الانسحاب على الطريقة الأميركية
معد فياض
نجح العراق في التوصل الى نتائج جيدة في الحوار الستراتيجي مع الولايات المتحدة الاميركية بما يتناسب مع مصالح العراقيين، ذلك الحوار الذي شاركت فيه وزارة الخارجية العراقية وخبراء عراقيون، بينهم الكورد بالتأكيد في بغداد وواشنطن، والذي قاد الى الاتفاقية الستراتيجية التي باركها وايدها ووافق عليها قادة الاحزاب السياسية الشيعية والسنية والكوردية.
الاتفاقية الستراتيجية لا تعني انسحاب القوات الاميركية او عدم انسحابها فحسب، بل هذه احد بنودها، وهناك نقاط تتعلق بدعم واشنطن للكثير من الجوانب الامنية والاقتصادية والسياسية والثقافية والصحية والاجتماعية التي لم يقرأها العراقيون جيداً، او اهملوا قراءتها بسبب تركيز القوى السياسية على موضوع واحد ألا وهو انسحاب القوات الاميركية من البلد وأهملوا عن عمد بقية المواضيع المهمة في هذه الاتفاقية.
لو قرأنا تصريحات الرئيس الاميركي جو بايدن لدى استقباله رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الاثنين، في البيت الأبيض، وتصريحات بقية المسؤولين الاميركيين، لتأكدنا ان واشنطن ستسحب قواتها من العراق حسب الطريقة الاميركية، والتي تعني انسحاب اللا انسحاب، بايدن قال إنّ الولايات المتّحدة ستنهي بحلول نهاية العام "مهمّتها القتاليّة" في العراق لتباشر "مرحلة جديدة" من التعاون العسكري مع هذا البلد. من جهتها أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، أن مهمة القوات الأميركية في العراق تغيرت، لكن هذا لا يعني انتهاء الشراكة بين واشنطن وبغداد.
حسب الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، فان القوات الاميركية ستبقى بتغيير المسميات والمهمات، من قتالية الى استشارية، ولاغراض لوجستية وبمهام تدريبية، وبالمحصلة هذا يعني عدم انسحابها، وقد أكد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن هذه الحقيقة عندما قال، الأحد، إنّ القوّات الأميركيّة المنتشرة في العراق "قادرة على شنّ عمليّات قتاليّة" و"يصعب جدّاً" التمييز بين الجنود وقوات الدعم والمستشارين".
لنتخيل سيناريو انسحاب القوات الاميركية من العراق في مثل هذه الظروف الامنية الحرجة التي يعيشها العراق في ظل انفلات السلاح بايدي الميلشيات الموالية لايران، وفي ظل النفوذ الايراني المسيطر على غالبية الاوضاع العسكرية والامنية والاقتصادية والسياسية، والتدخل التركي في اراضي كوردستان العراق، وعدم جاهزية الجيش العراقي لمواجهة اي اعتداء على سيادة البلد، وهيمنة الميلشيات المسلحة على الملف الامني، هذا اضافة الى سوء الاوضاع الاقتصادية وعدم توفر الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية والكهرباء وشحة المياه، وتغييب الكفاءات الوطنية المتخصصة لادارة الملفات المهمة العالقة منذ ما يقرب من 18 سنة بسبب سياسات المحاصصة والفساد المستشري بقوة في العراق.
السيناريو يبدو متشائما للغاية، والافق ملبد بغيوم سوداء، خاصة وان تنظيم داعش الارهابي ما يزال يمارس جرائمه هنا وهناك من ارجاء العراق، واننا مقدمون على خوض انتخابات غير متكافئة ولن تكون نزيهة وفوهات بنادق ومنصات صواريخ الكاتيوشا التي يلوح بها قادة الميلشيات، والتهديدات والصراع بين الاحزاب الشيعية الشيعية والسنية السنية، تظلل هذه الانتخابات المعروفة نتائجها مسبقا. فهل من أمل بغياب القوات الاميركية التي مجرد وجودها يخلق توازن قوى، ويردع الاقتتال الداخلي وسيطرة احزاب الخراب والفساد تماما على مجريات الامور؟ الاجابة واضحة هنا وهي ان العراق بحاجة للتواجد العسكري الاميركي، ويكفي ان نعرف ان ايران هي من تدفع بالاحزاب والميلشيات الموالية لها في العراق والتي اطلقت على نفسها تسمية "محور المقاومة" للضغط على الحكومة العراقية من اجل انسحاب هذه القوات.
من المعروف ان أمن واستقرار المنطقة مرتبط كليا بامن واستقرار العراق، وواشنطن لا مصالح مادية لها هنا، بل على العكس تماما فهي تتكبد الكثير من الخسائر من اجل خلق حالة توازن امني ستراتيجي في عموم المنطقة، وخاصة الخليج العربي بعد ان سيطرت ايران على العراق وسوريا ولبنان واليمن، غير هذا هناك التهديدات الاقليمية المباشرة ضد العراق عامة وإقليم كوردستان خاصة.
واشنطن أعلنت عن سحب قواتها القتالية وابقائها، بذات الوقت، تحت مسمى القوات الاستشارية، هذا هو الانسحاب على الطريقة الاميركية الذي يرضي كل الاطراف، شاءت أم رفضت.
روداو