أمريكا، الإنتخابات والثقافة السياسية: اللغز الغامض!!!
في هذه المرحلة تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دوراً متميزاً نظراً لإمتلاكها عوامل قوة تجعلها كـ " قوة عالمية وحيدة" حسب وصف البروفيسور (هنتكتن)، ولكنها وبتطور الأمور لم تعد تحتكر إمكانات القوة الكبرى لتجعلها تحتل القِمة في النظام العالمي وبدون أي قلق أو حذر. إذن الولايات المتحدة الأمريكية هي الآن في " مرحلة قلقة " على موقعها ومركزها وتحاول أن تحافظ على الصدارة بين القوى العالمية المختلفة (الصين الشعبية، روسيا الإتحادية وإلى حد ما الإتحاد الأوربي)، وحاول الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) في حملته الإنتخابية 2016 من التركيز على شعار " أمريكا أولا " وتقوية مركز أمريكا في العلاقات الدولية حيث أن إدارة الرئيس السابق(أوباما) لم تعمل على ذلك وأُصيبت إدارته بإنتكاسات عديدة وخصوصا في الشرق الأوسط.
بدأ (ترمب) بتطبيق شعاره المركزي " أمريكا أولاً" وحاول الإنسحاب من بؤر المشاكل الدولية وعلى الأخص في الشرق الأوسط ونجح " إلى حد ما " في إحراز تقدم لمشروعه " صفقة القرن" وحل النزاع العربي – الإسرائيلي وتم التوقيع على عدد من إتفاقيات التطبيع ما بين بعض الدول العربية وإسرائيل. ولكن بروز خطورة جائحة (كورونا – كوفيد 19) وزيادة عدد المصابين بها في أمريكا وضعت إدارة (ترامب) أمام تحدٍ خطير وظهرت " حالة عدم الوضوح" في التعامل مع الوباء.
كل هذه تُلقي بظِلالها على المعركة الإنتخابية للرئاسة الأمريكية مابين (دونالد ترمب) و ( جو بايدن)، هذه المعركة التي لا تشبة أية معارك إنتخابية سابقة بسبب المواضيع الخطيرة التي تثار ( كورونا، الشرق الأوسط وصفقة القرن، ولكن الأهم هو التشرذم الداخلي والإنقسامات في المجتمع الأمريكي وبروز حالات من العنصرية والحقد الإجتماعي).
في هذه الحالة يبرز تساؤل عن نوعية الثقافة السياسية الأمريكية؟ هل لدى الأمريكان ثقافة سياسية موحدة أو مشتركة أو متعددة؟
أمام مثل هذا التساؤل الذي برز عقب أحداث 11 سبتمبر طرح البروفيسور (هنتكتن) السؤال الجوهري الخطير: من نحن؟ التحديات التي تواجه الهوية الأمريكية، حيث يتعامل مع التغييرات الجارية في سِماتوجوهر الهوية الوطنية الأمريكية و أكد بأن الثقافة هي العامل المؤثر في السلوك السياسي للشعب، وهذا يعني أن هذا السلوك يتشكل من خلال الثقافة.
هذا التحليل لدور الثقافة في التحولات اجتماعية – الإقتصادية – السياسية يؤكده ( فوكوياما) في كتابه المهم (الثقة) على أهمية (الثقافة) حيث أن
“الثقافة المشتركة هي الأساس لمستويات عالية من الثقة الاجتماعية في بلدان معينة وأسهمت بشكل كبير في نجاحها الاقتصادي."
بعد نشر (هنتكتن) لكتابه القَيّم ( من نحن؟ 2004) أُتهم بكونه ” عنصرياً ” وموقفه هو ضد المهاجرين. (فوكوياما) يرد على هذا “الإتهام” بالقول أن (هنتكتن) كان على صواب عندما أوضح أن المستوطنين ( الأنجلو – بروتستانت) في أمريكا الشمالية ساهموا في نجاح الولايات المتحدة، ولكن ليس بسبب عِرقهم بل بسبب قيمهم الثقافية ومنها القيم الأخلاقية البرتستانتية والفردانية وعدم الثقة بسلطة مركزية.
