الكُرد والسُنّة... وسياسة توازن القوى
العراق بعد 2003
عندما ننظر إلى العراق من هذا المنطلق نجد أنه يحتاج إلى توازن القوى بين مكوناته القومية والطائفية وخاصة بعد 2003 حين تفأل الناس خيرا بسقوط الدكتاتورية والبدء بمرحلة جديدة, وفعلاً تم إجراء أول انتخابات حرة في عام 2005 وتمخض عنها برلمان وحكومة ورئاسة جمهورية. غير أن السُنّة لم يكن لهم حضور يلق بهم ودعى أكثر قادتها إلى مقاطعة الإنتخابات, واختاروا المقاومة ومحاربة الوجود الأمريكي في العراق. اتضح أن اغلب قادة السنة لم يستوعب المرحلة لذلك هجرو العملية السياسية وكان هذا من أكبر الأخطاء التي ارتكبوها خلال هذه المرحلة وخسر المكون السني الكثير بهذه الخطوة الغير مدروسة.
حاول قادة الكورد أن يأثروا على هؤلاء القادة وأن يبينوا لهم خطورة هذه الموقف وعلى رأسهم الرئيس مسعود البارزاني ولكن بدون جدوى, وحاولت القيادات الكوردية التقرب من القادة السنة المنخرطين في العملية السياسية وتشكيل تحالف مقابل الشيعة اللذين كانوا يشكلون الأغلبية السياسية وعمل توازن في العملية السياسية حتى لا ينفرد الشيعة بالقرار السياسية في العراق, ولكن لم يفلح في ذلك ايضا, وبالعكس كانوا يحاربون الكورد عند تقديم أي مشروع إلى البرلمان أوالحكومة متهمين إياهم بالإنفصاليين حتى أن الدكتور عبدالكريم زيدان والشيخ عبدالملك السعدي افتيا بحرمت الفدرالية وأنها دعوة الى تمزيق وحدة الأمة الإسلامية وكفّر من يقوم بالدعوة إليها. بهذا استغل الشيعة هذا التشظي بين الكورد والسنة وتفردوا في الحكم على العراق وبمرور الوقت لم يعد يؤمنون بمبدأ الديمقراطية التوافيقة التي بني على اساسها العراق الجديد والتي نص عليها الدستور العراقي الدائم في 2005 واصبحوا ينادوا بالأغلبية السياسية ما أدى بالتالي إلى تهميش الكورد والسنة في صناعة القرار السياسي.
صحوة السنة.. وتوازن القوى
قادة السنة بدأوا يدركوا الواقع العراقي الجديد رويداً رويداً خاصة بعد احتلال داعش لمناطقهم, وبدأت نظرتهم إلى الكورد تتغير ايضا, حين استقبلهم الكورد وفتحوا لهم بيوتاتهم, واتضح هذا الفهم أكثر حين اتفق اغلب قادة السنة مع قادة الكورد على عدم تمرير حكومة رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي. كانت هذه خطوة مهمة في عمل توازن في العملية السياسية بين مكونات العراق القومية والمذهبية. واصبح واضحاَ للجميع أن بدون مبدأ التوازن بين هذه المكونات يستحيل أن يرى العراق الاستقرار السياسي والأمني. إنً مبدأ الديمقراطية الأغلبية التي ينادى بها الشيعة لا يمكن تطبيقها في العراق في المرحلة الراهنة لأن لا ثقافة النخب العراقية ولا التكوين الديمغرافي للعراق يسمح بمثل هذه الخطوة الآن, وإن هذا النوع من الديمقراطية تمارس في مجتمعات ديمقراطية بمعنى الكلمة وتسود فيها العدالة والمساواة وكذلك دول تملك مؤسسات مبنية على أساس المواطنة. ما زال هناك الكثير من العقبات التي تحول دون تطبيق هذا النوع من الديمقراطية في العراق. لذا إذا أراد الكرد والسنة أن يشاركوا في العملية السياسية وعملية صنع القرار لابد لهم أن يشكلوا جبهة موحدة ضد الهيمنة الشيعية وخاصة في المرحلة الراهنة التي يمر بها العراق فهي مرحلة حساسة ويجب العمل على الاستفادة من اخطاء الماضي, والعمل سويةً على عدم القبول بتمرير أي كابنة وزارية دون الحصول على ضمانات كونكريتية تضمن لهم حقوقهم التي كفّلها الدستور والعمل كفريق واحد. في اعتقادي هذا هو السبيل الوحيد للحصول على ما يريده الكورد والسنة من حقوق.
العراق إلى أين؟
العراق يمر اليوم بمرحلة حرجة إذا لم تتكاتف جميع القوى السياسية وتعمل من أجل العراق... فالعراق يذهب الى سيناريويين لا ثالث لهما:
السيناريو الأول: إما أن يدرك الشيعة خطورة المرحلة ويعودوا إلى رشدهم أو أن يذهب العراق إلى المجهول, وأن يعودوا إلى مبدأ الديمقراطية التوافقية التي نص عليها الدستور ويتخلوا عن الأغلبية الديمقراطية التي يسعى إليها بعض القوى الشيعية ويعود التوازن بين المكونات في العراق ويعملوا على تشكيل حكومة موقتة بتكليف شخص غير جدلي ويؤمن مبدأ التوافق والشراكة الحقيقة بين مكونات الطيف العراقي. تكون من أولوياتها إجراء انتخابات مبكرة ونزية بإشراف الأمم المتحدة وتحديد اليوم. العمل على تحقيق مطالب المتظاهرين في توفير الأمن وكشف الجنات الذين قاموا بقتلهم ومحاسبتهم, وبذلك نذهب إلى انتخابات مبكرة وترجع العراق عافيتها بهذه الانتخابات ونبدأ بمرحلة جديدة.
السيناريو الثاني: إذا أصرّ قادة الشيعة الذين يؤمنون بالأغلبية السياسية وقاموا بتمرير مرشح غير مقبول لدى الكورد والسنة كما فعلوا في تمرير قانون إخراج القوات الأمريكة من العراق وقانون الانتخابات الأخير, عندها العراق سيواجة مصير مجهول لا يحمد عقباه. حينها سيدعوا السنة الى تأسيس إقليمهم السني بدعم وإسناد دول الجوار السنية مثل السعودية والامارات وبمباركة أمريكية. طبعا هذه الخطوة سيكون بدعم ومباركة الكورد ايضا. وقد يستغل الكورد هذه الفرصة بعد أن يصبح الاقليم السني امرا واقعيا ويذهبوا الى استخدام ورقة الاستفتاء التي أجريت في 25 ايلول 2017 ويعلنوا الاستقلال بمجرد أن تسمح لهم الظروف الدولية بذلك, مما لا شك فيه بعد أن يصّر قادة الشيعة على الخطوة التي ذكرناها آنفا سيعطي الكورد مبرراً للإستقلال عن العراق ويخفف عنهم العداء الدولى والأقليمي للدولة الكوردية. يذهب الشيعة الى اقليم شيعي موالي لايران وتحت نفوذه. وبذلك يتحول العراق الى ثلاث اقاليم كوردي, سني وشيعي. سيتحمل قادة الشيعة حينها مسؤولية ما جرى للعراق لأنهم فشلوا في أن يحافظوا على وحدة العراق بسبب سياساتهم الخاطئة في حكم البلاد.
* أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية