• Friday, 22 November 2024
logo

قصر الإليزيه يبوّء الإقليم ثانية سلطة الاستقرار

قصر الإليزيه يبوّء الإقليم ثانية سلطة الاستقرار
إنّ فرنسا تحاول أن تعيد مكانتها كدولة عظمى في المنطقة ثانية بعد أن أصابتها غفوة، ويبدو أن فرنسا الجديدة بقيادة ماكرون صارمة في جعل فرنسا رائدة في رسم الخارطة السياسية في العالم؛ سيّما الشرق الأوسط؛ وهذا ما يتضّح جليا في تلك المباحثات الماراثونية التي يتّخذها ماكرون في المنطقة؛ بغية وضع حدّ للتوسّع التركي في المنطقة، وتحجيم إيران، وتأدية دور أكبر بعد أن أخفقت سياسة ترامب في المنطقة.
ومن هنا، فالعراق لها مساحة كبيرة في أجندة ماكرون؛ إذ هو أول رئيس دولة يزور العراق منذ تعيين الكاظمي رئيساً للحكومة في شهر مايو؛ مؤكّداً وقتها: إن العراق يواجه تحديين رئيسيين هما: تنظيم "داعش"، والتدخل الأجنبي. وحينها، قال ماكرون، في مؤتمر صحفي في بغداد مع نظيره العراقي برهم صالح: "نحن هنا لدعم العراق وسنواصل دعمه"، وهذا بحد ذاته يومىء إلى أن فرنسا عقدت العزم على إعادة بناء سياستها في الشرق الأوسط، انطلاقاً حصة الأسد منها في العراق.
وفي هذا الإطار، ترى باريس أن لرئيس إقليم كوردستان (نيجيرفان البارزاني) دوراً فاعلاً في العراق واستقرار البلاد؛ لما يتمتّع شخصيته -حسب طروحاتهم ولغة استقبالهم- بالاحترام من قبل مختلف الأطراف داخل إقليم كوردستان والعراق والدول الإقليمية، كما وأنّ سبيله مرتكح على الحوار والقوة الناعمة سبيلاً لحلّ المشاكل. أضف إلى ذلك، انفتاحيّته وتوسّع رؤاه مع الحلفاء والخصوم على حدّ سواء، وهذا ما يضفي على لغة تفاوضه قوة الإقناع وإيجاد سبل سياسيّة ناعمة للالتقاء مع القوى الإقليمية المختلفة في المنطقة.
ومعطوفاً على منظورهم، فإن رئيس الإقليم من تلك الشخصيات يجيد شارات الانفتاح لحل المشاكل المستعصية في العراق، وإن عقد أربعة لقاءات بين الرئيس نيجيرفان بارزاني والرئيس ماكرون، رئيس الدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، منذ تولّيه رئاسة بلاده في مايو 2017.، يومئ إلى صحّة ما اعتمدوا على دور الإقليم في المنطقة.
وهذا لا يستغرب من باريس دعمه للإقليم، ذلك أنّ العلاقة الحالة بين إقليم كوردستان وفرنسا تتنامي بسرعة فائقة؛ ففي خلال العقود الثلاثة الماضية كانت فرنسا داعمة لإقليم كوردستان رئيساً وشعبا في مختلف المجالات.
نعم، فإن للكورد علاقات جيدة مع الحكومة الفرنسية منذ بداية الثمانينيات مع فرنسا، فمواقف فرنسا، ومساهمتها في إصدار مجلس الأمن القرار 688 في 5-4-1991 لحماية الكورد من قمع النظام العراقي السابق، إلى جانب دعمها البيشمركة في الحرب ضد داعش، وكل ما سبق سرده مكانته كبيرة في الذاكرة الكورديّة. هذا إلى جانب استقبال رئيس إقليم كوردستان ورئيس وزراء إقليم كوردستان مرات عديدة في قصر الإليزيه منذ عام 2010.
أجل، ففرنسا هي الدولة العظمى الوحيدة التي كسرت الطوق الدبلوماسي بعد اجتياح القوات العراقية للمناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم في 16 أكتوبر عام 2016، إذ نرى أن فرنسا بدأت بأخذ زمام المبادرة في الإعراب عن تأييدها لكوردستان قوية، من خلال دعوة رسميّة لـ نيجيرفان البارزاني رئيس حكومة إقليم كوردستان في 2 كانون الأول 2017، ، إذ استقبل البارزاني برفقة نائبه قوباد الطالباني وقتها من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الرؤساء والزعماء، ألا وهو قصر الإليزيه ببروتوكول دوليّ ورئاسي مماثلاً لاستقبال اليوم؛ فضلاً عن نزول ماكرون الدرج ليصافح رئيس وزراء كوردستان، ولكأنّه يبعث بلغة دبلوماسيّة وقتها لرئيس الوزراء العراقي رسالة، مفادها: كفى يا حكومة العبادي، فلا تجري الرياح كما تشتهي سفنك..! ولم يكتف بهذا، بل قال ماكرون أمام الملأ العالمي: نحن نثمّن احترام حكومة اقليم كوردستان لقرار المحكمة الاتّحاديّة وإعلان وقف إطلاق النار، وخطوات كوردستان الإنسانيّة لضم أكثر من مليوني لاجىء.
هذا، وإن زيارة البارزاني الأخيرة يوم أمس لها أهمية مزيدة على زيارات الأخرى للمسؤولين الكورد إلى باريس، إذ كانت الزيارات السابقة للمسؤولين أغلبها كانت بطلب من أربيل، لكن الزيارة الحالية جاءت بدعوة مباشرة من قصر الإليزيه. وحسبما يرى المراقبون: إنّ التدخل التركي والإيراني في العراق من النقاط التي تهتم بها فرنسا، والتي قدمت مبادرة حول سيادة العراق، وتريد معرفة الدور الذي يمكن أن يؤديه رئيس إقليم كوردستان بهذا الصدد؛ لما يتمتع بعلاقات ودية وعميقة وشخصية مع أنقرة وطهران.
وبقي أن نقول:
إن فرنسا بحاجة إلى أن تكون العراق آمنة ومستقرة سياسياً واقتصادياً، وهذا لن يتحقق بدون إقليم كوردستان. ففرنسا تدرك ذلك جيداً، وفي العديد من المرات أكد الرئيس الفرنسي رغبة بلاده بوجود إقليم كوردستان قوي في إطار العراق القوي، كما أن وجود إقليم كوردستان بقوة متماسكة تضمن لفرنساً حليفاً مهمّاً لفرنسا في العراق؛ فالكورد هو الذي يمكن الاعتماد عليه في ظل تلك التدهورات الأمنية والسياسيّة التي تعانيها العراق، وتلك الدول الإقليمية والدول العظمى التي تحاول أن تصبحَ العراق دوما حديقة خلفية لترجمة صراعاتها فيها، ومن ثم نيل أكبر قدر ممكن من كعكتها فيها.
ومن هنا، فإن الكورد بإمكانهم استثمار تلك الزيارات الدبلوماسية من قبل الدول العظمى لإرساء الأمن والاستقرار والانتعاش الاقتصادي الكبير والبنية التحتية للإقليم أولاً، ومن ثمّ عموم العراق ثانية إذا ما التزمت العراق بماهيّات الدستور والتزامها بلغة قوة الدستور لا دستور القوة.
Top