ديفيد ايل فليبس ل(كولان) : اذا استمر المالكي في خرق الدستور فإنه يعرّض وحدة العراق الى الخطر
September 12, 2012
مقابلات خاصة
البروفسور ديفيد ايل فليبس يعمل الآن مديراً لبرامج بناء السلام والحقوق في مركز دراسات حقوق الآنسان بجامعة كولومبيا،وقد شغل سابقاً منصب المستشار الأول في وزارة الخارجية الأمريكية و اميناً عاماً للأمم المتحدة،وقدعمل ايضاً كباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد و نائب مدير مركز مجلس العلاقات الخارجية،وهو أحد المتخصصين في شؤون الكورد و العراق و تركيا و الشرق الأوسط وصاحب دراسة توزيع السلطات للعراق بعد 2003 وقد قدّم دراسته هذه في المؤتمر الثاني لمركز مصطفى بارزاني للسلام في الجامعة الأمريكية عام 2002،و اجرى بحثاً عام 2008- 2009 حول العلاقات بين اقليم كوردستان و تركيا، وللحديث عن العلاقات الحالية بين اقليم كوردستان والولايات المتحدة الأمريكية و المشكلات بين الأقليم و بغداد والتحولات التي تشهدها المنطقة،اجرت كولان هذا الحوارمع ديفيد ايل فليبس :
* لقد زار وفد امريكي رفيع مؤخراً اقليم كوردستان، وهذا هو دليل على رغبة امريكا في صب اهتماماته على الأقليم والعلاقات بينهما تشهد مستوى عالياً، ماهي قراءتكم للسياسة الحالية الأمريكية ازاء اقليم كوردستان؟
- تنظر ادارة اوباما الى اقليم كوردستان كأنه محطة اقتصادية ومركز للطاقة،و يقدر اقليم كوردستان احتياطيه من النفط ب 45 مليار برميل،كما هناك احتمال كبير أنْ يولي اهتماماً كبيراً بحقول الغازالطبيعي،و ان هذا الجانب يشكل اهمية اساسية للجدوى الأقتصادي بالنسبة الى انابيب نابوكو التي تمر عبر الأراضي التركية، لقد زار نائب وزير التجارة للشؤون التجارة الدولية فرانكلين لافين مؤخراَ اقليم كوردستان، لطرح مبادرة " بوابات العمل العراقي" والذي يهدف الى تطوير الأستثمار الخاص في العراق،كما زار مساعد نائب وزير الدفاع للشؤون المتعلقة بـ « Business transformation» باول برينكلي الأقليم مع اكثر من 50 مسؤولاً ورجال اعمال ، الى جانب مختصين في مجالات الزراعة والسياحة والأعمار، ومن المؤكد أنْ يشكل اقليم كوردستان بوابة واسعة للعمل الأستثماري و التجاري الأمريكي مع اجزاء العراق الأخرى.
* العلاقات بين اقليم كوردستان و بغداد ليست على ما يرام، فرئيس الوزراء العراقي المالكي غير مستعد للأعتراف بحقوق الكورد التي تم اقرارها في الدستور ليتمكن من ممارسة عمله كأقليم فدرالي،كما أنه لايحترم الدستور،السؤال هو: ما هو العمل لأجبار المالكي على الأنصياع للدستور؟
- لقد استمر رئيس الوزراء المالكي في التجاهل الصريح لسيادةا لقانون والأتفاقيات الدستورية و المتعلقة بتوزيع السلطات في العراق، فهو يدعوالى حكم الأغلبية ويهدف من وراء ذلك تعزيز سلطته على حساب العراقيين الآخرين، المالكي يستخدم وزارات الدفاع والأمن القومي لقمع معارضيه، لقد اعتقل معارضيه السياسيين و استهدف الشخصيات السنية،امثال صالح المطلك و طارق الهاشمي و الأكثر من ذلك قيامه بتأجيج الأوضاع فيما يتعلق منها بالحدود الداخلية و يدعوالى الغاء المادة 140 الدستورية، والتي تضم استفتاء لمدينة كركوك ،إنّ قضية العراق كانت دائماً عبارة عن مركزية السلطات،وقد سلك المالكي هذا النهج ما أثار بأساليبه الدكتاتورية هذه قلق المسؤولين الأمريكيين .
