شروط الإقامة في الإقليم
حسين العنكود
ثمة هاجس غريب ينتاب الباحث عن سر تباين الجغرافيا وعلاقة هذا التباين بسلوكيات الناس، فلكل ارض لون وشكل وطقس ومناخ، ولأن السائل يأخذ شكل الإناء الذي يحتويه وفقا لحالات المادة في الفيزياء، فإن البشر يأخذون أشكالاً وألواناً وطقوساً ومناخات الأماكن التي يقيمون فيها.
لدى إقليم كوردستان العراق جغرافيا لها لون أخضر وأحمر وأصفر وأزرق وبنفسجي وبرتقالي وسائر ألوان أزهار الله التي تنبت هنا في جميع فصول العام، ولدى إقليم كوردستان مدن فاتنة وخالية من الضغينة والشوائب، وتبعاً للفيزياء فإن جغرافيا الإقليم تهب سماتها الحميدة لمواطنيها أولاً ثم للضيف والسائح والنازح والمقيم، فما أن يدخل العراقيون من أرجاء مدن العراق منافذ الدخول الرسمية إلى الإقليم حتى يخلعوا عباءاتهم العرقية والأثنية والطائفية دون أن يأمرهم أحد بهذا. نازحون ومقيمون وسائحون من جميع المدن يتجولون في شوارع وأسواق ومتنزهات وجبال الإقليم الكوردي دون أن يسأل بعضهم بعضاً عن طائفته أو توجهه السياسي أو تراكمات السنوات التي شهدت توترا بين الطائفتين، الجغرافيا هنا خصبة ومرنة ورحيمة رغم وعورة التضاريس، الجغرافيا هنا أليفة وخالية من الشوائب والأدغال، تنمو فيها كل ثمرة صالحة للنمو ومتآلفة مع عوامل الطقس الإنساني وعوامل الضغط الجوي، وفي جغرافية الإقليم تموت كل نبتة ملوثة غير صالحة للنمو وغير متآلفة مع الطقس الإنساني وعوامل الضغط الجوي.
إقليم كوردستان العراق، الأخضر على الدوام، والأكثر أمناً على الإطلاق وفقاً لاستبيانات أمميه رصينة، صار هدفاً للسائحين والمقيمين والمستثمرين، وكلما التهبت المدن من حوله بسبب تقلبات الطقس السياسي ومشتقاته من نعرات وحروب كبيرة وأخرى صغيرة، زاد توجه الناس الى الإقليم كسائحين ومقيمين ومستثمرين، فالإنسان يبحث عن الأمن أولاً ومن ثم السعادة يليها اطمئنانه على أمواله وممتلكاته.
لا يختلف الإقليم عن سائر مدن الله كثيراً، إلا انه غالباً ما يزاول صيانة العدالة والحريات وحقوق الإنسان فيما تصدأ العدالة والحريات وحقوق الإنسان على بعد ياردات من حدوده الأربعة.
شوارع الإقليم لم تألف قوافل وأرتال الدبابات الأمريكية التي تجبر المواطنين على الانتظار على هيئة طوابير حتى مرور آخر قطعة مدرعة من الرتل، ولا تعرف شوارع الإقليم طقوس مواكب المسؤولين ومشتقاتها من أبواق وتدافع وإليك إليك، لذلك ما أن يدخل المواطن العربي إلى مدن الإقليم حتى يتخلى عن كل قلقه الذي خلفته فكرة طوابير الأرتال ومواكب المسؤولين، ففي شوارع الإقليم لا أرتال عسكرية ولا مواكب مسؤولين، ويحدث أن تلتفت الى يمينك وأنت جالس في مركبتك عند إشارة المرور الحمراء لتجد مركبة مسؤول اجنبي رفيع أو ووزير أو قنصل أو فنان مشهور تحاذي مركبتك وتذعن لأوامر الإشارة الحمراء، ويحدث أن تتجول في أسواق قلعة أربيل الشهيرة وتتدافع في زحام السائحين مع قنصل اجنبي أو محافظ أو وزير، وعندما تجلس على المقاعد المحيطة بنافورات القلعة الشهيرة تشعر أنك مواطن حر أبن حر أبن حر حتى أول سلالة أحرار خلقها الله على الكرة الأرضية.
ثمة محاذير تشترطها الدول والمدن الكبيرة والصغيرة على زائريها، ويزداد منسوب هذه المحاذير كلما زاد منسوب العنف الذي استشرى في قارات العالم كاستشراء الأوبئة والكراهية والحروب، فلكي تكون حراً وسعيداً في الإقليم ليس ثمة شروط كثيرة، أولها هو احترامك لنفسك وللأمن المجتمعي وآخرها احترامك للآخرين، دينك صنه في قلبك، وأخلاقك دعها تسبق كلماتك، واحترم إشارة المرور والمارة وعابري السبيل والقانون، القانون الذي لا يميز هنا بين مواطن ومقيم ونازح وسائح وضيف. تلك هي شروط الإقامة والسياحة في إقليم كوردستان العراق، ويا لها من شروط إنسانية يسيرة ورفيعة قياساً بشروط دول ومدن الآخرين.
كوردستان24