في لقاء خاص مع مجلة كولان.... المفكر الفرنسي والعالمي الكبير آلان تورين:تأسيس دولة كوردستان هو حق أساسي ولا يجوز التفاوض بشأنه. أحد طموحاتي التي أرغب في تحقيقها قبل رحيلي عن هذا العالم هو أنش
February 9, 2015
مقابلات خاصة
نبهني زميلي العزيز د. عادل باخه وان أواخر عام 2014 بإننا سوف ننظم أواسط شهر كانون الثاني من عام 2015 لقاء خاصاً مع المفكر الفرنسي والعالمي آلان تورين، ورغم أن د. باخه وان قد أجرى العديد من اللقاءات مع كبار المفكرين الفرنسيين مثل(ريجيس دوبريه و مارسيل كوشي) وغيرهما من المفكرين الفرنسيين، إلا أن لهذا اللقاء أهمية الخاصة بالنسبة الينا و للدكتور باخه وان أيضاً، طريقاً لقراءات جديدة، لبعض مؤلفات تورين ومنها(ماهي الديمقراطية؟) الذي ترجم الى اللغة الكوردية وغيرها من المؤلفات التي ترجمت الى اللغة العربية حيث يكون القارئ في جنوب كوردستان على معرفة أكبر بها، والجدير بالذكر أن هذه اللقاءات مع كبار المؤلفين هي مشروع ثقافي وفكري تبناه د. باخه وان و يكون المصدر الرئيس ل(كتاب كولان) القادم ليقدم الى عموم قراء كوردستان وفيما يأتي نص المقابلة مع آلان تورين:لقاء د. عادل باخه وان- باريس
• أين كنتم عندما دقت نواقيس الخطر في مذبحة باريس المشهورة في 7 كانون ثاني 2015؟
- كنت في المنزل، ولم أكن قد وصلت مدرسة الدراسات العليا بعد، وكنت منشغلاً بإعداد آخر مؤلفاتي، عندما خابرني السكرتير الخاص لتورين- ونبهني الى أن مجريات الأحداث في باريس حوالي الساعة 12- ظهراً من ذلك اليوم، هو أن ما حدث في مجلة(شارلي أيبدو) وتداعياتها وصولاً الى يوم (الأحد) في باريس ، هو شئ قريب من الوحي الألهى بالنسبة للمجتمع والأمة الفرنسية بصورة عامة وللجمهورية بصورة خاصة، ففرنسا تعيش منذ سنوات في خيبة أمل وقد اسدل ستار من التشاؤم على كامل المجتمع الفرنسي، فمنذ عدة سنوات و كل شئ يسير فيه نحو الأنحلال، أبتداء من الطبقات الأجتماعية وصولاً الى الأسر والبنى الأخرى لدرجة كنا نشعر معها بإنه ليس هناك شئ يربطنا فيما بيننا وقد سيق بنا الى أوساط المجتمع كبعض الوجود النووي، فمنذ عدة سنوات وللفرنسيين صورة قاتمة للغاية داخل مجتمعهم فقد فقدت الثقة فيما بينهم ويرون كل شئ سيئاً، ولا يتوقفون للحظة واحدة عن توجيه الأنتقادات السلبية وتسير بنا كل البحوث الأجتماعية الى هذا الواقع.. وفي أجواء كهذه حلت علينا(مذبحة شارلي ايبدو) وهزت من الأعماق كان المجتمع وبعثت به من مرقده.. وقد خرجت في مساء تلك المذبحة الألاف المؤلفة من منازلها في مناطق ليون و مارسيليا و طولوز وستراسبروك و باريس وعموم المدن الفرنسية دون أن تكون هناك أية دعوة رسمية بذلك، وتوجهوا جماعات و فرادي الى الساحات العامة لمدنهم وتم أيقاد آلاف مؤلفة من الشموع وقد كونوا موجة أنسانية أذهلت العالم. وكنت أنا أحد من تعرضوا لهذه الموجه التي هزتني من الأعماق وكانت الجموع الحاشدة تصيح معاً(نحن وطن حرية التعبير) نحن بلد الحرية) وان (أغتيال الصحفي متساو مع أغتيال فولتير) وقالوا لنا هذا موعد أنطلاق الذات وايجادها والبعث أحياء وقد عدنا ثانية، في هذه اللحظة، وفهمنا وأدركنا أن فرنسا هي أول أوطان ظهور وأنبعاث فكرة الحرية والتي أسست في النهاية الثورة الفرنسية وأذن ودعا العالم أجمع من أجل الحرية، من هنا فقد اصبحت هذه اللحظات ولادة فرنسا من جديد.