* الخلاف الآخر لأقليم كوردستان هو أنّ البارزاني يدعم الشعب السوري والمالكي يساند الأسدعلى البقاء في السلطة،ترى لماذا يؤيد المالكي رئيس النظام السوري على البقاء؟
- يتصرف المالكي وفق مصالح طهران وكوكيلها في المنطقة، حيث ساعدت ايران المالكي من اجل بقائه كرئيس لمجلس الوزراء في دورة أخرى وتواصل دعمه للأستمرار في الحكم، لقد سمحت بغداد لأيران بأستخدام قواعدها الجوية لتسليح القوات السورية، قد عانى العراقيون كثيراً في ظل حكم الدكتاتور صدام حسين و يشعرون الآن بالتعاطف مع السوريين في نضالهم ضد الحكم القمعي للنظام السوري ويخشون تعرضهم للسلاح الكيميائي ، كما أنّ دعم المالكي للأسد زاد من الصراع والتناحر بين الشيعة و السنة في العراق.
* انكم مطلعون على موقف الرئيس البارزاني الذي يشدد على تنفيذ الدستور حيث يقول سيادته" في حال عدم تنفيذ الدستور،فإننا لانستطيع العيش في عراق يخرق الدستور ولا يتصرف وفق الأسس الديمقراطية" الى أي حد تتفهم أمريكا موقف البارزاني هذا؟
- موقف البارزاني مفهوم جداً ،لم يكن دستور عام 2005 اجراء مؤقتاً وبالتالي فهوليس بمثابة قائمة يختار منها المالكي كيف ما يشاء، لقد كان الدستور نتاج محادثات مستفيضة و صعبة وقد تم اقراره من قبل غالبية الشعب العراقي،أي كان نتاج مساومة ليبقى العراق كدولة ديمقراطية وكجمهوربة اتحادية، إنّ سوء استخدام الدستور من قبل المالكي تثير الشكوك حول التزامه بحماية العراق في اطار حدوده الحالية،ولو تم تقسيم العراق فلايستطيع أحد أن يرمي باللوم على الكورد.
* يتوقع الجميع حدوث تغييرات كبيرة في المنطقة بعد سقوط نظام الأسد ، ماهي تلك التغييرات والى أي حد سوف يستفيد منها الكورد؟
- ربما لايحدث سقوط الأسد في وقت محدد، قد تستمر الأزمة لفترة أطول، و من المحتمل أنْ تشبه سوريا البوسنة في بداية التسعينيات،وتفقد الحكومة المركزية سيطرتها على اراض واسعة لصالح المليشيات المحلية التي قد تسيطر على المزيد من المدن و القصبات،وفي هذه الحالة من المحتمل أن تستقر الأوضاع في الأقليم الكوردي،وعلى الغرب مساعدة الكورد في سوريا من اجل ارساء دعائم الديمقراطية وممارسة اللامركزية، للولايات المتحدة الأمريكية مصالح في التعامل مع اقليم كوردستان العراق من اجل تعزيز البرنامج الكوردي في سوريا وهو برنامج علماني يرفض استخدام العنف لتحقيق الأهداف السياسية.
