• Saturday, 20 April 2024
logo

ثقافة التسامح.. استئصال للتطرف وكتابة جيدة للتاريخ

ثقافة التسامح.. استئصال للتطرف وكتابة جيدة للتاريخ
على الرغم من ان التسامح, له تاريخ عريق وان كل الاديان دعت اليه الا ان استخدام هذا المفهوم يعود الى عصر النهضة والتنوير في اوربا ويمكننا ان نعتبر رسائل جون لوك وفولتير كتعريف علمي لمعاني وقيم التسامح.


ولنبحث من هذه عن معنى التسامح وكيف ان التطرف واللاتسامح يدفعانا لليأس وللبحث عن النقيض وهو التسامح .
ضمن هذا الاطار وعلى الرغم من ان مصدر التسامح هو العنف الديني والكنيسة الا ان التسامح لا يعني تعايش الاديان المختلفة معا , فحسب , بل هي تلك الحالة الدوغمائية للتطرف الديني الذي يجعل من مجموعة من القيم والطقوس , مسلم بها ,مقدسة , وتفرضها على افراد المجتمع .
وبنفس الطريقة فان الدوغما الشوفينية ,القومية , تفرض ذات الشئ وترفض وجود القوميات الاخرى وتسعى من خلال الهوية القومية الى محو هوية القومية المقابلة كما هو الحال في السياسة المتبعة مع الكورد والكوردستانيين على مدى التاريخ ومحاولة مسح الوجود الكوردي والكوردستاني , عن طريق هويتهم القومية والوطنية الخاصة, واذا لم يقبل الكورد بهذه العقلية الدوغمائية و بالمسلمّات التي وضعتها القومية الطاغية , فانها لا تكتفي بمسح الهوية القومية والوطنية بل تلجأ الى ممارسة القتل الجماعي والجينوسايد ضد الشعب الكوردي وهذا الحالة ليست خاصة بالكورد مورست ضدهم في الشرق الاوسط , بل هي حالة تاريخية , دموية تمتد الى عدة قرون مسجلة في اوربا والعالم وفي بعض الحالات لم يتم وضع حد للشوفينية والتطرف القومي والديني , الا بعد ان سالت انهار من الدماء ,ولهذا فاننا اذا نظرنا الى تاريخ التسامح ضمن هذا الاطار فاننا سنقف على انه نتاج تاريخ دموي مدمر , وحينما لم تستطع كل الاطراف ان تغير الماضي , فكروا في بناء المستقبل على اساس التسامح والتعايش المشترك وقبول الاخر .


نحو رؤية عقلانية لقيم التسامح
واحدة من اهم المساءل التي تعتبر عاملا لفهم الانسان للمعنى الحقيقي لقيم الانسانية , هو كيف وبأي شكل نؤسس لرؤية عقلانية لمعني العقلانية؟ بمعنى اخر , كيف يمكننا ان نجمع القيم الانسانية في اطار واحد بشكل تقبل وتعترف فيه الامة او الدين المتنفذ بوجود امة او دين اخر ,كيف يمكننا الوصول الى هذا التوازن ؟
للجواب على هذا السؤال ,لا يمكننا ان نقول اننا يمكن انجاز هذه المسألة المهمة من خلال اجتماع واحد او عن طربق عقد مؤتمر, والسبب هو ان فهم مسألة التسامح كأساس للحياة المشتركة بشكل عقلاني داخل المجتمع , او من خلال الموقع الجغرافي الذي يجمع عددا من الامم والاديان المختلفة , معا , لا يمكن ان يبدأ عن طريق قرار ما ! بل ان التسامح عبارة عن تراكم متواصل للقيم كنظام يؤمن به كل افراد المجتمع من خلال الوصول الى ان كل ما يرونه حقا لهم هو حق من حقوق الطرف المقابل ايضا ,وينسحب هذا الكلام على المجتمعات التي فيها تعددية حزبية , فاذا لم تكن ظاهرة التسامح وقبول الاخر موجودة , لا يمكن للتعددية