14 تموز 1958.. جدل عراقي بين "انقلاب" و"ثورة"
تختلف شرائح عديدة من المجتمع العراقي، حول ملف "انقلاب" أو "ثورة" 14 تموز 1958، والتي شهدت الاطاحة بالنظام الملكي في البلاد، وقُتل على اثرها جميع أفراد العائلة المالكة وعلى رأسهم الملك فيصل الثاني (23 سنة) وولي العهد عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد.
"الانقلاب" أو "الثورة" جرى بقيادة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وباقي تشكيلة الضباط وتم على إثرها تأسيس الجمهورية العراقية، وتبع هذا الانقلاب انقلاب آخر أطاح بعبد الكريم قاسم، وأعدم في انقلاب 8 شباط 1963، ومن ثم الاطاحة بعبد الرحمن عارف عام 1968، ومجيء حزب البعث الذي تولى مقاليد الحكم برئاسة أحمد حسن البكر، ومن ثم صدام حسين.
المؤرخون اختلفوا في تقييم نظام الحكم الملكي كما اختلفوا في تسمية الحركة ما بين "الانقلاب" و"الثورة"، رغم اختلاف حجج وبراهين المختلفين في هذا الرأي، فمنهم من يرى أن انقلاب 1958 هي بداية مرحلة انقلابات وحروب وتصفيات سياسية بين الخصوم أنفسهم، وتأثير ذلك السلبي على الشارع العراقي، والذي يجعل البعض يحن الى النظام الملكي، فيما هنالك من يرى أن الملكية تسببت بفقر العراقيين وكانت السلطة الحاكمة هي تحت هيمنة ونفوذ القوى الغربية.
المؤرخون يجمعون على أن العوامل المباشرة للحركة كانت بسبب ردة الفعل الجماهيرية الغاضبة على احتلال بريطانيا للعراق بعد إسقاط ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 وإعدام الضباط المشاركين في الثورة، وكذلك من العوامل الأخرى، هزيمة الحكومات العربية في حرب فلسطين إبان حرب 1948، علاوة على جملة من العوامل الداخلية الأخرى كتردي الأحوال المعيشية والإجتماعية.
كان وقع الانقلاب عربياً ودولياً كبيراً وبدرجات متفاوتة حسب مواقف هذه الدولة أو تلك، فتلقت الجمهورية العربية المتحدة النبأ كالصاعقة وبعث قادتها برقيات التأييد والدعم حتى أن عبد الناصر ألقى خطابا خاصاً أعلن فيه أن أي اعتداء على ثورة العراق يعتبر اعتداء على اتحاد "مصر وسوريا"، أما الولايات المتحدة الأميركية فقد أصدرت أوامرها بإنزال قوات الأسطول السادس المتواجد في البحر المتوسط في لبنان للتأهب للدخول إلى بغداد وإعادة النظام الملكي بناء على ستراتيجية أميركية وضعت بشكل بيان سري وقعة الرئيس الأميركي ايزنهاور عام 1952 يتضمن ضرورة تطويق الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط بعدد من الدول الحليفة والحفاظ على منابع النفط ولو استلزم احتلالها أو إحراقها.
الاتحاد السوفيتي كان من أوائل الدول التي اعترفت بالجمهورية الجديدة، أما بريطانيا فقد تلقت صفعة كبيرة وكانت تعتبر العراق جزءاً من بقايا مستعمراتها أو الكومنولث، وفقدت توازنها السياسي فقامت بإعلان إنذار لقطعاتها العسكرية في الخليج وخصوصا الكويت والبحرين وبإنزال قوات عسكرية أخرى في الأردن بغية التدخل لإعادة الأوضاع في العراق وحماية الأردن من عمل ثوري مشابه.
رحب الشارع العربي بالحركة، كما رحب بها خصوم الملكية فبعثت تلك القوى ببرقيات التأييد وانطلقت مظاهرات التأييد والقيت الخطب الحماسية في التجمعات والساحات في عموم البلاد العربية كما القيت الاشعار والاغاني التي تغنت بـ"الثورة" الجديدة.
العراقيون، وبعد عام 2003 وفي ضوء ما لمسوه من صراعات حزبية وطائفية وقتل ودمار وحروب وميليشيات مسلحة، فضلاً عن تردي الوضع الخدمي والاقتصادي والانحدار الكبير في الصناعة والزراعة المحليين وارتفاع نسبة الفقر والبطالة، باتوا يقارنون العهد الجمهوري بالملكي، وانتشر الجدل بشكل كبير، نتيجة ما يتناقله كبار السن ممن عاصروا تلك الاحداث، الى الاجيال الحالية.
