كوردن باوين ل(كولان): الصراع في سوريا يأخذ منحى طائفياً ينذر بالمخاطر والمستقبل المجهول
November 1, 2012
مقابلات خاصة
البروفسور كوردن ايل باوين استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة ماري بلدوين والمتخصص في السياسة الخارجية الأمريكية و السياسة العربية والأسلامية والشرق اوسطية، وقد وجهت اليه كولان اسئلة متعددة حول مستجدات الأوضاع في المنطقة والتصاعد الخطير في الوضع السوري فأجاب عنها مشكوراً:
* تمر منطقة الشرق الأوسط عموماً بمرحلة حساسة وتعقبها تغييرات عديدة،بأعتقادكم الى اين تتجه هذه التقلبات في الأوضاع؟
- إنّ جوهر السياسة هوالمساومة،أي نيل جزء من المطالب وليس الكل، أنا ارى أنّ الأتجاه السياسي في المنطقة يسير نحو الطائفية،أي لايمكن المساومة على كل الأمور ببساطة، لقد اصبحت الطائفية الدليل السياسيي الأهم للشعب،اذاّ عندما تتساوى الهوية الطائفية مع الأتجاه السياسي فأنّ المساومة تصبح اكثر صعوبة، لذا فمن الأفضل أنْ تكون هناك احزاب لاتميل الى النهج الطائفي، من هنا يتضح لنا أنّ عوامل كثيرة تلعب دورها في تعزيز العلاقات بين الشعب والأحزاب ومعرفة المواقف، وما يلاحظ الآن في العراق و سوريا هو الأبتعاد عن البعثية والتوجه نحوالطائفية،وبذلك نكون قد ابتعدنا كثيراً عن المساومة بسبب تصاعد النهج الطائفي لدى معظم الأحزاب.
*العامل الرئيس و النقطة الساخنة للتحولات في سوريا،يتضح من الأنقسام على الصعيدين الأقليمي و الدولي حيال أوضاع سوريا، التي تُفسّر كالصراع الموجود بين الشيعة و السنة، هل أنَ استمرار تردي الأوضاع الراهنة في سوريا تشكّل خطراً على المنطقة برمتها؟
- لم تجرِ اغلب الدول في التأريخ المعاصر تفسيراً فكرياً عبثياً لمصالحها، بل أنها اجرت تقييماً واقعياً للأوضاع في ضوء توازن القوى في العالم،وهذه هي احدى الخصال الرئيسة للتعامل الدولي،ولكننا عندما نتجه نحو هوية طائفية و نتخذ موقفاَ بعيداَ عن المساومة،كأهم سمة للحياة السياسية الداخلية،فإنّه يبدو عند قراءة محتوى سؤالكم أنْ نشير الى أنّ تركيا متورطة في سوريا، أوعلى الأقل في قضية اللاجئين السوريين، ونرى ان كلاً من تركيا و سوريا تعملان من اجل تحقيق مصالحهما،ما يؤدي ذلك الى استياء الدول العظمى،امثال الولايات المتحدة الأمريكية،ومن المحتمل انْ تؤثر القضية السورية على العلاقات بين تركيا و ايران ما يؤدي الى اتخاذ خطوات عدائية متبادلة، وهذه لاتخدم مصالح المنطقة بصورة عامة،وهذا يعني لو اتخذ القادة سياسة مساومة في الداخل وسياسة واقعية لحقيق مصالحها على الصعيد الدولي فأنه يحتم عليهم الأبتعاد بسبب التفكير الخطير ازاء مستقبل البلد.
