• Wednesday, 17 July 2024
logo

مؤتمر بغداد والتوق إلى الاستقرار

مؤتمر بغداد والتوق إلى الاستقرار

بكر صدقي

 

يثير المؤتمر الإقليمي ـ الدولي الذي عقد في بغداد مؤخراً تساؤلات عن أسبابه ودوافع المشاركين فيه وجدواه. لكن الانطباع الأبرز يبقى أنه يحيل إلى زمان قديم كانت السياسة فيه، في هذه المنطقة، عبارة عن لقاءات حكام الدول، أو من ينوب عنهم، الثنائية أو المتعددة، بعيداً عن هموم وتطلعات شعوبهم. لقاءات يغلب عليها الطابع البروتوكولي أو إلقاء الخطابات، أو تنتهي بمؤتمرات صحافية غالباً ما لا تعكس المواضيع التي تم البحث فيها أو الاتفاق عليها في الاجتماعات المغلقة.
حال وباء كورونا دون انعقاد المؤتمر السنوي لقادة الدول العربية، في 2020 و2021 على التوالي، في حين انعقدت اجتماعات القمة العربية بين 2011 ـ 2019 في ظروف مضطربة على خلفية ثورات شعبية، وسقوط حكام، وحروب داخلية ومجازر، وتدخلات عسكرية خارجية، وانقسامات حادة بين المحاور والأحلاف، وحالات نزوح وهجرات جماعية باتجاه أوروبا وغيرها من القارات والدول.
العراق بالذات عانى ما عانى من اضطراب مستمر منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003 على يد القوات الأمريكية الغازية، وما تلا ذلك من صعود منظمة القاعدة ومشتقاتها وصولاً إلى إعلان الدولة الإسلامية على مساحات واسعة ومتصلة من العراق وسوريا في 2014، والتدخل الإيراني المستمر في الحياة السياسية العراقية وهيمنتها على حكومات متتالية عن طريق تيارات طائفية تابعة لها، والعمليات العسكرية الدورية التي يقوم بها الجيش التركي في الشمال.
العراق بلد غني بالثروات الاقتصادية والبشرية، لكن هذه الامكانات معطلة منذ عقود، سواء في ظل مغامرات نظام صدام وحروبه العبثية في الداخل ومع الجوار، أو بعد الإطاحة به في ظل حكومات متتابعة تنخرها الصراعات والفساد، إضافة إلى تشكيله ساحة للنزاع بين الأمريكيين والإيرانيين والمنظمات الجهادية والحشد الشعبي. الانتفاضات الشعبية المتتابعة ضد الحكومة فشلت في إحداث تغيير في اللوحة السياسية، ربما لأنها اقتصرت غالباً على المكون السني، وإن حدث وشاركت مكونات أخرى في بعضها.

منذ وصوله إلى السلطة، يحاول رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن يرسم صورة مختلفة لنفسه عن سابقيه. من الواضح أنه يسعى إلى إقامة توازن في علاقات العراق الخارجية للتفلت، ولو نسبياً، من النفوذ الإيراني الطاغي، بمد الجسور مع الدول العربية. فكانت القمة الثلاثية مع مصر والأردن خطوة أولى على هذا الطريق. وها هي قمة بغداد توسع دائرة المشاركة لتصبح 9 دول، بينها فرنسا التي شارك رئيسها ماكرون شخصياً في الاجتماع.
لكن الأهم من ذلك أن العراق الذي كان سابقاً موضوعاً لسلسلة اجتماعات باسم «دول جوار العراق» منذ العام 2004، يحاول من خلال هذا المؤتمر أن يظهر بمظهر الدولة المركزية التي تدعو قادة دول مجاورة وأخرى إقليمية ودولية للاجتماع في بغداد. أي التحول من موضوع إلى ذات فاعلة. بصرف النظر عن أن المؤتمر لم يخرج باتفاقات من أي نوع، وما كان له أن يخرج بسبب تنافر مصالح البلدان الممثلة فيه، يبقى أن مجرد حدوثه يعيد الأمور إلى نصابها من المنظور المشار إليه، ويشكل مكسباً معنوياً للكاظمي قبيل الانتخابات العامة المقررة في الشهر القادم.
أما ممثلو الدول الأخرى المشاركة في الاجتماع، فلكل منهم دوافعه المختلفة، لكن الاجتماع أتاح هامشاً للقاءات ثنائية بين دول كان بينها ما صنع الحداد إلى وقت قريب، كقطر والإمارات، وتركيا ومصر على سبيل المثال. ربما كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الأكثر حماسة لحضور الاجتماع، استئنافاً لمحاولاته السابقة في الظهور بمظهر الدولة العظمى التي تتدخل دبلوماسياً لحل مشكلات دول الإقليم أو مساعدتها على ذلك، في الوقت الذي تنسحب واشنطن منه.
دعوة الجزار السوري بشار الأسد لحضور المؤتمر كانت مثار خلاف داخل حكومة الكاظمي، وحسناً أنها لم تحدث. كان من شأن تأكيد الدعوة، والحماس المتوقع لحضور المؤتمر من قبل بشار أو أحد ممثليه أن يفشل القمة، ربما بتراجع بعض الدول عن المشاركة لهذا السبب، أو بإغراق ممثل النظام، في حال حضوره، أجواء المؤتمر بالأكاذيب والاتهامات والأحقاد وتمجيد الذات. حتى في غيابه لم يتمالك وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان نفسه عن استفزاز الحضور. فماذا لو حضر بشار أو وزير خارجيته فيصل المقداد؟
مؤتمرات واجتماعات متعددة الأطراف من هذا النوع تحدث عادةً في مناطق وبين دول مستقرة حققت مستويات متقدمة من التطور في مختلف المجالات، بهدف التعاون وتحقيق الفوائد المتبادلة. أما في اقليمنا فهي تعقد، إن عقدت، لتحقيق استعراض إعلامي للحكام وممثليهم للتغطية على المشكلات الحقيقية التي تعاني منها بلدانهم. بهذا المعنى يمكن الافتراض أن توق الحكام إلى الاستقرار و«الزمن الجميل» بعد عقد الثورات، هو الدافع الأبرز لكثير من المشاركين في مؤتمر بغداد.

 

 

باسنيوز

 

Top