لكن وراء هذا التأكيد الواسع على إستمرارية الثقافة كمحدد للسلوك السياسي، هناك العديد من المشاكل حول فكرة (هنتكتن ) فيما يتعلق بالثقافة. وفي الولايات المتحدة فإن دور الدين واضح من خلال دور المحافظون الدينيون في السياسة الأمريكية.
يُلاحظ (فوكوياما) ظاهرة بدأت تبرز في الآونة الأخيرة وهي: عودة القومية القديمة
وأن هذه العودة للقومية دَعَمت الحركة الشَعبوية (التي بدأت تؤثر في العالم المعاصر) وذلك إلى جانب عوامل آخرى تتعلق بالأثنية واللامساواة الإقتصادية والذاكرة التأريخية المشتركة.
(هنتكتن ) يجادل بأن الثقافة والتقاليد والقيم الأنجلو-بروتستانتية ومبادئ العقيدة الأمريكية - الحرية والمساواة والقانون والحقوق الفردية - جعلت هذا البلد على ما هو عليه. في العقود الأخيرة ، رأى مذاهب التعددية الثقافية والتنوع التي ترفع العرق والإثني والجنس على الهوية الوطنية ، وميلًا متزايدًا للمهاجرين ، وخاصة ذوي الأصول الأسبانية ، للحفاظ على هويات مزدوجة بدلاً من الاستيعاب. والنتيجة هي ظهور مجتمع ثنائي اللغة وثنائي الثقافة يختلف اختلافًا جوهريًا عن واحد من القرون الثلاثة السابقة مع جوهر اللغة الإنجليزية البروتستانتية.
بالنسبة لمسألة ما إذا كانت أمة تفتقر إلى جوهر ثقافي يمكنها تعريف نفسها من خلال الأيديولوجيا وحدها - أي هل يمكن لأمريكا أن تكون أمة متماسكة إذا كانت العقيدة الأمريكية هي المصدر الوحيد لهويتها الوطنية؟ - الإجابة هي لا. يقول(هنتكتن) إن روح الأمة تحددها تاريخ وتقاليد وثقافة مشتركة. أما إلى أين نتجه من هنا ، فهو يرى العالم يدخل عصرًا جديدًا من الدين ، حيث استبدلت الحرب الأيديولوجية مع الشيوعية المتشددة بحرب دينية وثقافية مع الإسلام المتشدد.
في وصف الهوية الأمريكية ، يعترض (هنتكتن) أولاً على فكرة أن البلد ، كما يتكرر في كثير من الأحيان ، "أمة من المهاجرين". يكتب أن مؤسسي أمريكا لم يكونوا مهاجرين ، بل مستوطنين ، منذ أن جاء المستوطنون البريطانيون إلى أمريكا الشمالية لتأسيس مجتمع جديد ، بدلاً من الهجرة من مجتمع قائم إلى مجتمع آخر كما يفعل المهاجرون. الشعوب اللاحقة التي انضمت إلى الثقافة الموجودة في المستعمرات البريطانية الأصلية ، والتي أسسها هؤلاء المستوطنون بالفعل ، كانت بالفعل مهاجرين.
تحديات الهوية الأمريكية
يجادل (هنتكتن) بأنه خلال الستينيات بدأت الهوية الأمريكية في التآكل، نتيجة لعدة عوامل:
* بداية العولمة الاقتصادية وظهور الهويات العالمية ما فوق الوطنية؛
* أدى انحسار الحرب الباردة ونهايتها عام 1989 إلى تقليص أهمية الهوية الوطنية؛
* محاولات المرشحين لشغل مناصب سياسية لكسب مجموعة من الناخبين؛
* رغبة قادة المجموعات دون الوطنية في تعزيز مكانة مجموعاتهم ووضعهم الشخصي داخلهم؛
* تفسير أعمال الكونغرس التي أدت إلى تنفيذها بطرق ملائمة، ولكن ليس بالضرورة بالطرق التي قصدها واضعو القانون؛
* نقل مشاعر التعاطف والذنب تجاه أفعال الماضي بتشجيع من النخب الأكاديمية والمثقفين؛
* التغييرات في وجهات نظر العرق والعرق كما تعززها قوانين الحقوق المدنية والهجرة.