السياسي المخضرم حسن العلوي، قال لشبكة رووداو الإعلامية اليوم الاربعاء (14 تموز 2021)، إنها "كانت ثورة جمهورية على النظام الملكي، وهي ثورة ناجحة واسبابها ناجحة أيضاً"، واصفا اعدام الملك فيصل بأنه "ظالم، أما الباقين فقد دخلوا بالاعدامات، حيث جميع المسؤولين في العراق أعدموا خصومهم، وأصر الثوار على تعليق جثة الوصي عبد الاله في باب وزارة الدفاع، ردا على قيام الاخير باعدام احد الرجال الوطنيين بنفس المكان".
العلوي أوضح أن "الموت في العراق يعالج بالموت"، مشيرا إلى أن "الحنين الى الماضي لا يعني أن الاوضاع كانت أفضل، بل هي تدخل ضمن سيكولوجيات الفكر العربي، الذي يحن الى الماضي مهما كانت أحداثه، سواء كانت سلبية أو ايجابية".
المرجعية الشيعية، التي كان يرأسها المرجع الديني محسن الحكيم، إستقبلت التغيير السياسي بترحاب، حيث بعث الحكيم برسالة إلى عبد الكريم قاسم جاء فيها: "ولقد سرني ما يبلغني عنكم من خطوات سديدة جبارة في هذه الآونة القصيرة. الأمر الذي يستوجب لكم الاكبار والاعظام. لذلك أبارك لكم فيما أولاكم الله به، وأدعو لكم بحسن التوفيق لخدمة الدين والاسلام، والمحافظة على الصالح العام". وقد أجابه قاسم بما يلي: "تلقينا كتاب سماحتكم بمزيد من الشكر، سائلين المولى أن يوفقنا لأداء الواجب الملقى على عاتقنا نحو الأمة وحماية شعائر الاسلام وإقامة موازين العدل والمحافظة على الصالح العام، مستمدين العون من عناية الله ومؤازرة الأمة وبركات أئمة الدين"، لكن سرعان ما توترت العلاقات بينهما، بعد بروز نجم الشيوعيين وانتشار نفوذهم مما جعل الحركة الإسلامية والحوزة العلمية تغير موقفها.
بدوره، قال الاكاديمي المتخصص في التاريخ بجامعة المستنصرية حيدر شاكر لشبكة رووداو الإعلامية اليوم الاربعاء (14 تموز 2021)، إن "هنالك طروحات كثيرة تحاول ابراز ايجابيات العهد الملكي، رغم ان هذا العهد شهد غياب الارادة الوطنية والارتباط بالدول الغربية الكبرى المسيطرة على القرار السياسي في العراق، وهو قريب للعهد الحاضر".
شاكر، أضاف أن "المعايير والمقاييس بين هذه العهود مختلفة، فالظروف الدولية الكثيرة التي رافقت العهد الجمهوري أوصلت المجتمع الى هذه القناعة"، منوهاً إلى أن "العهد الملكي لا يملك الرصيد من حيث حقوق الانسان، والضحايا البشرية في عهده كانت كثيرة".
واستشهد شاكر بـ"الضحايا الاشوريين في عام 1933 واعدام الشيوعيين عام 1949 فضلا عن حدوث انتفاضات 1948 و1952 و1956، بينما في العهد الجمهوري لم تكن الانتفاضات ضد الدولة بل معها".
أما بشأن الجدل بين أفضلية الحكم الملكي ونظيره الجمهوري، رأى شاكر أن "هذا اللغط يحتاج الى اعادة نظر بالقرارات التاريخية، وأن لا تقرأ بهذه السرعة وهذه الكيفية".
يذكر أن الحركة الملكية الدستورية العراقية يرأسها علي بن الحسين، وهو سياسي عراقي يسعى إلى إعادة نظام الحكم الملكي للعراق بعد إلغائه إثر حركة 14 تموز 1958، حيث يدعي بأنه الوريث الشرعي لمنصب ملك العراق، على أساس أنه ابن خالة الملك فيصل الثاني وأقرب أفراد العائلة الذكور شرعياً إليه، وجده علي كان أمير مكة إلى عام 1908، ووالدته الأميرة بديعة بنت الملك علي بن حسين وهي خالة الملك فيصل الثاني.
وولد علي بن الحسين في بغداد عام 1956 ونشأ في المنفى بين لبنان وبريطانيا وحصل على شهادة الدراسة الثانوية من مدرسة برمانا الثانوية في لبنان وحصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة نوتنغهام، وشهادة الماجستير في الاقتصاد من جامعة إسكس في المملكة المتحدة.
روداو