محاولات اغتيال أربيل
حسين العنكود
تتعدد خيارات الرد أمام الذين يتعرضون للاستهداف أو الاغتيال أو الاحتلال أو الغزوات أو الحروب ومشتقاتها، وليس ثمة خيار أمام المدن العظيمة للرد على محاولات اغتيالها أفضل من مواصلة التطور والمزيد من الازدهار، فالذين يعشقون الحياة ويصنعون السلام لا يمكن أبداً أن يفكروا بتخصيب الأزمات المفتعلة لغايات تتعلق بتخريب مدنهم، والشعب الكوردي من أكثر الشعوب التي تعشق الحياة وصناعة السلام، وهذا ما تم معرفته والاعتراف به من قبل العالم أجمع، بالأخص في السنوات الأخيرة.
والشعب الكوردي في إقليم كوردستان العراق لديه مدن هائلة الامتداد والتبرعم والنمو والجمال ولكثرة ما فيها من التجمعات السكانية والعمرانية والصناعية والسياحية فأنها تبدو في حركة دائمة وتألق ليس له مثيل، وهذا ما أثار حفيظة البعض إن لم نقل الآخرين، وهذا ما جعل أولئك (البعض) يغارون وينزفون.
ومن الغيرة ما يدعو للقتل والاغتيال (في سلوكيات الفاشلين طبعا). والفاشلون طبعا ــ الذين لا يخفى على أحد معرفتهم رغم تعدد المصطلحات التي تشير ولا تجرؤ على تسميتهم - يحاولون جاهدين ترويض الشعب على التقيد بمنهجيتهم، وهذا انحراف عن المركز يدمر تماسكه، وهذا خطأ فادح لا يختلف عن إحكام مؤقت لفوهة صنبور وحصر المياه داخله، عندما ينفجر يخلف غرقاً شاملاً لا يستثني الذين يضغطون بأيديهم على الفوهة. ولا يستثني أيضاً أولئك الذين يعرفونهم ولا يجرؤون على تسميتهم إلا بالإشارة.
امتهن أولئك البعض تقرير مصائر المتظاهرين- ضد رداءة الخدمات في العراق- بالقرعة أو عن طريق الأولوية الحرجة، كلما رفع أحدهم رأسه يقتنص. يقتلون المتظاهرين ويقصفون المدن في الليل ثم يصبحوا جالسين على أسرة السلطة، وعندما تتجه أصابع الاتهام إليهم ينكرون، الفاعل المجهول المعلوم غالباً ما ينفي تورطه لينجو من احتضاره الأكيد، ويتظاهر بالفناء لأجل صيانة السلطة التي استلبها وشرعنها في لحظة خائنة من لحظات التاريخ.
وقد سئموا عمليات اغتيال المواطنين سال لعابهم لاغتيال المدن، واختاروا من المدن اجملها ثم استهدفوها بصواريخهم وطائراتهم المسيرة عبر ذرائع متعددة وبائسة معا، هم قاتلون جداً، يقتلون الأفراد والمدن والحدائق والطيور والحشرات، يتوحشون أكثر كلما داهمهم الموت، يعكسون مشهدهم الأخير، يرغبون أن يسبقوا موتهم باغتيال الآخرين يضخون الموت ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
يشتهي هؤلاء أخذ كل شيء، ابتلاع كل شيء، استلاب كل شيء، لا يرغبون بالسلم العام والخاص، هو لا يخدمهم، وهم لا يفهمونه. أرعبهم هذا الأمن وهذا الإعمار والازدهار في أربيل، وأرعبتهم معرفتهم بان كل محاولة لقتل أربيل لن تفعل غير بعث الحياة والإصرار على الحياة مجددا في أربيل. فتولدت عن هذا الرعب فكرة التوحش وبث الرعب المقطر، أغراهم الانجذاب لكل وحشية متكدسة في صدورهم وقذفها باتجاه الآخرين، تكمن اللعبة في أن مكيدتهم غالبا ما ترد عليهم، غرام انتصارات وهمية مقابل طن خسارات حقيقية وفقا لحسابات الكتلة. والوزن ورد الفعل، وفقاً لحسابات الطبيعة والرياضيات والفيزياء، إنهم يخسرون.