يضع (هنتكتن) المقطع والتفسير الخاطئ اللاحق لقانون الحقوق المدنية لعام 1964 وقانون حقوق التصويت لعام 1965 ،في مركز الإجراءات الحكومية التي أدت إلى تآكل العقيدة الأمريكية.
من المكونات الأخرى للهوية الأمريكية التي يرى (هنتكتن) أنها تتعرض للهجوم استخدام اللغة الإنجليزية. حتى أواخر القرن العشرين، كانت اللغة الإنجليزية هي اللغة السائدة في أمريكا وتم تدريسها بنشاط للمهاجرين. لم يكن هذا فقط لأن الأمريكيين عبر التاريخ كانوا يتحدثون هذه اللغة، ولكن أيضًا لأنه مع وجود مجموعة متنوعة من اللغات التي جلبتها مجموعات مهاجرين مختلفة إلى الولايات المتحدة، فإن تعليم الجميع لتعلم التحدث والكتابة باللغة الإنجليزية يضمن التواصل بين هذه المجموعات. تم تقويض هذا التقليد عن غير قصد بواسطة الباب السادس من قانون الحقوق المدنية ، الذي يحظر التمييز على أساس "الأصل القومي". تم تفسير القانون على أنه يعني أن الناخبين المحتملين الذين لا يتحدثون الإنجليزية يحق لهم الحصول على المساعدة بموجب بند "الأصل القومي" هذا حتى لا يتعرضوا للحرمان. أدى ذلك إلى اقتراع ثنائي اللغة وبداية تعليم ثنائي اللغة. في عام 1974 ، تم تعديل قانون الحقوق المدنية "لإلزام المدارس بتقديم تعليم باللغة والثقافة الأم للطالب" بالقدر اللازم للسماح للطفل بالتقدم بفعالية من خلال نظام التعليم ".
أخيرًا ، التحدي الوحيد الأكثر إلحاحًا على أمريكا ، من وجهة نظر (هنتكتن)، هو مشكلة الهجرة المكسيكية وما ينتج عن ذلك من "الهسبنة/الإسبانية" لتلك المناطق من الولايات المتحدة المتاخمة للمكسيك والمكتسبة منها. إنه يخشى أن تكون نتيجة الهجرة المكسيكية إلى أمريكا "منقسمة". يجادل (هنتكتن) بأن الهجرة المكسيكية تختلف عن موجات الهجرة السابقة بعدة طرق أساسية.
لا تختلف الهجرة المكسيكية عن الهجرة السابقة بهذه الطرق فحسب ، بل يجادل (هنتكتن) بأن المكسيكيين يتخلفون عن المهاجرين الآخرين في استيعابهم في المجتمع الأمريكي لعدة أسباب ، بما في ذلك اللغة، التعليم،الهوية، ويضيف بأن هذه الاختلافات هي نتيجة الاختلافات الثقافية بين الثقافة الأنجلو البروتستانتية الأمريكية و "ثقافة الكاثوليكية" الإسبانية.
وأن هذا النمط المستمر من التدفق الهائل للمهاجرين من أمريكا اللاتينية ، وخاصة المكسيك، قد أدى بالفعل إلى تغييرات في الثقافة والأعمال واللغة والتعليم في جنوب غرب الولايات المتحدة. إذا استمر هذا الاتجاه ، فقد يؤدي ذلك إلى توحيد هذا الجزء من البلاد في كتلة ثقافية مميزة داخل الولايات المتحدة تهدد بتقسيم أمريكا.