* تلعب تركيا دوراً اساسياً في المنطقة وفي الربيع العربي،وتشهد العلاقات بين اقليم كوردستان و تركيا الآن مرحلة من التقدم، فما اهمية تركيا بالنسبة الى الأقليم في الظروف الحالية؟
- قطعت العلاقات بين تركيا و اقليم كوردستان مرحلة متقدمة،لقد كان افتتاح القنصلية التركية في اربيل خطوة كبيرة، وتعززت العلاقات بين الجانبين بفضل العمل التجاري و الأستثماري وكذلك بالتعاون الأمني،إنّ اقليم كوردستان العراق يشكّل سوقاَ مزدهراَ لأستيراد البضائع التركية،واستفادت الشركات العملاقة التركية من تطور العمل في الأقليم و تم بناء مطار اربيل الجديد من قبل شركة ماكيول التركية، ولتركيا استثمارات كبيرة في العراق تبلغ اكثر من 7 مليارات دولار، ونصف هذه الأستثمارات يوجد في اقليم كوردستان، موزع على اربيل و السليمانية ودهوك، وكانت انقرة في السابق توجه التهم الى مسعود بارزاني واقليم كوردستان بأيواء مقاتلي حزب العمال الكوردستاني و تهدد بأكتساح كبير للأقليم،ولكن نرى الآن أنّ الأقليم وانقرة يتعاونان فيما بينهما على اكمل وجه.
* هل يصبح اقليم كوردستان عضواً في منظمة التجارة العالمية؟
- إنّ المسيرة العجيبة لتطوير الأقتصاد جعلت المراقبين يناقشون امكانية اقليم كوردستان القيام بتحقيق مستلزمات الأنضمام الى منظمة التجارة العالمية،أنّ العضوية في منظمة التجارة العالمية لاتشكّل فقط رمزاَ مهماً لموقع اقليم كوردستان و الكورد، بل يزيد التسهيلات للنمو الأقتصادي في الأقليم ذي الأدارة الذاتية،اذا كانت الأعتبارات الأقتصادية هي فقط المعايير ،فإنّ اقليم كوردستان سوف يكون مرشحاَ جدياً للعضوية بأعتباره وسيلة للرفاهية و يمضي نحو استقرار سياسي افضل وفي مقدمته سيادة القانون، ووفق كل المعايير فإنّ النمو الأقتصادي في اقليمكوردستان خلال العقدين الماضيين هي مثار الدهشة و الأعجاب،حيث هناك مشاهد للأزدهار و التحديث ومنها بناء العمارات التجارية الشاهقة في اربيل و المدن الأخرى، فضلاً عن الأنباء المتتالية لأبرام العقود التجارية مع كبريات الشركات الدولية و ملايين من الدولارات .
النقطة المهمة في هذا الجانب هي الثقة الموجودة لدى اعضاء منظمة التجارة العالمية بصدد العقود التجارية المبرمة حيث من المفترض أن تستند العقود على المساواة و الشرعية، لقد شهدت الفترة الماضية قلقاً كبيراً حول الجهة التي تتقدم بطلب الأنضمام الى منظمة التجارة العالمية، وخاصة ما يتعلق بنظام قضائي فاسد وعلى سبيل المثال كان يشكل عائقاً كبيراً أمام انضمام روسيا للمنظمة على مدى سنوات طويلة.
واذا ما أخذنا بنظر الأعتبار تلك المعايير فإنّ اقليم كوردستان كأعضاء المنظمة الحاليين سوف يستحق الأنضمام الى تلك المنظمة،ولكن نوعية الأنظمة الأقتصادية و القانونية لاتشكّل فقط عاملاً لتحديد انضمام كيان معين الى تلك المنظمة وانما هناك اعتبارات دبلوماسية وجيوسياسية تلعب دوراً كبيراً في هذا الجانب،وفي بعض الحالات تلعب دور الحسم في المسألة، وعلى هذا الأساس فإن احتمالات أنْ يصبح اقليم كوردستان عضواَ في منظمة التجارة العالمية في فترة قصيرة أمر لاتبعث على الأمل.