السياسية وحرية التعبير ,ان تتوفر داخل المجتمع , ولا يمكن للحوار الحقيقي بين المكونات المختلفة للمجتمع , ان يكون . بمعنى ادق , لا يمكن بناء المجتمع الديمقراطي , من هنا واذا ما تحدثنا عن القيم السامية للتسامح فاننا سنكتشف ان ليس هناك أي مشكلة ما بين الاديان المختلفة, فجميعهم يعتبرون التسامح من القيم العليا وهم يستخدمون التسامح كشكل من اشكال تطبيق العنف وعدم التسامح من خلال انتاج الـ ( تابوهات ) التي اشرنا اليها سابقا , ولهذا فان الاشكالية تكمن في كيفية تطبيق هذا المفهوم وكيف الوصول الى هذه القيم العليا التي تأتي من خلال تطبيق مفهوم التسامح ,وهنا لا بد من الشارة الى موقف رئيس الاقليم السيد مسعود البارزاني , كمثال , حينما قال وبصراحة خلال مؤتمر المعارضة العراقية المنعقد في لندن عام 2002 ان عراق المستقبل يبنى من خلال التسامح ,البارزاني كان يقصد انه لا يمكن تبديل التاريخ الدموي للعراق ولكننا ومن خلال التسامح بامكاننا ان نكتب تاريخا نضرا لعراق المستقبل .
اذا امعنا النظر في حديث السيد مسعود البارزاني وفي رؤيته لمستقبل العراق فسنكتشف ان كل المؤتمرين ومن ثم كل وسائل الاعلام العالمية التي اشارت الى هذا الموقف , اعترفوا بصحة هذا الموقف وثمنوه عاليا , الا ان الاطراف العراقية , العربية , وعلى مدى ما يقرب من الثمانية اعوام , لم تتمكن من تطبيق هذا المفهوم والوصول الى قيمه العليا بحيث تلمس الشعوب العراقية ايضا , هذه القيم العالية ليضعوا حدا للتاريخ الدموي للعراق ويسطروا تاريخا جديدا .
واذا ما تساءلنا هنا , هل ياترى ان قادة العراق من العرب , هم الذين لم يتمكنوا من تطبيق مبدأ التسامح ؟ فالجواب هو كلا , ليس قادة العراق فحسب بل الحلفاء بشكل عام والادارة الامريكية ايضا , كانوا يؤيدون المحاولات التي كانت تسعى لان يكون التسامح اساسا لبناء العراق الجديد , ولكن وبسبب عدم وجود الارضية اللازمة لبناء تسامح عقلاني في العراق . وفي ذروة محاولات بناء العراق , فاننا نشهد اندلاع اشرس حرب اهلية دموية بين السنة والشيعة , لم تضع اوزارها حتى الان .
حول هذا التاريخ الدموي , سالنا البروفيسورة ليزا شيركس استاذة ادارة وحل الازمات في جامعة مينو نيتا فقالت ( اذا عدنا للتأريخ فسنرى عراقا متعدد القوميات والاعراق والاديان أي ان هناك تنوع كبير في هذه البلاد , بشكل ادى الى نشوء نزاع وعنف دموي , ورغم ذلك فان الصراعات الدموية تحولت في بعض الاحيان الى صراعات سلمية كما هو الحال في سويسرا والعديد من البلدان الاوربية الاخرى , اذ انها امضت قرونا طويلة في الحروب والصراعات فيما بينها ولكنها الان , تنعم بعلاقات سلمية جيدة .كما نلاحظ الكثير من حالات التوتر الاثني بين بلدان امريكا اللاتينية وافريقيا التي تجري المحاولات الجادة لاحتوائها ومعالجتها وهذا عمل ليس بالسهل ويحتاج الى متسع من الوقت ورغم ذلك فان علاجها ممكن .
فضلا عن ذلك فاننا ومن خلال بحوثنا ودراساتنا توصلنا الى حقيقة ان اللجوء الى العنف لحسم الاشكالات تسبب في اتساع المشكلة والاستمرار في العنف .