تجديد الهوية الأمريكية
بعد توضيح المخاوف المتعلقة بإضعاف أمريكا وما تلاه من التوقعات حول "التفكك "، والذي يمكن أن يحدث بشكل معقول بسبب التشعب الثقافي و / أو تشكيل حكومة من نخب منزوعة القومية تتجاهل بشكل متزايد إرادة الجمهور ، يحاول (هنتكتن) صياغة حل لهذه المشاكل، ويجادل بأن الالتزام بالعقيدة الأمريكية لا يكفي في حد ذاته للحفاظ على الهوية الأمريكية، ويورد مثال الإتحاد السوفيتي على دولة حاولت استخدام الأيديولوجيا وحدها، الذي حاول فرض الإيديولوجيا على ثقافات وقوميات مختلفة ، ولكنها انهارت في النهاية. يمكن أن يكمن مصير مماثل للولايات المتحدة ما لم يشارك الأمريكيون في الحياة الأمريكية ، وتعلموا اللغة الإنجليزية والتاريخ والعادات ، وامتصاص الثقافة الأنجلو-بروتستانتية الأمريكية ، والتعرف بشكل أساسي على أمريكا بدلاً من بلد ميلادهم "، ويقترح أن يتجه الأمريكيون إلى البروتستانتية ، ويدركون أن ما يميز أمريكا عن البلدان الأخرى هو أنها دولة غربية شديدة التدين ، تأسست على مبادئ التنوير والإصلاح البروتستانتي
أخيرًا ، يسرد (هنتكتن) الطرق الأخرى التي أضعفت بها هوية أمريكا. وتشمل هذه: انهيار الاتحاد السوفياتي ترك الولايات المتحدة بلا عدو تحدد نفسها ضده، نزع الجنسية عن النخب التجارية والمهنية والفكرية والأكاديمية ؛ وتأثير الشتات. يعني (هنتكتن) بـ "نزع الجنسية" أن هؤلاء الأمريكيين يفكرون في أنفسهم في الغالب
كأعضاء في مجتمع دولي وليس في الحقيقة كمواطنين للولايات المتحدة
الثقافة السياسية الأمريكية
في دراسة مهمة حول الثقافة السياسية الأمريكية، كتب الباحث (كرينستون) فكرة مأخوذة من السياسي الأمريكي (باركر) والتي تفيد بـ " خطاب عابر ودائم للمسيحية". كانت أطروحة (كرينستون) هي مماثلة لما فكر به (باركر) من القول أن هناك في السياسة الأمريكية شيء من المسيحية، وبهذا فإن (كرينستون) قد حدد بعض ميزات السياسة الأمريكية. إن هذا النهج يوفر طريقة جيدة التفكير في مفهوم
" مراوغ" للسياسة والذي يعتبر من الموضوعات الأكثر بروزاً وتكراراً في العناوين بإعتبارها المهمة الثقافية الأكثر ديمومة في السياسة الأمريكية.
الفضيلة المدنية
تعتبر (الفضيلة المدنية) من أحد أبرز الموضوعات التي تسيطر على مناقشات المرشحين في سباق الرئاسة الأمريكية، حيث تُطرح آراء تدعو الشعب الأمريكي
إلى ذلك تقديم تضحيات من أجل خير أعظم.
وتتضمن مواضيع التي تطرح من قبل المتنافسين تتراوح ما بين القيم المدنية، الوحدة الوطنية، المبادىء العامة للسياسة الأمريكية، التعاون مع الكونكرس، الدعم الشعبي، الرسالة الأمريكية للعالم، دور الرئيس في السياسة الأمريكية ومسائل تتعلق بالفيدرالية الأمريكية.
الرسالة الأمريكية
تشير أكثر من ثلاثة أرباع عناوين المناقشات إلى مهمة الأمة الأمريكية بكونها مهمة الأمة الخاصة في التاريخ لنشر بركات الحكم الشعبي حول العالم. لا أحد ذكرها ببلاغة أكثر من كلام (جورج واشنطن): " الحفاظ على نار الحرية والقدر المقدس للنموذج الجمهوري للحكم"
تشير كل الأدلة إلى أن معظم الأمريكيين يعتقدون أن دولتهم هي "أفضل أمل للعالم"
وله "معنى يتجاوز نفسه".
على مر السنين ، ومع ذلك ، فإن طبيعة المهمة تغيرت واستخدمت العديد من الدراسات الحديثة حول سياسات الدولة الأمريكية وعلى الأخص إستخدام
مفهوم الثقافة لشرح الاختلافات في الخصائص السياسية للدولة.
