الحرب الوشيكة في أوكرانيا وشويغو في سوريا!
بكر صدقي
أو كما يقول المثل السوري السائر «الطبل في دوما والعرس في حرستا». هذا هو التعليق الذي تستحقه زيارة وزير الدفاع الروسي إلى دمشق، بصرف النظر عن أهمية العمل الذي جاء من أجله أو ملحاحيته. فحين يكون بلدك على وشك القيام بغزو عسكري لبلد مجاور، لا يعقل أن تسافر إلى منطقة أخرى تبعد آلاف الكيلومترات عن الجبهة الحربية المفترضة وأنت وزير الدفاع. ولعل هذا ما أراده الرئيس الروسي بوتين من مهمة شويغو، أي إعلان عدم استعداد بلاده لغزو الجارة أوكرانيا. وهو ما يكرره المسؤولون الروس على أي حال في مواجهة الاتهامات الأمريكية ـ البريطانية (والأطلسية).
الواقع أن أهداف روسيا من الضغط على أوكرانيا من خلال حشد قوات عسكرية بلغ عديدها بين 100 و150 ألف عسكري (الرقم الثاني تهويل أطلسي) على حدودها من جهتي روسيا وبيلاروسيا، بذريعة القيام بمناورات عسكرية، هي أهداف واضحة ومعلنة وتم تسليمها بنص مكتوب إلى الأمريكيين الذين رفضوا التجاوب معها، وهي باختصار الحصول على تعهد خطي بعدم ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي تعتبره موسكو تهديداً لأمنها القومي. بكلمات أخرى: هدف بوتين من حشد القوات هو التفاوض وليس الحرب.
السلوك الأمريكي تجاه المشكلة الأوكرانية هو ما يحتاج تفسيراً، فقد بلغ قرعها لطبول الحرب درجة الطلب من رعاياها مغادرة الأراضي الأوكرانية، وهو إجراء لا تلجأ إليه الدول عادةً إلا عند اندلاع الحرب فعلاً أو التأكد من أن اندلاعها بات مسألة ساعات. ويقول الأمريكيون إنهم أعطوا حلفاءهم الأوروبيين معلومات استخبارية تؤكد أن الروس سيبدؤون بغزو أوكرانيا في 15 أو 16 شباط، في حين أن الرئيس الأوكراني زيلنسكي تحدث إلى وسائل الإعلام مطالباً بالحصول على المعلومات الاستخبارية المشار إليها إن وجدت فعلاً!
ما يحدث أمام أعيننا هو تحشيد سياسي وإعلامي غربي غير مسبوق إلا قبيل الغزو الأطلسي للعراق في عام 2003 حين تم تضخيم قدرات مزعومة للجيش العراقي تبريراً للغزو. واليوم لا يكتفي الأمريكيون بذلك بل يعلنون موعداً لبداية الغزو الروسي ويتصرفون على هذا الأساس، بما في ذلك نقل طاقم السفارة الأمريكية من العاصمة كييف إلى مدينة لافييف غرباً، تعزيزاً لتقديرات إعلامية عن سقوط العاصمة الأوكرانية في يد الروس بسرعة إذا حدث الاجتياح!
ترى ما هي دوافع الأمريكيين والبريطانيين وراء كل هذا التهويل الذي يفتقد لمبررات معقولة؟ هل يريدون حقاً أن تقوم روسيا بغزو أوكرانيا؟ ما الذي يمكن أن يجنوه من ذلك؟ إظهار بوتين كهتلر جديد أو صدام حسين جديد لحشد تحالف دولي كبير لمواجهة روسيا؟ مواجهتها بعقوبات اقتصادية! فهذا ما يملكه الأمريكيون في جعبتهم من أدوات مواجهة! في حين أن روسيا تملك في هذا المضمار أدوات أقوى وأكثر فعالية أبسطها قطع امدادات الغاز عن أوروبا في عز الشتاء.
يقال إن الرئيس الفرنسي ماكرون قد تعهد لبوتين، في زيارته الأخيرة لموسكو، برفض انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وهذا هو المطلب الرئيسي للرئيس الروسي. ولا يستبعد أن يقدم المستشار الألماني تعهداً مشابهاً أثناء لقائه بالرئيس الروسي. إذا صحت هذه التسريبات يكون بوتين قد حقق إلى الآن مكسبين من حملته، الأول هو حصوله على ضمانات من دولتين مهمتين في الناتو بشأن رفض عضوية أوكرانيا، والثاني هو خلق شرخ في الحلف ذاته بين «جناح الصقور» واشنطن ولندن، و«جناح الحمائم» باريس وبرلين.
وأضاف الرئيس الروسي إلى أدوات ضغطه العسكرية على أوكرانيا (ومن ورائها حلف الأطلسي) أداة تشريعية هي قرار الدوما بشأن الاعتراف بمقاطعتي لوهانسك ودوناتسك ذاتي الغالبية الديموغرافية الروسية كـ»جمهوريتين مستقلتين» قرار ينتظر موافقة الرئيس الروسي ليتحول إلى قرار رسمي للدولة الروسية، إضافة إلى ورقة الغاز والنفط. أما القمح الأوكراني الذي تستورده دول كثيرة في أوروبا وخارجها، ومن شأن انقطاع توريداته أن يؤدي إلى أزمة غذاء عالمية فهي ورقة احتياطية يمكن لبوتين أن يهدد بها من جيب جارته التي أصبحت موضوعاً للنزاع الدولي.
هل يؤدي التهويل الأمريكي إلى توريط بوتين في غزو أوكرانيا فعلاً؟ ربما يراهن الرئيس بايدن على العكس، أي على أن يتصرف بوتين بعقلانية فلا ينجر إلى الحرب، وفي هذه الحالة ستهتز صورته أمام جمهوره الروسي في الداخل بوصفه قائداً مهزوزاً رضخ للابتزاز الأمريكي فتراجع عن الغزو. وهذا ما يمكن استثماره أمريكياً لنزع صفة الدولة العظمى الند عن روسيا. ولكن يبقى أن الرئيس الروسي القادم من جهاز المخابرات السوفييتي أذكى من أن يستجيب للابتزاز والتهويل الأمريكيين، فهدفه الأساس هو جر الأمريكيين إلى التفاوض معه على تقاسم خرائط القوة على الصعيد العالمي. ومن هذا المنظور يمكن فهم حشد المزيد من الطائرات الحربية الروسية في قاعدة حميميم، والمزيد من القطع البحرية الحربية في ميناء طرطوس على الشاطئ السوري للمشاركة في مناورات عسكرية كبيرة في شرق البحر المتوسط، كان الإشراف عليها هو عنوان زيارة شويغو لدمشق، وستشكل استعراض قوة كبيراً في مواجهة الأمريكيين والأوروبيين، في خدمة الهدف البوتيني نفسه: فرض التعامل بندية مع روسيا على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
باسنيوز