ان العامل الرئيس في الوصول الى سلام طويل المدى هو تعاون المنظمات غير الحكومية مع منظمات المجتمع المدني من اجل ايجاد حلول مشتركة للمشاكل مع الاشارة الى ان هذا المشروع ايضا , بحاجة الى مزيد من الوقت , ولهذا فاننا اذا ما تحدثنا عن حالة العراق فبامكاننا ان نشير الى بعض فرص وحالات السلام الناجحة بين بعض المجاميع الدينية والعرقية المختلفة في بعض مناطق العراق , بمعنى ان بعض المنظمات كثفت جهودها وفي فترة قصيرة من اجل ايجاد ارضية مناسبة لحث الناس والمكونات المختلفة من اجل الجلوس الى طاولة الحوار , ثم ان سبع سنوات ليست بالكثيرة من اجل بلوغ السلام , لا بل انها فترة قصيرة للغاية .
ان واحدا من عناصر السلام هو ان مشروع انهاء الصراعات يحتاج الى وقت طويل على اعتبار ان نشوء الصراع بحد ذاته قد استغرق وقتا طويلا , ولهذا , ربما كان المشروع بحاجة الى عدة عقود وبالامكان الاستفادة من تلك التجارب الناجحة على النطاق المحلي للبلاد .
اذن فان تحقيق هذا الهدف ليس مستحيلا وبالامكان الوصول اليه ).
ولكن مايدعو للملاحظة والتساؤل في جواب السيدة شيركس هو كيف يمكن اختصار الطريق وانقاذ العراق من هذا الظرف ؟ في اجابتها على تساؤلنا هذا , قالت السيدة شيركس:
( ربما كان الاختلاف بين مكونات العراق هو طريقا من الطرق التي تجعل من الحل ممكنا , لكنني حذرة من حدوث اية تغييرات جذرية , لأنها ستكون سببا لظهور خلافات وعنف اكبر .
انا افهم ان الكورد يطمحون على المدى المنظور , الى ممارسة حق تقرير المصير , وانا مع ان يكون لكل مجموعة اثنية مختلفة جانبا من النفوذ على السياسة التربوية والرقابة الصحية في منطقتها , الا اننا لا يمكن ان نتكهن بالنتيجة التي ستؤول اليها كوردستان في حال الانفصال والاستقلال .
ربما سيكون ذلك عاملا للاستقرار او ربما يكون سببا في تعقيد الوقف و لا يمكنني ان اتكهن بذلك , لذا فان افضل السبل هو التفكير في الحياة المشتركة والديمقراطية , ولكن لابد من ربط الديمقراطية مع الظروف المحلية , والمقصود هو توفير اقصى ما يمكن من فرص لمشاركة المواطنين كي يكون لهم تأثير في اتخاذ القرارات التي تتعلق بمعيشتهم وحياتهم , بمعنى ان الناس حينما يجتمعون فسيكون لهم تأثير على تلك القرارات و ما يساعد على ظهور فهم افضل بين التكوينات الاثنية المختلفة .
لذا فانا اقول , نعم , الحوارات والمشاركة هي عوامل ظرورية للعملية السلمية ).
اذن , حينما يكون التسامح عبارة عن تراكم متواصل للقيم وتأثير هذه القيم على افراد المجتمع , فان هذا المشروع ليس سهلا ولا يمكن المطالبة بتوفير هذه القيم بسهولة داخل المجتمعات التي تفتقدها .
ضمن هذا الاطار وحول هذا الموضوع ولمستلزمات هذا التقرير تحديدا , عبّرت البروفيسورة رنيه اليزابيث استاذة العلوم السياسية في جامعة جوهانز هوبكن , على النحو التالي ( ان جانبا من المشكلة يكمن في مفهوم التسامح نفسه , ففي اللغة الانكليزية , في الاقل , يحمل مفهوم التسامح العديد من المعاني السيئة ايضا , وفي كل الاحوال , التسامح يعني القبول بوجود الاخرين ولكنه ليس شرطا ان تكون سعيدا بذلك او ان تنظر اليه برضى او محبة .