يتم تقديم كل دليل من هذه الجهود على أن الاختلافات الثقافية
يتم تمييزها عن الاختلافات في السمات السياسية أو الاقتصادية
في العلوم الاجتماعية ، لا يوجد سوى عدد قليل من المفاهيم الضخمة والأفكار السائدة التي تشّكِل تخصصاً ولكنها تمتد إلى تخصصات آخرى، وهنا يمكن القول إن أقوى مفهوم هو مفهوم الثقافة الذي برز في
أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من القرن الماضي في وقت كانت فيه العلوم الاجتماعية قد بلغ من النضوج كانت كافية لها لمناقشة وتحليل المشاكل التي واجهت العالم آنذاك.
كانت أمريكا تستيقظ للتو من عزلتها وكان هناك عالم مثير
في نهاية الحرب العالمية الأولى حيث برزت قِوى
وماتلاها من ترسيخ الشمولية والتوتاليتارية. الألمانية والسوفياتية،
ركزوا على مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية برزجيل من الباحثين الأمريكيين
تعليم أهمية دراسة الاختلافات الثقافية.
وفي هذه الفترة ومن خلال التخلي عن العُزلة أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية " قوة عالمية"
نشر العالم السياسي لم تُفقد هذه التطورات في علم السياسة، ففي عام 1948
الأمريكي (ناثان لييتس) دراسة مهمة حول "فرضيات ثقافية للأفعال السياسية"
التي كانت قريبة جدًا من استخدام مفهوم الثقافة السياسية.
ومع ذلك ، التطورالجوهري بدأ عام 1956 حين إستخدم العالم السياسي الأمريكي (غابرييل ألموند) صراحة مفهوم الثقافة في الدراسات السياسية و
أصبحت الثقافة في إطار علم السياسة أكثر إثارة للدهشة لأنه المفهوم أجاب على العديد من التساءلات المثارة في علم السياسة.
وهكذا ، في حين أن العلوم السياسية ربما كانت بطيئة في التقاط مفهوم
الثقافة السياسية في الخمسينيات من القرن الماضي ، كانت جاهزة للاستفادة السريعة والواسعة من تطورالمفهوم. ومن أبرز الذين ساهمو في هذا الموضوع هو (لاسويل) و(ألموند). إن قوة (لاسويل) في الربط ما بين التحليل النفسي والسياسة تكمن في تحليله لتجارب حياة الناس مع توجهات إيديولوجية مختلفة والذين يؤدون مجموعة متنوعة من الأدوار السياسية من المسؤولين والمحرضين المعارضين.
كانت مساهمة (لاسويل) العظيمة في نظرية صنع القرار هي صيغته
أن "الرجل السياسي" يتضمن دوافع خاصة يتم استبدالها بأشياء عامة
وعقلانية وهذا يعني:
تنشيط القوة التي تدفع السياسيين والناشطين السياسيين والتي تكمن في وعيهم
وبالتالي فهو أساسي لتكوينهم الشخصي.
كان تركيز (لاسويل) على سيكولوجية الفرد مبكرًا أيضًا في دراسة مشاركة المواطنين في السياسة. اكتسبت دراسة السلوك الانتخابي زخماً من خلال النظر إلى ما هو أبعد من تحديد الحزب والتأكيد بدلاً من ذلك على التعليم ، على افتراض أن الدوافع تتشكل من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية ، والاعتبارات الديموغرافية مثل العمر والجنس والخلفية الثقافية للمواطنين.
كان هذا هو النهج مجموعة من دراسات مثيرة حول سبب تصويت الناس أو عدم تصويتهم والتي بدأت مع (تشارلزميريام) و(هارولد لاسويل) عام 1924ثم تطور أخيرا لدى (سايمور ليبست) عام 1960.
