السلحفاة العراقية!
طارق كاريزي
مرّ حوالي شهران ونصف الشهر على إجراء الانتخابات النيابية في العراق، ومازالت النتائج رهن المناورات السياسية للقوى والأحزاب السياسية. المفوضية المستقلة للانتخابات رغم إعلانها النتائج الأولية طبقا لما قدمتها صناديق الاقتراع، لكنها ومعها المحكمة الاتحادية، مازالت الخشية والتردد تخيمان على موقفهما، فالوضع السياسي متشنج والقوى التي تراجعت انتخابيا تشكك بعمق بالعملية الانتخابية. أكثر من شهرين من عمر الدولة مضت هدرا ومازالت الأمور المتعلقة بنتائج الانتخابات وهي مهمة وحيوية، نعم مازالت هذه الأمور وما يترتب عليها من آليات قانونية ودستورية تراوح مكانها. وفي حسابات الربح والخسارة، فإن إضاعة الوقت خسارة لا مجال لتعويضها، خصوصا في بلد كالعراق حيث يعاني من جراحات وكدمات كثيرة.
لنعود الأدراج إلى حيث الانتخابات. هل الادعاء بالتزوير يمكن إثباته، وهل هناك حقيقة ثغرات في آلية إجراء الانتخابات؟ إن كان الجواب على السؤال الأخير بنعم، طيب لماذا لم تعلن القوى المشاركة في الانتخابات عن اعتراضاتها حيال آلية عمل المفوضية قبل إجرائها؟
من باب التأكيد سألت موظفا يقود شعبة في إحدى المكاتب الانتخابية عن آلية التصويت والفرز الالكتروني، وقد شرح لي مشكورا بشكل مفصل آلية التصويت ومن ثم فرز الأصوات ودفع المعلومات بآلية سريعة وبالغة الدقة إلى الجهة العليا في المفوضية، بحيث يقول المنطق والواقع بأنه لا مجال بالمرّة في التشكيك بنزاهة العملية ولا مجال بالمطلق للتزوير. ومن باب زيادة التأكيد، أتذكر ساعة إدلائي بصوتي دقة الإجراءات الالكترونية التي اتخذت بحقي كمواطن في المحطة الانتخابية التي أدليت بصوتي فيها. نعم، تطلب مني كمواطن العثور على اسمي في قائمة الناخبين وتقديم بطاقتي الانتخابية ومن ثم التأكد من بصمتي التي استغرقت وقتا ليس بقليل، ولم يسمح لي العاملون بالمحطة الإدلاء بصوتي إلا بعد التأكد من صحة البيانات الثبوتية والمادية المتعلقة بيّ تماما. عليه أرى أن الادعاء بالتزوير يفقد الواقعية تماما، وهكذا ادعاءات ما هي إلا للتغطية على تراجع شعبية بعض القوى، وهو أمر وارد تماما في اية انتخابات، وإلا ما الداعي لأجرائها أصلا؟
طبقا للمعلومات المؤكدة التي حصلت عليها، فإن مفوضية الانتخابات باستطاعتها تقنيا وبشريا إعلان النتائج الأولية للانتخابات خلال أقل من 24 ساعة، ومع حسم الطعون المقدمة يمكن أن تعلن المفوضية النتائج النهائية خلال مدة قصيرة لا تتعدى أياما معدودة. هذا عن الواقع والإمكانيات التقنية المتاحة، لكن التعثر حصل ويحصل بسبب العراقيل التي تضعها بعض القوى السياسية وتهديداتها المستمرّة، مما يستدعي التريث وقتل المزيد من الوقت.
بناء على ما سلف، فإن واقع حال المشهد العراقي يقدم صورة هي نتاج الأزمة السياسية التي يعيش البلد تداعياتها منذ سقوط النظام السابق عام 2003، حيث يعاني العراق من أزمة إعادة تأسيس وبناء الدولة وفق أسس الحرية والديمقراطية التي رسمت خطوطها العريضة في الدستور العراقي المصادق عليه شعبيا عام 2005. التباطؤ وإهدار الوقت ليس في صالح العراقيين أبدا، ولا يرتد بالمنفعة على القوى السياسية التي تضع العراقيل أمام العملية السياسية التي لن يكتب لها التقدم وبالتالي النجاح من دون دعم شامل من قبل جميع القوى السياسية ومن الشعب بكافة قطاعاته وطبقاته.
يبدو أن المشهد السياسي العراقي لا يؤشر حتى الآن إلى التحسن والسير باتجاه بلورة وضع إيجابي يمهد لتغييرات ميدانية في واقع حياة المواطنين والنهوض بالخدمات وتحسين الوضع المعاشي ومستويات الدخل والحد من ظاهرة العوز والبطالة وتراجع الخدمات والسعي لتطوير البنى التحتية. إنه مشهد يشبه السلحفاة في بطئ مسيره ما يعني أن الآفاق مازالت معتمة، لأن الجهود تضيع والأرصدة تذوب من دون ان توظف لمخرجات تنموية كي يخطو البلد نحو الأمام.
الصراع السياسي الذي تحول إلى تناطح على السلطة يجب أن يحتكم لآلية مقبولة وفق منطق العصر، وبعكسه فإن الشعب العراقي قد جرّب حكم الانقلابات العسكرية والحكم الفردي والحزب الواحد. الديمقراطية كانت بمثابة سفينة النجاة بالنسبة للعراقيين، لكن خضوع العملية السياسية لسطوة الأحزاب والمجاميع المسلحة، يفرغها من الفحوى تماما.
باسنيوز