من جهة اخرى , فان القبول بالاخر , هي فكرة مغايرة او بالاحرى فكرة اكثر عمقا , لأنها تفترض وجود اكثر من تراث واحد تعلن ان لها اكثر من طريق واحدة للوصول الى الله , وهذا اساس اكثر ملاءمة لتكوين مجتمع حرّ وعادل . واذا كان لابد من الاشارة الى مثال فانا اشير الى ادوارد ايزار في احد اعماله حينما يتحدث عن بناء السلام فيشير الى ضرورة ان يشعر افراد المجتمع بالامان داخل المجتمع وهذا بحاجة الى القبول بالاخر , يجب ان يكون القبول بالاخر قانونا , كما ان القوانين بدورها يجب ان تصاغ بشكل تضمن فيه حقوق كل افراد المجتمع . كما يجب الاهتمام بالجانب التربوي , فضلا عن الاهتمام بتطوير العلاقات بين مجاميع المجتمع , لأن هذه المجاميع لا يمكنها ان تعيش بيعدة او منفصلة عن بعضها البعض , بل على العكس فعليها ان تتفاعل معا في الحياة اليومية لكي تتعرف على بعضها البعض بشكل افضل .
اذن فان هذه نقطة مهمة في توفير السلام في المجتمعات متعددة الاعراق والاديان ).
وما يدعو للتساؤل هنا هو . اذا كان القبول بالاخر والتعايش في كثير من الحالات , قسريا , وفي حال كون الامة المتنفذة لم تصل بعد الى قناعة , السؤال سيكون على النحو التالي : كيف ارسى هذا المشروع جذوره في اوربا ؟
حول هذا السؤال قالت السيدة رينيه وبصراحة :
( العامل الرئيس في نجاح هذا المشروع في اوربا يعود الى التمكن من تدمير ( المانيا , ايطاليا ) بشكل كامل .
انا على علم ان محاولة جرت لبناء العراق على غرار اليابان مابعد الحرب ,غير ان هذه المحاولات تتعرض للفشل ولا نحصل على نتائج مماثلة لمناطق اخرى , بمعنى ان التقسيم والانفصال المرن قد يكون حلا ملائما , او ربما يكون الحل بالاستقالال او ما يشبه الاستقلال , وعلى سبيل المثال ربما كان من الافضل لكوردستان ان تتمتع باستقلالية اكبر .
واذا ما عدنا الى السؤال والى الاسباب التي ادت الى نجاح التسامح في اوربا بعد الحرب العالمية الثانية فاقول . ان ما له علاقة ببناء السلام والتسامح في اوربا ما بعد الحرب العالمية الثانية يعود الى ذلك المشروع التنموي الكبير الذي بدأ العمل به , بعد الدمار االتام الذي حل باقتصاديات تلك الامم , أي انه تحول الى مشروع اقتصادي كبير ساهم في اندماج الامم ومهد الطريق لنشوء اوربا متسامحة , مسالمة مع بعضها البعض .هل ياترى بالامكان اعادة ذات التجربة في اماكن اخرى ؟ اقول ربما كان الاندماج الاقتصادي طريقا لتحقيق هذا الهدف الا انه ليس مضمونا 100% .).
اذن فان عاملا مهما من عوامل اندماج الامم ونشوء التسامح يعود الى الاسس الاقتصادية التي صنعت تطور اوربا , ولكن هل ياترى يمكن تكرار ذات التجربة في العراق ؟وكيف تكون الية تنفيذ هذا المشروع ؟
للاجابة على هذا السؤال قالت السيدة رينه :
(افضل طريقة للحل ربما هوالعمل مع الاشخاص المتنفذين وممن لديهم مكانة في المجتمع و توظيف هذه المكانة والنفوذ من اجل ايجاد ارضية مناسبة للحوار بين المكونات المختلفة داخل المجتمع , وهذا ايضا مشروع طويل الامد وربما يحتاج الى تربية وتأهيل جيل كامل او اكثر من جيل على اسس التسامح و قبول الاخر , امل ان تحقق الديمقراطية هذا الهدف في كل من العراق وافغانستان وباكستان ,على الرغم من انني اعتقد ان الديمقراطية هي جزء استراتيجي , فحسب ,لتحقيق هذا الهدف , فعلى سبيل المثال والى جانب الديمقراطية لا بد من وجود حكومة تحفظ حقوق كل الاطراف , وفي الجانب التربوي لا بد من غرس مبدأ قبول الاخر في عقول واعماق الاطفال , كما على الحكومة ان تعمل على صنع السلام وتخلق الظروف المؤاتية لحل النزاعات بطرق سلمية ).

