلى هنا على أساس المداورة، كل أسبوع يأتي طبيب أو اثنان يقومان بمعاينات وعمليات، يكسبون بعض المال ثم يعودون إلى لبنان ، ما يعوض عليهم بعضا من خسارتهم".
في الوقت نفسه، يوفر المركز خدمات للمرضى العراقيين غير متوفرة في العراق. ويقول الطبيب العراقي، محمد حمزة أحمد، الذي يعمل أيضا كطبيب زائر في المركز "هناك عدد من الجراحات غير متوافرة في العراق، يؤمنها حاليا هذا المركز".
500 شركة لبنانية
وتوجد في العراق حاليا أكثر من 410 شركات لبنانية تعمل في مجالات مختلفة مثل قطاعات التعليم والبناء والسياحة كالمطاعم والفنادق. أما في إقليم كوردستان، فتوجد أكثر من 500 شركة، وفق السفير اللبناني، لا سيما في مدينتي أربيل العاصمة والسليمانية.
وشهد اقليم كوردستان حيث الاستقرار الامني توافدا لرجال اعمال لبنانيين وباحثين عن فرص لتحسين وضعهم المعيشي.
ورغم أنه قادر على تأمين معيشة جيدة لعائلته نتيجة عمله في بغداد، لكن ذلك يأتي بطعم من المرارة بالنسبة لأكرم . يؤلم الرجل كثيرا عدم قدرته على رؤية ابنتيه تكبران أمامه. ويقول "أحزن كثيرا لأنني لا أستطيع أن أشاهد ابنتي الرضيعة البالغة من العمر شهرين".
لكن قرب المسافة بين البلدين، يسهل هذه المشقة بعض الشيء. ويقول "أستطيع كل شهر أن أسافر وأرى عائلتي".
وتنتشر العديد من الجاليات العربية في إقليم كوردستان ، خاصة من سوريا والأردن ولبنان وغيرها العديد من البلدان العربية ولكن بنسبة اقل.
وتتنوع المهن ومجالات العمل، التي يشتغل فيها أبناء تلك الجاليات العربية في الاقليم، في قطاع السياحة والمطاعم والفنادق، إلى قطاع العقارات والانشاءات والبناء، وصولا إلى تبوء مناصب ادارية وتنفيذية في كبريات الشركات والمؤسسات العراقية والعربية العاملة في إقليم كوردستان ، على اختلاف أنشطتها.
أربيل وجهة الجالية اللبنانية
ويتركز وجود الجالية اللبنانية في العراق، بصورة أكبر في مدن إقليم كوردستان، وبشكل خاص في العاصمة أربيل.
هذا فضلا عن وجود أكثر من 250 ألف سوري (من الكورد) يقيمون في مدن إقليم كوردستان وفي مخيمات اللجوء ومراكز الإيواء ، وخاصة في محافظة دهوك المحاذية للحدود مع غربي كوردستان (الحدود السورية).
بينما تنتشر الجالية السورية (من المكون العربي) في مختلف المناطق العراقية ، بحكم التجاور الجغرافي والتداخل العشائري بين العراق وسوريا، ويعمل السوريون خاصة في مجال الانشاءات والمطاعم والمولات ومحلات البقالة .
أما المواطن المصري عبد الله محمد، وهو في الثلاثينات من عمره، والذي يعمل بائعا للشاي والمشروبات الساخنة في مدينة أربيل، فيقول ان "معاملة الناس اللطيفة هنا لا توصف، والأمان مستتب بشكل كبير، أعمل هنا منذ نحو عامين ونصف متنقلا بين عدة مطاعم وكافتيريات لكن بسبب طول ساعات العمل والتي تصل لنحو 13 ساعة، وقلة الراتب مقابل كل هذا الجهد، صرت أبيع الشاي في الساحات والأماكن العامة".
مشروع القرية اللبنانية في اربيل
ويتابع "يوجد عشرات المصريين الذين أعرفهم هنا في أربيل، لكن هناك طبعا كثيرون غيرهم ممن يعملون في مجالات أخرى غير مجال عملي، حيث يوجد أطباء ومهندسون ومحاسبون مصريون يقيمون في العراق وفي كوردستان".
ويضيف محمد: "أسكن في غرفة داخلها حمام بفندق شعبي قرب منطقة سوق القلعة، مع 3 شباب سوريين، وذلك كي نخفف من عبء الايجار عن بعضنا، حيث يدفع واحدنا شهريا مبلغ 75 ألف دينار عراقي وهو ما يعادل 50 دولار أميركي".
باسنيوز