• أي أنكم تساوون بينها وبين أنطلاقة الثورة الفرنسية في عام 1789 وتحرير فرنسا في عام 1945 ولا تحضرنا اليوم أية أحداث تأريخية أهم من ذلك وأي حدث حققه ابناء(كواشي)؟.
- أنا أستخدم هنا في الواقع، ليس مصطلح الولادة من جديد بل أستخدم لها البعث من جديد ايضاً، وبعد اربعة أيام من الحادث، فقد تدفقت الملايين من البشر وصاحت(نحن وطن الحرية و حقوق الأنسان) وفي يوم الأحد ما بعد الحادث فقد صاحت الجماهير قاطبة، كباراً وصغاراً، نساء ورجالاً ومن السود والبيض والمسلمين والمسيحيين، والمؤمنين وغير المؤمنين(نحن هنا، ونشكل شيئاً موحداً معاً)، وقد فهم كل الفرنسيين الذين كانوا حتى الأمس يشعرون بإنهم لا ينفعون شيئاً في هذه الحياة، وبينوا أن الأنتماء الفرنسي هو قيمة عالمية سامية ولا يجوز التعامل معها بهذا الأسلوب.. وفهمنا أن فرنسا التأريخ قد عادت الى ارواحهم ولا أقصد هنا بطبيعة الحال فرنسا الأستعمارية، أو فرنسا الجزائر بل أعني فرنسا ارض الحريات ونبع الثقافة وفرنسا الثورة من أجل حرية التعبير.. وقد كنت في تلك اللحظة التأرخية شاهداً على عودة صدمة عنيفة يمكنني تسميتها بآلية الصراع بين الجمهورية وبين المؤسسة الدينية ويشهد التأريخ الفرنسي مثل هذه الصراعات فهم حساسون جداً أزاء اي شئ يخص الدين والديانة، رغم شكوكي الشخصية في مشاركة الدين في هذا الحادث إلا انني ادركت ان هذه الآلية قد بعثت من جديد لتلافي أي شئ يتعلق بالدين والديانة.
• مع ذلك أجد أن فرنسا لم تعد تلك(القرية الكولوية) والتي تعود جذورها الى الكولوائين، وأختيارها العيش لوحدها والأمر هكذا فإن تنظيماً مثل(الدولة الأسلامية)، وكما هو يهاجم أربيل والبيشمةركه في كركوك فإنه يهاجم فرنسا والعالم أجمع وان ما يحدث في الموصل على علاقة تامة بمارسيليا وأحداثها ومن بين أفراد هذا التنظيم عرب ولشيشانيون و فرنسيون والمان أيضاً ؟
- أنا أتفهم بالكامل توجهكم هذا وأدرك ما تتحدثون عنه، ومتأكد بإن لتوجهكم هذا معناه وأهميته ويمكن التحدث عنه بدقة، إلا أن ما يهمني أنا( كسوسيولوكي فرنسي) هو كيفية أحياء أمة كانت حتى الأمس تشعر بإنها خارج التأريخ وتنتظر الموت وتعيش على الهوامش ، هذا الواقع شعور يرافقني منذ عدة سنوات ويمتص وجداني، وتعود جذوره الى اللحظة التي جاء المارشال بيتا وسلم فرنسا الى هتلر و قد ولد ذلك روحية أحباط لدى الفرنسيين والتي تستمر الى مذبحة شارل ايبدو من قبل ابناء كواشي، وتتجلى أهمية هذه المذبحة في أن هذه الروحاً لأحباطية سوف تزول عنا فنحن ابناء رينياس ونبعث من جديد و نعود للحياة والتأريخ البشري، فقد احياناً ابناء (كواشي) من جديد.