* تقوم الدولة التركية يومياً بتحشيد قوات اضافية على حدودها مع سوريا،وهذه اشارة الى أنّ الأسد يستمر على اعمال العنف و يسبب المشكلات لدول الجوارولاحظنا أنّ الناتو دخلت مؤخراَ في المعادلة،السؤال هو: هل أنّ الناتو انضمت الى ساحة القتال من اجل تركيا؟
- هذه مسألة تتعلق بعملية القرار في اطار الناتو، والتي تستوجب أنْ تتم بالأجماع لتتخذ الناتو هذا الموقف بشكل رسمي،أى انها تدافع عن أي دولة عضو التي بحاجة الى الدفاع ،ولكن الأجتماعات التي عقدت مؤخراً تمخض عنها التأييد الواضح لتركيا من قبل الناتو،وبالنتيجة فأن ذلك سوف يشكل خطراَ ليس على سوريا فقط بل على العالم ايضاً،لأنّ روسيا اعلنت بصراحة عن موقفها ازاء سوريا،وهذا يشكل خطراَ على الأوضاع في المنطقة اذا ماانجرت تركيا الى الحرب،حيث أنها قامت في الفترة الأخير ة بجمع قواتها على الحدود من اجل الدفاع عن نفسها،كما هناك احتمال من أنْ تؤدي مشكلة اللاجئين في سوريا الى اسراع تركيا في التدخل،اذاَ نحن لانتحدث فقط عن انفجار النزاع الطائفي في لبنان و العراق بسبب الأوضاع السورية،بل هناك مخاوف كبيرة من اندلاع ازمة دولية،الواضح أنّ تركيا قامت بضبط النفس ولكن الى متى ستستمر في ذلك و الأوضاع تتجه نحو الأسوء سيما في مسألة ازدياد عدد اللاجئين السوريين والأستفزازات السورية على حدود تركيا، لذا نستطيع القول أنّ نحوسنة و نصف تمر على الأزمة السورية والمخاطرتتزايد و تتعقد الأمور اكثر التي لاتبعث على الأمل في ايجاد حل قريب لتلك الأزمة.
* تقوم ايران بدعم نظام الأسد من اجل البقاء في السلطة،من جهة اخرى وهي تعاني من العقوبات الأقتصادية،كما أنّ اسرائيل تهددها بأستمرار ، السؤال هو ماهي عواقب هذه الصراعات بالنسبة للمنطقة؟
- كانت هناك عوامل لمنع وصول الأسلحة التي كانت تُصدّرالى نظام الأسد، التحالف بين طهران و النظام السوري واضح للجميع،كما أنّ احتمال الهجوم الأسرائيلي على المؤسسات النووية الأيرانية قد تضاءل خلال هذا الأسبوع وفق تصريحات نتنياهو، بسبب قرب اجراء انتخابات جديدة في البلاد،بينما كان الحديث يجري عن الضوء الأحمرفي الربيع أو في الصيف،والذي كان الجميع يتوقع حدوث الهجوم قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية،ولو عدنا الى مسألة تصدير المساعدات الى الأسد،فإنّ ذلك يعني أنّ الأمور معقدة كثيراَ،والمعلوم أنّ الموقف الروسي الداعم للنظام السوري و كذلك وصول الأسلحة الأيرانية الى سوريا الى جانب الأطراف الأخرى التي لاتزال تؤيد بقاء النظام في السلطة كل هذه الأمور سوف لن تنقذ النظام ،ويأت يوم يسقط فيه نظام الأسد، ولكنني بشكل عام متعاطف مع الشعب السوري في مأساتهم الأنسانية.
*الجهود السعودية في سورية ليست من اجل ارساء الديمقراطية،بل أنها تسعى الى وصول الحكم الأسلامي الى السلطة اسوة بالدول الأخرى،الى أي مدى تستفيد الأحزاب الأسلامية من الربيع العربي؟
- سوف يحدث نزاع مستمر في المستقبل بين المكونات السورية ذات الأغلبية بشأن تحديد الخيار الصحيح للشعب السوري،والمعلوم أنّ السعودية و تركيا تحاولان بذل جهودهما بهدف بسط نفوذهما،أما مصر و ليبيا وتونس فإنّ جماهيرها قررت اختيار أي طريق دون الأعتماد على القوى الخارجية،إنّ طموح السعودية لقيادة الجميع في المنطقة يصطدم ببعض الدول مع آليات الثورة الحالية،كما أنّ الشرعية السعودية ودعوتها الى القيادة أساسها ضعيف، أما السلطات المنتخبة في تونس و مصر اكثر استقراراً بالمقارنة مع السلطة في ليبيا،اذاَ فإنّ المحاولات الخارجية للسيطرة و توجيه الأوضاع عن طريق تأمين الأموال والأسلحة،قد يكون لها تأثير في المستقبل القريب.