استئصال العنف وكتابة تاريخ جديد
ان التأريخ يخبرنا ان الحرب مهما طال امدها ومهما تواصل الدمار فان الشعوب لا تفنى والصراعات لا تنتهي , ولهذا فان ما نتعلمه من هذا الدرس التأريخي هو ان هذا التأريخ سينتهي لا محالة , وستبدأ مرحلة الحياة المشتركة وقبول الاخر .
ان اوربا التي لا تزال تعتبر نفسها ملكة دول العالم من حيث احترام حقوق الانسان والحياة المشتركة وقبول الاخر , حروبها الدموية كانت تدنس صفحات التأريخ ذات يوم , حول هذا التاريخ الدموي وكيفة انهاء هذا التاريخ الدموي يقول البروفيسور ان سزلاك العضو في دار حل النزاعات ( resoution house ) في كندا:
( انه سؤال معقد للغاية , ورغم ذلك علينا ان نعود الى تاريخ ذلك المجتمع , العودة من اجل ان نفهم لماذا يحمل كل مكون من مكونات المجتمع نظرة خاصة ازاء المكون الاخر ؟ على سبيل المثال , حصل ان قام مكون معين بابادة جماعية ضد مكون اخر مما ولّد الحقد والضغينة بين اجيال المستقبل , ولكننا لا بد من ان نضع في الحسبان حقيقة اننا لا يمكن ان نغيّر الماضي ولكن الاستمرار في العنف لا يبشر بمستقبل جيد لأي من الاطراف , لذا لا يجوز ان نسعى الى ان يفهم بعضنا البعض فحسب بل علينا ان نأخذ بنظر الاعتبار حقيقة ان التسامح هو عامل من عوامل التقدم , هذا المشروع لم يكن سهلا حتى في اوربا , كما اننا لا نستطيع ان نقول ان هذه الصراعات لم يعد لها وجود في اوربا اذ اننا لا زلنا نجد هتاك بعض التوتر الذي يمكن اعتبار بعضه على غرار التوتر العرقي .
ولهذا وقبل ان تنظر المجتمعات الى اوربا , عليها ان تعود الى تاريخها بالذات وفي ذات الوقت يبدأ الحوار بين المكونات المختلفة.
فيما يتعلق بكوردستان , على سبيل المثال , هو ان عليهم ان يتحاورا مع الحكومة العراقية وربما كانوا بحاجة الى الحوار مع الاتراك ايضا , وعلى الرغم من ان غالبية الكورد يطمحون الى الاستقلال الا ان السؤال هنا هو , الى أي مدى يكون ذلك ممكنا ؟ وفي ذات الوقت فان الحياة المشتركة في هذه المنطقة تحتاج الى اتفاق على كيفية توزيع الثروة النفطية واستخدامات مصادر المياه وغيرها , ولهذا فليس مستغربا ان تجابهنا هذه المشاكل وان تقف عائقا في طريقنا ولكنني اذّكر كل الاطراف بحقيقة ان البديل في معاجة هذه المشاكل بهذه الطريقة , هو الاقتتال مع بعض وسفك الدماء واللجوء الى العنف , اذن فان حسم هذه المشكلات والخلافات يتطلب قيادة جيدة وارادة حقيقية لفهم رؤى ومواقف الاطراف الاخرى , مع التذكير الى ان ما يتعرض للنسيان في محاولات بناء المستقبل وصنع السلام هو دور المرأة , وانا اعتقد ان بدون دور المرأة لا يمكن تربية الاطفال تربية انسانية ).