• هذه هي المشاعر التي يحتم عليكم منذ السابع من الشهر يوم الأربعاء، لغاية الأحد القادم أي الحادي عشر منه غير أن هناك طلاباً ما زالوا لا يؤمنون بتلك المشاعر الجياشة ولهم خطابات مختلفة ويمزقون الأجماع الوطني الذي تحدثنا عنه كصفحة ملئت على أخرها؟
- أنا ككل الفرنسيين، كنت يوم الأحد 11 كانون الثاني ، وأنا في التسعين من عمري، بين الحشود الجماهيرية وقد اصبت بنوع من النشوة ازاء الصراع من أجل الحرية، إلا أنني عندما سمعت في اليوم التالي أن العديد من الطلبة الفرنسيين لم يحترموا تلك اللحظة لا بل وأنتقدوها، فإنه كان أول ضربة تصيب أحساسي وشعوري وأن أول معوق يعترض طريق الجمهورية.
• إلا أن العقبة الثانية قد تجلت عندما صدرت أسبوعية (شارلي ايبدو) وعلى غلافها الأول صورة كاريكاتيرية لنبي الأسلام وهو يبكي قائلاً: أنا شارلي وأنتم تدركون جيداً توجهاتي حول التعامل مع الدين و رموزه.. فما هو تعليقكم على تلك الصورة و كيف ترطون بين حرية التعبير و بين السخرية بالرموز الدينية، وما مدى و حدود حرية التعبير في ذهنكم؟
- إن الغلاف الذي تتحدثون عنه هو مسألة في غاية التعقيد و يقول فيه محمد باكياً: أن شارلي، وللحقيقة اقول أنا لم أكن قبل ذلك من قراء شارلي و ممن يرفضون الأستهانة بالرموز الدينية، ولا يشترط أن تكون مساندة حرية التعبير متساوية لمثلها في الأستهانة بتلك الرموز فهناك الألاف ممن هم مستعدون للتضحية بإنفسهم من أجل المسائل الجدية مثل الأمة والطبقات.. وليس لنا أن نسمح لأنفسنا التعامل معها بهذا الأسلوب، فالدين هو مسألة جدية و حساسة، ولا يجوز أن نتناولها بكل سهولة و بساطة و رسم صور كاريكاتيرية عنها، فليس لأي فنان أن يتحدث عن مسألة جدية مثل الدين كحديثه عن لياليه الحمراء هو، إلا أنني في ذات الوقت ارفض كل التوجهات التي تأتي وتعتلي المسارح كمخالفين لشارلي و يعلنون الحرب عليها، ومن حق المسلمين أن يتحدثوا عن أساءة المجلة للرسول، الى هذا و المسألة صحيحة و حق طبيعي، إلا أن ذلك لا يمنحهم الحق في ارتكاب مجزرة كبرى كالتي شاهدناها في مقر(شارلي ايبدو) وأعتقد بعدم وجود أي أختلاف في المسألتين، إذاً علينا أن نساند بكل قوة حرية التعبير، غير أن ذلك لا يعني أن نتحدث عن حرية التعبير بكلمات واهية لا أصلها ولا فصل.. أي بلغة أخرى: أنا اساند حرية التعبير عن طريق شارلي ولكني في ذات الوقت لست مع نشر مثل هذه الصور الكاريكاتيرية عن رسول الأسلام وكلي ثقة بإن ملايين الفرنسيين الذين تدفقوا يوم 11 كانون الثاني الى الشوارع يحملون ذات التوجه، صحيح أنهم قد ساندوا حرية التعبير، إلا أن ذلك لا يعني أنهم مع الأستهانة بالرموز والقيم الدينية.