وخلال العقدين الماضيين كانت هناك ثلاثة امثلة واضحة حول المساومة الحساسة لحل الخلافات السياسية و الجيوستراتيجية قبل أنْ تقدم تلك الأطراف طلب الأنضمام الى منظمة التجارة العالمية،الأول كان قبول قبرص عام 1995وقد أثار ذلك جدلاَ كبيراً وذلك بسبب احتلال 37% من الأراضي القبرصية من قبل الجيش التركي ،حيث قامت انقرة بتأسيس جمهورية تركية قبرصية شمالية في تلك الأرض المحتلة وهي دولة لم تعترف بها أحد غير تركيا ذاتها. و الجدل الآخر المتعلق بمنظمة التجارة العالمية كان في مسألة تايوان،حيث كانت حكومة بكين تصرعلى أنّ تايوان هو جزء من الصين،وكان المسؤولون الصينيون يتحدون في انضمام تلك الجزيرة الى المنظمة،وفي النهاية تمت مساومة بهذا الخصوص حيث نال تايوان موافقة الأنضمام في عام 2001 ولكن ليس كدولة مستقلة بل كأرض لها اجراءات اقتصادية مختلفة.
كما أنّ روسيا اضطرتْ الى انهاء مشكلاتها الدبلوماسية و الجيوسياسية لتحقيق العضوية،وكان العائق الرئيس يكمن في امتعاض جيورجيا من دعم روسيا لمناطق الأنفصاليين الجيورجيين،أي ابخازيا و اوسيتا الجنوبية،وفي الحقيقة جرت مفاوضات طويلة الأمد ومورس ضغط دولي كبير،قبل أنْ تبدي جيورجيا عدم ممانعتها أمام انضمام روسيا بداية العام الحالي.
إنّ هذه النماذج لها علاقة بتطلعات الأقليم ، حيث أنّ حكومة المركز في بغداد تسعى الآن جاهدة الى الحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية للعراق،كما أنّ المسؤولين في بغداد غير متحمسين لقبول اقليم كوردستان في المنظمة المذكورة ككيان مستقل،وفي الحقيقة نسمع بين حين وآخر أنّ نظام المالكي يعرب عن استيائه بشأن قيام اقليم كوردستان بأبرام العقود النفطية مع الشركات الأجنبية قبل الحصول على موافقة بغداد المسبقة. كما أنّ هناك احتمالاً بوجود شكوك من جانب تركيا حول انضمام اقليم كوردستان الى منظمة التجارة العالمية،صحيح أنّ هذه العضوية توفر التسهيلات اللازمة لعمل الشركات التركية في (شمال)العراق ولكن القادة الأتراك يمتعضون من أي خطوة من هذا القبيل خشية أنْ يتصرف اقليم كوردستان كدولة مستقلة في هذا المجال،وكما تعلمون كانت تركيا في السابق تعتبر ادارة اقليم كوردستان الذاتية بمثابة نقطة استقطاب لسكانها الكورد،وبالتالي فأن ذلك يشكّل تهديداً لوحدة الدولة التركية.
قبل حصول اقليم كوردستان على عضوية منظمة التجارة العالمية عليه التأكيد من امكانية التصدي لمواقف من بغداد و انقرة الرافضة،لأنّ المنظمة تُفضّل العمل بالأجماع عندما تتعلق المسألة بطلبات العضوية،وهذا يعني أنّ بأستطاعة كل من هذه الحكومات تحطيم احلام اقليم كوردستان من خلال استخدامها لحق النقض(الفيتو)،رغم أنّ منظمة التجارة العالمية توافق نظرياَ بأغلبية الأصوات على قبول اعضاء جدد في صفوفها الاّ أنّ هذا يعتبر احتمالاَ بعيداَ بالنسبة الى اقليم كوردستان،حيث أنّ الولايات المتحدة الأمريكية و حليفاتها الأوروبية لاتريد أنْ تثير حفيظة انقرة بهذا الصدد بأعتبارها عضو في الناتو،كما أنّ أمريكا سوف تتردد في اضعاف بغداد.
الستراتيجية الوحيدة التي يمكن لأقليم كوردستان اتباعها من اجل القبول في منظمة التجارة العالمية تكمن في بذل محاولاته المستمرة لأقناع حكومتي انقرة و بغداد بالرغم من أنّ هذه الستراتيجية قد تستغرق وقتاً طويلًا وفي الوقت ذاته فهي غير مضمونة،