* يجري الحديث عن أنّ سقوط نظام الأسد سيصب في مصلحة الكورد مع التوقع بأنشاء الدولة الكوردية،تُرى الى أي مدى يستفيد الكورد من مستجدات الأوضاع في سوريا؟
- إنه لوضع مأساوي عندما تكون وسط محيط ومتمسك بخشبة،أما الكورد لهم ظرف خاص في العراق، فهم متمسكون بالقيم الديمقراطية الحقيقية و احترام الأقليات،أنا اعتبر اقليم كوردستان نموذجاً لمن حوله ،نموذج العملية الديمقراطية و الصراع الحقيقي بين الأحزاب والنظام القانوني الشرعي،إنّ طريق الأستقلال الآن افضل من خمسين سنة الماضية، ولكنه لايزال صعباً،لأنّ دول الجوار غير مستعدة لآعادة رسم الحدود ومصالح عموم مكونات المعادلة في العراق تتطلب الأستقرار،ولكن في حال اعادة النظر برسم الحدود أتمنى أن تجري وفق عملية ديمقراطية ،لأنّ تلك الدول تقبل بها طوعياً،كما حدث ذلك في تسعينيات القرن الماضي في جيكوسلوفاكيا،ولكن اذا ما جرت العملية عبر استخدام السلاح فمن المحتمل أنّ يمتد ذلك الى توتر القضية اكثر،الباخرة محطمة والمصلحة تتطلب التمسك بالخشبة داخل المياه،واقليم كوردستان يعاني من هذه المشكلة لذا فإنكم تستطيعون مواصلة الحياة مع احترامي الكامل لقادتكم ولشعبكم.
ميرفت حاتم ل(كولان)
مايحدث في سوريا خطير و مهم جداً،النظام لايسمع الشعب ويقف ضد طموحاته
البروفيسورة ميرفت حاتم استاذة العلوم السياسية في جامعة هاوارد في واشنطن و المتخصصة في سياسات الشرق الأوسط وسيما مصر وسوريا،و للحديث عن اوضاع المنطقة الراهنة بصورة عامة و سوريا على وجه الخصوص،اجرت معها كولان هذا اللقاء:
* لقد زرعت الأوضاع في سوريا التشاؤم في نفوس المراقبين،وهذا اثار مخاوف كثيرة من أنْ ينتشر لهيب الأوضاع المتأججة في المناطق الأخرى، ماهي قراءتكم لهذه المسألة؟
- على عكس ماورد في سؤالك،أنا متفاؤل جداً حول مايحدث في المنطقة،بعد أنْ بقيت الأوضاع على حالها لأكثر من ثلاثين عاماُ و لم يطرأ عليها أي تغيير،فأننا في الوقت الحاضر نعيد النظر بكل الأمور،بالجوانب السياسية و الأجتماعية و الأقتصادية،انها ليست عملية سهلة ولكنها مبشّرة بالتفاؤل وتخدم الجماهير بصورة عامة.
* ولونظرنا الى المسألة في اطار الأوضاع السورية،لشعرنا أنّ التغييرات التي حصلت حتى الآن تبشّر بالخير، هل أنّ سقوط الأسد يغيّر من اتجاه الأوضاع ؟
- صحيح أنّ روسيا بلد مهم،ولكن ما يحدث فيها لايحدد مصير الأجزاء الأخرى في المنطقة،ولكن في الوقت ذاته ما يحدث في سوريا خطيرجداَ ، بسبب وجود نظام لايسمع الشعب و يقف ضد مطالبه المشروعة،وما يبعث على الأرتياح أنّ الشعب يواصل نضاله ضد النظام القمعي بحماس متميز،وهذا عكس كل التوقعات و حتى المحللين العرب،وهذا لايعني وجود حرب طائفية،صحيح هناك انقسام ديني،ولكن الشعب السوري يسعى الى تقرير مصيره السياسي بنفسه اسوة بشعوب مصر و تونس و ليبيا و اليمن، اذاً هذا ليس بمنأى عن ما يحدث في المنطقة،بالرغم من وجود جهات اقليمية التي تحاول الأنخراط في النزاع الدائر،امثال ايران و السعودية الى جانب اطراف دولية،ولكن كل هذه الأمور لاتحدد النتائج التي تتمخض عن ذلك النزاع.