على الرغم من ان للبروفيسور اندريو وورد استاذ السيسيولوجيا في جامعة هارفارد وجهة نظر مغايرة من منظور السيسيولوجيا الاجتماعية , الا انه يعتقد ايضا ان تغيير ثقافة العنف بثقافة التسامح ليس بالعمل الهين وهو بحاجة الى الوقت المناسب , وعبر عن رأيه لهذا التقرير على النحو التالي (من الضروري احيانا ان ننجز هذا في الوقت المناسب , على سبيل المثال , ربما كان افضل وقت هو بعد نشوء خلافات طويلة الامد وحينما تقتنع الاطراف المختلفة ان اطالة امد النزاعات ليس في صالحهم وانهم لن يستطيعوا تحقيق مكاسب اضافية , او تقتنع بان السعي نحو حل النزاعات يصبح عاملا من عوامل بناء مستقبل افضل , حينها يمكنهم تجاوز مشاعر الخصومة والعداء والعمل من اجل المستقبل وربما ينتهي سلوك سيئ الى ظرف جيد ولا سيما عندما يصل الناس الى قناعة ان هناك بدائل افضل من الاستمرار في التناحر الذي يؤدي الى الكوارث , حينئذ يفكر الناس في ايجاد طريقة لحل وحسم الاشكالات , وحينما يصل الناس الى قناعة انهم وعلى الرغم من ان كل منهم يمثل مجموعة مختلفة الا ان العديد من الصفات والخصال المشتركة تجمعهم الى بعض , وهذا يمهد الطريق لصنع السلام داخل المجتمع , واعني ان الناس تحتاج الى ان ترتبط بمجاميع معينة ولكن عليها ان تأخذ بنظر الاعتبار ان هناك اهداف وقواسم مشتركة بينها وبين المجاميع الاخرى , ان ايجاد التوازن في هذه الحالة عملية مليئة بالتحدي , وهذا لا يتم الا حينما يقتنع الناس بان اعتماد الحكم الديمقراطي او تطبيق مبادئ الديمقراطية يوفر لهم حياة افضل ).
البروفيسورة شيركس التي لها تجربة في العراق و في اوربا . تتحث لهذا التقرير عن التاريخ الدموي لاوربا قبل الوصول الى ظاهرة التسامح وتقول ( احتاج الامر الى مساعي وجهود الكثير من الناس , كما ان معالجة الاشكالات وحسم القضايا كان بحاجة الى جلوس الاطراف المختلفة الى طاولة الحوار والنقاش عن قرب , لكي يفهم كل طرف اراء وطروحات الجانب الاخر اى ان عليهم الاستعداد للجلوس مع اشخاص لا ينظرون اليهم بمحبة , لغرض الوصول , في النهاية الى ايجاد الحلول المشتركة ,وبهذه الطريقة يمكنك ان تجد حلولا لحالات التوتر , ولكن على الاطراف ان لا تنسى حقيقة انها لا يمكن ان تحقق مطاليبها بنسبة 100% , على العكس , فان هذا المشروع يحتاج الى التنازلات ويمكننا الاستشهاد بالاتحاد الاوربي حيث تجتمع الامم المختلفة المؤتلفة في هذا الاتحاد , معا ويجدون الحلول المشتركة لمشاكلهم , و يمارس بعض الاطراف والاشخاص دورا ملحوظا في هذا الجانب كوسائل الاعلام ورجال الدين وقادة الحكومة وقادة المجتمع الذين عليهم ان يكونوا ذا تأثير على طريقة الحياة التى تسعى اليها الامة .
اذن , بالامكان التاثير على الرأي العام وتوجيهه باكثر من اسلوب نحو العنف او السلام , اذن من المهم ان يتوفر المجتمع على عدد من القادة يعملون وملتزمون بالعمل من اجل السلام وقبول الاخر وهنا يمكننا على سبيل المثال ان نستشد بجنوب افريقيا التي ضحت بالعديد من القادة على طريق النضال ضد الاضطهاد , ورغم ذلك فان قادة المجتمع المدني والقادة الاخرون داخل المجتمع واصلوا الكفاح واستمروا في نضالهم لفترة طويلة الى حين حققوا اهدافهم في نهاية المطاف ).


ترجمة : عبدالرحمن باشا
Top