• وماذا عن عدم موافقة 40% من الفرنسيين، وفق أحدث الأحصاءات، على نشر اسبوعية شارلي ايبدو لصور كاريكاتيرية عن رسول الأسلام، وهي نسبة عالية جداَ بالنسبة للمجتمع الفرنسي الذي خاض على مدى التأريخ صراعات مع الديانات ورجال الدين؟
- هذا صحيح وأقول من هنا: أن قتلة شارلي، و قبل أن يكونوا أي شئ أو منفذين لأوامر الدين، إنما نفذوا فعلاً سياسياً، اي أن من يقف وراء ذلك الهجوم هو نهج سياسي وليس ديني، فإبناء كواشي هم الشخصيات التي لجأت، على طريق أثبات ذاتهم وأنشاء هوية تمنع معنى لوجودهم، الى تجاوز مناطق اللا معنى وفقدان القيم، الى منظمة ارهابية فتحت لهم أحضانها، ووفرت لهم أدوات تمكنهم من تحقيق ذاتهم، وهؤلاء هم عبارة عن الشخصيات التي تعمل من أجل الهدم والأنحلال وليس من أجل البناء والتأسيس وأسميهم ب(المعادين لحركة المجتمع في وقت ومكان مختلف).
• إلا أن ذلك يشكل كارثة أنسانية، فإنتم ترون أن قوات البيشمه ركه سواء كانت في العراق أم سوريا، على عموم مساحة الشرق الأوسط هي القوة الوحيدة التي تواجه ارهابيين مثل داعش، من أجل حماية ليس اربيل والسليمانية فحسب بل و حماية باريس وبرلين ايضاَ، أولاترون ضرورة توسيع فرنسا لمشاركتها في الحرب ضد أرهابيي داعش؟
- بودي القول أولاً أنكم قد لاحظتم عن كثب مساندتي القوية لتأسيس دولة كوردستان وارى أنها هي أحد الحقوق الأساسية التي لا تقبل التفاوض أو المساومة، إلا أن فرنسا هي الآن- خارج هذه السياقات والمواقف الأساسية، ليست في موقع تمكنه من الوصول بجيش كبير الى اقليم كوردستان و محاربة داعش.
• والكورد هم أيضاً بأنتظار أن يكون لفرنسا، أستعداداتها في مجالات أخرى على المستوى السياسي والدعم العسكري فيقول رجيس دوبرية وهو صديق مقرب لي ولكم، لتبيع فرنسا طائراتها المقاتلة الى قوات بيشمه ركه كوردستان، وغيرها من المستويات الأقتصادية والسياسية، فإنتم تدركون جيداً أنه لا يمكن دحر داعش بقوة السلاح فهذه الحرب هي أقوى واشمل من أسلحة الكلاشينكوف لأبني كواشي؟
- دعني أطمئنك وأؤكدلكم بإن لكل ما تحدثت عنه أعلاه أهميتها، وقد قلت مؤخراً وفي مناسبة خاصة ضمت نخبة السلطة في فرنسا وفي قصر اليزيه وصولاً الى وزارة الخارجية، واكثرهم كانوا من طلتي وبكل صراحة ووضوح بإننا اليوم أمام مسؤولية تأريخية وأن على الجمهورية الفرنسية أن تساند الشعب الكوردي وفي جميع المستويات و دون تردد، وعندما تؤسس الدولة الكوردية سنكون أول المعترفين بها، وأنتم على أطلاع وثيق على ما أعلنه خلال مراسيم تكريمي بالميدالية الذهبية، وامام أكثر من 200 شخصية من الوزراء والسفراء: أنا سوف أزور جنوب كوردستان وابعد من ذلك وأنا الذي بلغت ال(90) من العمر أجد أن ما يفرضى وسيعدني هو تأسيس الدولة الكوردية قبل مماتي ومازلت على موعدي و قراري بزيارة كوردستان.
ترجمة / دارا صديق نورجان