* بعض المراقبين يعتقدون أنّ المشكلة السورية تحولت الى ساحة حرب اقليمية لبعض الدول وكالة،وعلى سبيل المثال فإن السعودية تتطلع الى اسقاط النظام السوري و لكن يدخل ذلك في مصلحتها و ليس في مصلحة الشعب السوري؟
- نفهم من سؤالكهم أنّ السعودية تهتم كثيراَ بهذا الجانب،في الحقيقة أنّ الغرب و ايران تهتم هي الأخرى بذات الشأن،اذاَ الدول العربية لها مصالحها في أي نزاع يحدث في المنطقة و هذا أمر عقلاني من الناحية السياسية،ولو تطرقنا الى هذا الموضوع بشكل مفصل لوجدنا أنّ السعودية لها مصالح في سوريا و مصر و تونس و البحرين،وهذا الموقف ليس غريباً بل أنه يعقّد النزاع اكثر ،وبأمكان السعودية التأكيد على التحالف مع الجهات الأخرى ذات النهج القومي من اجل فهم العملية المعقدة في المنطقة.
*يشكل الكورد في سوريا جزءاَ من الأزمة السورية ، وفق قراءتكم للموضوع هل يستفيد الكورد من هذه التغييرات؟
- نلاحظ انّ نفوذ و سيطرة نظام الأسد قد قلّت في المناطق الكوردية وأنّ الكورد يقومون بأدارة امورهم في تلك المناطق،اعتقد أنّ سقوط النظام لايخدم فقط الكورد بل أنّ المجاميع الأخرى تستفيد منه ايضاً،أنا أؤيد سياسة فرق تسد في سوريا .صحيح أنّ حقوق الكورد مهمة،وفي نفس الوقت فإنّ حقوق غيرهم مهمة ايضاَ كالسنة و الشيعة وحتى العلويين،انها لحظات تأريخية لذا يجب التفكير في نظام جديد يضمن حقوق جميع المكونات السورية،أنا لاأجد افضل طريقة تخدم مصالح الكورد و التي تكمن في تأسيس دولة كوردية بالرغم من أنّ الكورد يسعون الى تحقيق حلمهم التأريخي في انشاء دولة كوردستانية،ولكن هل تعتقدون أنّ تركيا و ايران والعراق سوف تسمح بحصول هذا الأمر؟ اتمنى أنْ يحصل الكورد في تركيا على الحكم الذاتي ويتشكل لديهم تعريف جديد لمفهوم المواطنة.
* كيف تنظر الى دور تركيا و ايران في الأزمة السورية؟
- انتم اشرتم سابقاً الى مصالح السعودية وكيف انها تؤثر على دور السعودية في هذا البلد لذا فإنّ كلاّ من تركيا وسوريا لديهما مصالح حيث أنهما تؤيدان الأطراف المتنازعة في سوريا،وكما تعرفون أنّ ايران الآن تحت التهديد الأمريكي و الأسرائيلي، أما تركيا فهي تتطلع الى سوريا تستقر فيها الأوضاع وتستجيب لمطالب و طموحات ابناء شعبها،أن لاأفضّل جهة على أخرى،لأنها تبحث عن مصالحها،أنا اؤيد حقوق الشعب السوري كورداَ وسنة و علويين،أو شيعة أو الأقلية المسيحية،أي ان الجميع لهم حق المساواة في المواطنة، اعتقد أنّ هذا هو الجانب الحقيقي للتأريخ ويجب أنْ يتحقق ذلك في سوريا ، كما حدث من قبل في تونس ومصر.