• Sunday, 22 December 2024
logo

لنختلف .... ولكن بشرف

لنختلف .... ولكن بشرف
الاختلاف في وجهات النظر تزامن مع الوجود البشري ، وأصبح الرأي من الحريات التي يتمتع بها الإنسان ، وهذا الرأي يختلف من إنسان إلى آخر ، وكانت الديانات الأولى قد نصت على هذه الحرية ، ثم نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 19 حيث شمل الحرية ، في اعتناق الرأي دون مضايقة ، وان لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير وفي التماس الإنباء والآراء وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ، ودونما اعتبار للحدود .
وحق الرأي من الحقوق التي تزامنت مع مباديء الحقوق والحريات التي يتمتع بها البشر ، وتقاس ثقافة المجتمعات وتطورها وفقا لنسبة ممارسة هذا الحق عمليا ، بمعنى الأيمان به عمليا ونظريا ، وهو أيضا ليس نصوصا مكتوبة يتم كتابتها ضمن الدساتير او القوانين ، بل يبقى ذلك ضمن فكرة الحرية وقبول الأخر والتعود تدريجيا على الالتزام بالمباديء العامة لثقافة الاختلاف في الرأي .
وما يجري على الساحة السياسية اليوم في العراق يشكل نكوصا وتراجعا في مفهوم التعبير عن الرأي ، بالنظر للجوء العديد من الأطراف إلى إلصاق الاتهامات الباطلة والتنابز وإطلاق العبارات التي تمس الشرف والسمعة ، والتي لها وقع وتأثير كبيرين في مجتمعنا الذي يعير لها كل الاحترام والتقدير .
ونصت المادة 28/أولا من الدستور العراقي على أن حرية التعبير عن الرأي حق لكل مواطن بكل الوسائل ، وهذا الحق تكفله الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب . ووفقا لهذا النص الدستوري نجد لزاما ترجمته الى واقع عملي نتدرب عليه ونتكاتف من اجل ان يكون نمطا من السلوك الإنساني المعتمد في حياتنا ، ونحن نزعم بأننا نخطو نحو رسم الديمقراطية في سلوكنا وحياتنا ونصوصنا القانونية .
في هذه المرحلة الدقيقة من تأريخ العراق ، وضمن الظروف التي نعيشها في منطقة يكاد لهيبها يصل الى السماء ، تتعرض جميع شرائح المجتمع العراقي للخطر ، والتعرض لهذا الخطر المحدق لن يستثني أحد فيحترق الأخضر واليابس .
ضمن صفحات التواصل الاجتماعي والفضائيات العراقية والعربية وحتى الأجنبية يستعر الاختلاف في وجهات النظر بين العراقيين ، ويصل الخلاف الى مستويات لا تخدم نظرتنا لمستقبل العراق وأن اختلفنا في الرؤى ، ولزاما على كل من يحب العراق أن يجعل العراق ومستقبله ومصلحته القاسم المشترك الذي لا يختلف عليه أحد ، وأن نلتزم باخلاقنا وتربيتنا وخصوصيتنا العراقية ، وأن نحاول بقدر ما نستطيع أن نحصر خلافنا الفكري أو السياسي ضمن الإطار والحيز الخاص بذلك ، دون أن ينعكس ذلك على علاقاتنا الاجتماعية والوطنية .
من صفات الإنسان العاقل أن يكون واسع الصدر يتقبل النقد مثلما يتقبل أراء الآخرين التي تتقاطع معه ، ومن صفاته أيضا أن يلجأ إلى الحجة بعيد عن أي أسلوب آخر ، وعدم التمسك بالرأي في حال عدم وجود سند أو قرينة أو دليل تثبت صحته ، وغير مقبول مطلقا اللجوء إلى التجريح والتشهير والتنابز ، فسلوك التنكيل والقذف لا يشكل جريمة يعاقب عليها القانون فحسب ، بل هي من الصفات الذميمة التي يلجأ إليها الفاشل والفارغ الذي يجد في التجاوز اللفظي وإلصاق التهم الوسيلة الوحيدة التي تبرر فشله وخسرانه لمقابلة ومواجهة الرأي الأخر .
نحن ضمن هذا الظرف نحتاج إلى الرأي الأخر ، كما نحتاج إلى تنمية ثقافة الاختلاف ولكن أن تكون هناك ضوابط تكفل احترام النظام العام والآداب ، وان يحكمها أيضا ضوابط شرف الكلمة والرأي وانعكاس التربية والأخلاق بعد كل هذا عليه .
ما نختلف عليه لايمكن أن يصل إلى أن نسيء للعراق ، وان نساهم عن قصد او دون قصد بالإساءة إلى سمعته أو تخطي القيم التي صنعها بتاريخه ، ولم يزل العراق منارة الدنيا وبلد القيم والمحبة والتآخي ، فكيف نقبل أن نغمد خناجرنا بصدور بعضنا ليقنع أحدنا الآخر أنه على الحق .
وهو العراق حزينا على ما يجري بين أولاده ، وهو يحمل جثث الشباب يشيعها الى المقابر ، ويودع الجرحى في المشافي والبيوت ، ولم تزل الاتهامات يتقاذفها كل الأطراف ، ويغيب العقل والمروءة والشهامة ، ونحن نتراجع يوما بعد يوم ، فتضيع منا فرص ونضيع معها فرص مستقبل أولادنا وأحفادنا ، ونحن نرسم الخراب والهوان والضعف في بلدنا فيلعننا التاريخ ، وفرصتنا من ان نتفهم بعضنا ونحكم عقولنا ونشخص بشرف أسس المحنة وأسباب الخراب والفساد وأن نحقن دماء الناس ونحمي أملاكهم و نصون حرياتهم ، وان نعمل سوية على ان تنتهي هذه الحقبة التي انتشر فيها الفساد مثل الوباء .
Top