برغماتية الإمارات ومحمد بن زايد "كيسنجر" العرب
ديفيد إغناثيوس
رغم الاضطرابات الأخيرة في أفغانستان،هناك ميل جديدا لخفض التوتر في السياسة الخارجية العالمية، وهذا واضح في موقف الإمارات التي وصفت ذات مرة بـ "إسبرطة الصغيرة".
ولكن الإمارات غيّرت موقفها ببراغماتية فجّة تجعل من ماكيافيلي نفسه محرَجاً، فقد غيرت الإمارات مؤخرًا مسار المواجهة مع إيران والأحزاب الإسلامية إلى الحوار. وخلال العام الماضي، تحركت من أجل حل المشاكل مع إيران وتركيا وقطر وليبيا وأعداء آخرين.
وكان التعديل الأهم في سياسة الإمارات العربية المتحدة هو علاقتها مع إسرائيل ضمن ما عرف باتفاقيات أبراهام، التي وقعت قبل عام من اليوم. وكانت الاتفاقيات هذه نتاج جهد إدارة دونالد ترامب، ولكنها متجذرة في موقف الإمارات العربية المتحدة تبني التعاون الإقليمي، بعيدًا عن الدين أو الأيديولوجية، في وقت بدأت الهيمنة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط بالتلاشي. وقال مسؤولون إماراتيون إنهم يتوقعون أن يصل حجم التجارة مع إسرائيل خلال العقد المقبل إلى تريليون دولار.
إن رؤية الإمارات للسياسة الخارجية المستقلة دفعتها أحيانًا لاجتياز الخطوط الحمراء في تعاملها مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن تطور دولة الإمارات العربية المتحدة يدل على تحول عالمي أكبر. حيث أن تحولها لخفض توتر الصراعات الإقليمية إلى الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية المحلية، هو صورة عن نهج إدارة بايدن في الولايات المتحدة، بل وبكين ونسختها الاستبدادية "البناء الأفضل" والتأكيد على الازدهار المحلي المشترك في التصريحات الأخيرة.
وعكس الخروج الأمريكي من أفغانستان والطريقة السيئة التي تم فيها، إجماعًا دوليًا ضد "الحروب الدائمة" وهو ما بات يتفق عليه المسؤولون الأميركيون والأجانب. وانسحاب الإمارات من الحرب المدمرة في اليمن وليبيا، كان إشارة لهذا التوجه، حيث اكتشفت الإمارات أن الثمن يتفوق على المنافع.
يقول مارتن إنديك، الدبلوماسي الأمريكي السابق، إن الشيخ محمد بن زايد، الزعيم الفعلي للبلاد، "لديه بعض الشيء من كيسنجر، في قدرته على قراءة التحولات في ميزان القوى والتكيف معها دون أن تقف المشاعر في الطريق". وهو مؤلف الكتاب القادم "سيد اللعبة"، وهو تقييم رائع لدبلوماسية وزير الخارجية هنري كيسنجر في الشرق الأوسط.
يوضح أنور قرقاش، وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية في الإمارات، إن السياسة الجديدة للإمارات تقوم على "صفر مشاكل". وقال في مقابلة يوم الثلثاء إن عملية "إعادة المراجعة" بدأت في عام 2019، بسبب المخاطر النابعة عن الحرب في اليمن، والهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الإيرانية ضد الإمارات والمملكة العربية السعودية، والشعور بأن القوة الأميركية بدأت "التراجع" في المنطقة.
وفي خضم التوتر المتزايد في المنطقة، يقول قرقاش إن "من شأن اتباع نهج متصاعد أو تصادمي أن يدفعنا إلى التورط في حروب طويلة". ولهذا قررت الإمارات تغيير مسارها، والتركيز على التنمية الاقتصادية كوسيلة للأمن. ويرى المسؤولون الإماراتيون أن عصر النفط قارب على النهاية، بعدما اعتمدت عليه الدولة في النمو.
كما أن التحرك الإماراتي هو نوع من التصحيح للمسار بعد التحالف الخطير مع إدارة ترامب. واتهمت وزارة العدل الأمريكية مدير لجنة تنصيب ترامب، توماس باراك بالضغط غير القانوني لكي يمرر المصالح الإماراتية. وفي دعوى قضائية خاصة تم تقديمها إلى محكمة فدرالية في كاليفورنيا، اتهم فيها جامع التبرعات لحملة ترامب، إليوت برويدي، بنشاطات مماثلة، وكلاهما نفيا القيام بأعمال غير قانونية.
ويقول يوسف العتيبة، سفير الإمارات في واشنطن:" تغيرت نظرتنا، ننظر للعالم بطريقة مختلفة". وفي الوقت الذي دفعت فيه الإمارات واشنطن لاتخاذ مواقف متشددة من إيران وتركيا والراديكالية الإسلامية، فهي اليوم تدعو للتصالح، ويعوّل المسؤولون فيها على توسيع العلاقات الاقتصادية والأمنية مع الصين.
عادة ما أظهرت دولة الإمارات ميلًا للتوجه مع الريح - بلد صغيرة استخدم ثروته النفطية كي يصبح مركزاً للنشاط العالمي. وقال لي مسؤول إماراتي إن الجنرال جيم ماتيس، وزير الدفاع السابق، أطلق عليها اسم "إسبرطة الصغيرة"، لكن البلاد اليوم تحاول أن تتخلص من ذلك الوصف وترغب أن تكون "سنغافورة الصغيرة".
ويظل محمد بن زايد، الصوت الحازم في الإمارات، لكن رجل الاتصال في كل التحركات السياسية الأخيرة هو شقيقه طحنون، الذي يشغل منصب مستشار الأمن القومي. ويعمل طحنون في الظل، وسافر مثًلا سرًا إلى إيران، وبدأ بمناقشة ما وصفه مارتن إنديك "معاداة تصل لحد عدم العداء". ويعمل طحنون عبر شبكة من مدراء المخابرات الأقوياء في تركيا ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول.
وفي الشهر الماضي، سافر طحنون إلى تركيا وقطر للبحث عن سُبل المصالحة مع البلدين. وقال الرئيس رجب طيب أردوغان الذي وصفه المسؤولون الإماراتيون قبل عام بأنه تهديد مساوٍ لإيران، بحماسة بعد لقائه مع طحنون، أن الإمارات "ستقوم باستثمارات مهمة في بلدنا وقريبًا"، وكما تعلمت الولايات المتحدة في السنوات الماضية، فإن المال والتعاون الاقتصادي يصنعان أصدقاء.
وفي بعض الأحيان تكون الاتجاهات في السياسة الخارجية خفية وغامضة؛ وهذا أحد الاتجاهات التي نواجهها. تبدأ السياسة الخارجية من الداخل، باقتصاد سليم - سواء أكان ذلك في واشنطن أم أبو ظبي.
واشنطن بوست