في هذه المرحلة ، تولى (غابرييل ألموند) زمام المبادرة في تصنيف أنواع مختلفة الدول وفقًا لنظرية هيكلية وظيفية حول السياسة الوطنية، فقد حدد النظام السياسي
من حيث سلسلة من الوظائف
التي يمكن أن تؤديها هياكل مختلفة. (هكذا على سبيل المثال ، فإن التشريع
والجيش في نظام آخر، يمكن أن يؤديها حزب مهيمن في نظام ما ،
والمجالس التشريعية في أخرى.).
( تالكوت بارسونز) لايرى في أن السياسة يمكن أن تشكل نظاماً متكاملاً كالنظم الإقتصادية أو الإجتماعية، وأضاف بالإشتراك مع زميله (إدوارد شيلز) بأنه من المستحيل تطوير أنظمة عامة وخصوصاً في الحقل السياسي وذلك بسبب الطبيعة الخصوصية للعملية السياسية والتي حددها في تعريفه للسياسة: من يحصل على ماذا ومتى وكيف؟.وفي هذا التحديد للسياسة فإن المصالح تعتبر القوة الدافعة في تكوين
الفصائل السياسية ، و
اعتبرالسياسة على أنها صراعات مستمرة حول القيم المادية وغير المادية.
(ديفيد ايستون) قدم نموذجه للنظام السياسي بكونه يحتوي على
سلسلة من المدخلات، والمخرجات.
(كارل دويتش) أوضح أن النظام السياسي
يعتبر مشابهًا لجهاز كمبيوتر وبالتالي يمكن تحليله من حيث
نظريات جديدة من السيبرنطيقية
اقترب (لاسويل 1930) من تصوير السياسة كنظام في مناقشاته الغامضة إلى حد ما حول "الدولة كمتنوع من الأحداث". جلبت نظرية السياسة الوطنية كنظام للوظائف والعمليات إلى النظام منظورًا شاملاً للمدخلات والمخرجات التي أثرت فيها الظروف الاجتماعية والنفسية بشدة على المدخلات ويمكن أن تكون نفسية القادة حاسمة في إتخاذ القرار بشأن مخرجات السياسة
سعت العلوم السياسية دائمًا إلى الجمع بين أفضل ما في علم الاجتماع وعلم النفس نظرًا لأن مجالها يغطي كلاً من الجماعية والفرد ، والدولة والمجتمع من ناحية ، والقائد والمواطن من ناحية أخرى. حاول جميع المفكرين العظام في الفلسفة السياسية الكلاسيكية أن يدمجوا في نظرياتهم المعرفة الأكثر تقدمًا حول السلوك البشري الفردي. وبالتالي كان مناسبًا تمامًا للانضباط
في انتقال نظرية الثقافة من الأنثروبولوجيا إلى العلوم السياسية ، كان هناك قدر كبير من عدم اليقين الأولي حول كيفية التعامل مع التنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة. سرعان ما أصبح واضحًا أن الانتقال من التدريب على أفعال بسيطة، إلى سلوك المسؤولين الحكوميين كان قفزة هائلة. تم تخفيف المشكلة إلى حد ما من خلال إدخال مفهوم التنشئة السياسية والتجنيد السياسي. وهكذا تم افتراض أنه بعد التنشئة الاجتماعية المبكرة في الثقافة العامة كانت هناك عملية ثانية للتنشئة الاجتماعية السياسية حيث تعلم الناس عن النظام السياسي. تم الترحيب بهذه الإضافة من قبل أولئك الذين كانوا غير مرتاحين غريزيًا بشأن التنظير التحليلي النفسي. يمكنهم الآن اللجوء إلى تعلم النظرية والتطور المعرفي كنظريات شعروا أنها تعطي وزناً أكبر ، وبالتالي احتراماً ، للعقلانية. بحلول أوائل الستينيات من القرن الماضي ، كان هناك العديد من الدراسات حول كيفية تعلم أطفال المدارس عن السياسة وما يفكرون به حول الشخصيات والمؤسسات السياسية
بطريقة مفهومة ، أثرت النظريات حول "أزمة التحديث" و "المجتمع الجماهيري" التي تمت صياغتها في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي لشرح صعود الشمولية في أوروبا على العمل المبكر في البلدان النامية. أكدت هذه النظريات على احتمالية وجود روابط بين الظروف الاقتصادية والاجتماعية وأمزجة الناس ، وبالتالي أشارت إلى اتجاهات سياسية محتملة. أعمال مثل الهروب من الحرية لـ (إريك فروم) وأصول الشمولية لـ (هانا أرندت) ، والتي أكدت على عواقب شعور الناس بأنهم بلا جذور في العالم الحديث ، جعلت من غير المحتمل أن يشعر الناس المحاصرون بين ثقافاتهم التقليدية القديمة والعالم الحديث بأنهم بلا جذور أو جذور تميل إلى الرغبة في وسائل الراحة من الأيديولوجيات الشمولية. وبالتالي ، العمل على التطورات في الدول الصناعية ، مثل دراسة المكارثية من حيث صعود "اليمين الراديكالي" .