كوردستان نموذج فريد في إيواء نصف سوريا وثلث العراق بلا ضجه أو تذمر، وربما تستحق دخول غينيس لهذا العدد الهائل من النازحين والمهجرين والمقيمين، وكوردستان لديها خطاب متزن ورصين حتى تجاه "الأعداء الجدد"، وكوردستان آمنة لأنها تستحق أن تكون آمنة، علينا أن نقارن المدن المفككة والمظلمة، بالبريق الذي يشرفنا جميعا من أربيل وأخواتها، في أربيل يوسعوا من مساحات الحدائق ويزيدوا من ارتفاع أبراج الجمال ويحاربون بهدوء ويصرحون ولا يكذبون وليس لديهم الوقت الكافي لينصتوا لهذياننا وتراكماتنا، وأربيل فيها مئات المساجد والكنائس، وفيها توقف الأسواق لصلاة الجمعة وفيها خلق رفيع وطيبة لا يمكن لاحد أن يعرفها دون أن يجربها، أربيل لا تسأل الزائر إن كان نجفياً أو موصلياً أو بصرياً أو أنبارياً، وأربيل لا تسأل الغريب عن وجهته ودعوته وعقده وتراكماته، أربيل تصلح لمسافر مؤدب تمنحه كل حبها وامنها واحترامها.
في الإقليم الكوردي الرافض للعنصرية والضغينة والنقمة وسوء الأفق، تم استبعاد رهان التراكمات القومية والحروب المتراكمة، وتم فسح المجال للتعايش السلمي في ومضة تاريخية جريئة ونادرة، فنجح التعايش نجاحاً لم يحدث مثله سابقا وفي أي مكان، العربي له حقوقه كاملة أسوة بمواطني الإقليم، ورشح العربي نفسه في قوائم أحزاب الإقليم، هكذا صنع الكورد مجدهم المظفر.
لكن أمام كل مجد ثمة عراقيل، عدم قابلية الخروج من النظرة الاستعلائية وأبهة الأمجاد الماضوية لدى المبغضين والحاسدين، ساهمتا في إخفاء التاريخ الحقيقي للكورد وإيقاظ الأرشيف المدبلج الذي تم تعبئته بعقلية رجعية هزيلة، محاولة تسخين حدث تاريخي، أو إعادة النبض إلى حدث ميت عبر تحفيزه بالفولتية، ليس ثمة ثقافة أبداً تعاملت مع هذا الشعب العريق بمثل هذا التعامل الساذج.
المعترضون على النمو والسلام والازدهار في أربيل، ليست لديهم تبريرات أخلاقية مقبولة أبداً، لذلك يأسوا من بث خطابات الكراهية واتجهوا إلى بث الموت ولسان حالهم يقول: لا فائدة من الاعتراض عليها، لنستهدفها بالقنابل ونربك السياسة الناجحة، الأمن المجتمعي النظيف، السياحة النشطة، ثأراً لسياستنا الفاشلة وامننا المفقود وسياحتنا المنطفئة. وهذه أفضل طريقة لإغاظة الحلفاء أيضاً، والقريب والبعيد، أنه على اقل تقدير، لفت الانتباه إلا وجودنا العبثي. هذا وسواسهم الداخلي. انهم يتبرعمون بفعل هشاشة العالم.. هذا انطباعنا الصريح.
القدرة على انهيار كل اعتراض لمواصلة الحياة تتم بمجرد زوال أسبابه، وزوال أسبابه يتوفر بتوفر النية، والنية متوفرة لدى شعب وقادة إقليم كوردستان العراق. فالعمران أكثر نمواً من السلاح، والعمران لا يصاب بالصدأ والصدأ يصيب السلاح ويصيب الأفكار والآراء والقادة أيضا الدول التي صدأ قادتها صدأت أيضاً، إنما الصدأ أكسيد يصيب الأشياء الراكدة والمهملة بالتآكل، المثابرون المخلصون الواثقون لا يصدأون.
في الشرق الأوسط الملتهب كفت بعض المدن عن كونها مدن، وكفت بعض العواصم أيضاً عن كونها عواصم، وبقيت أربيل مدينة وعاصمة لا تكف عن النمو، وصمدت أربيل المدينة الباسلة وهي تعترض بصدرها الغض نبال الغادرين.
كوردستان24