طورها (دانيال ليرنر) The Passing of Traditional Society نظرية حول وبَيّن الدور الرئيسي للتعاطف في عملية التحديث ثم سعى لإظهار مسار تطور متسلسل يتضمن التحضر ومحو الأمية والتواصل والمشاركة السياسية. في تفعيل نظريته ، حفز العديد من الدراسات التي سعت لتأكيد مساهماته أو التقدم بها.
خلال هذه السنوات ، حدث تطور كبير آخر في العلوم الاجتماعية والذي أعطى الثقافة السياسية بعدًا لم يكن للمفهوم في تخصصه الأصلي. كان هذا في ظهور تقنيات المسح بالعينة وأصبح بالإمكان قياس أفختلافات في المواقف والسلوك
بين عينات تمثيلية ديموغرافيًا من السكان ، وهذا يشير إلى إمكانية أن الاختلافات الثقافية يمكن الآن تحديدها بشكل موضوعي وبالتالي جعلها تتمتع بالمزيد من العلمية.
قدم (غابرييل ألموند 1950) النظرية إلى أبعد من ذلك في دراسته حول موقف
وقام كل من (كاتز) و(لازرفيلد1955) الرأي العام من قضايا السياسة الخارجية"،
بتطبيق النظرية على دراسة سلوك التصويت.
الإستطلاعات عن طريق التركيز في دراسة (سيدني فيربا) وزملائه فإن إستخدام
على مقارنات وطنية حول سمات أكثر محدودية ودقة للسلوك السياسي
مثل أشكال المشاركة في السياسة. في رأي (رونالد إنغلهارت (1975 ، 1989) أن القضايا الأساسية للسياسة في الدول الصناعية المتقدمة
ساعدت في استدامة عمل الثقافة السياسية المقارنة بناءً على المسوحات ومن خلال الملاحظة تبَيّن أن الدول تميل إلى الدوران بشكل متزايد حول المسائل الثقافية.
أقر (سيدني فيربا) أن الثقافة السياسية غالباً ما يتم التعامل معها بكونها التفسير الأخير يتم اللجوء إليها إذا لم تكن هناك طريقة آخرى لحسم الإختلافات.
يبدو الآن أن الثقافة السياسية تعود إلى مركز الصدارة، وإن كان بدرجة أقل.
بروفيسور (هنتكتن) في كتابه حول السياسة الأمريكية (1981) أظهر أن الاضطرابات في التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر الستينات وبداية البعينات مثلت تحدياً أقل للسياسة الأمريكية.
اليوم هناك حاجة ملحة لمزيد من الأمريكيين الموحدين، على الرغم من
وإستقراراً الاختلافات الثقافية بينهم لأجل أن تكون الولايات المتحدة أكثر راحة
وأن تكون لها الريادة في الحفاظ على الأمن الوطني بما يؤهلها للإستمرار في قيادة العالم بالقيم الليبرالية.
إن هذا هو التحدي الحقيقي أمام الأمريكان (كسياسيين ومنافسيين على الرئاسة وكمواطنيين) لأجل أن يبقى بلدهم محافظاً على موقعه كـ " قوة عظمى وحيدة" كما تنبأ بها بروفيسور (هنتكتن).