المفكر العربي الكبير صادق جلال العظم ل(كولان) : المغزى الحقيقي ل ( الربيع العربي) بالنسبة لي عودة السياسة للناس وعودة الناس للسياسة
August 29, 2012
مقابلات خاصة
المفكر العربي الكبير صادق جلال العظم يقيم حالياً في المانيا ويبلغ من العمر 78 سنة،وهو احدالمثقفين المعروف بالجرأة النقدية في المجتمع العربي والشرق الوسط، وتحتل كتبه و كتاباته موقعاَ متمييزاَ ولها اصداء ليست على مستوى العالم العربي فحسب،بل على مستوى العالم،صادق العظم صاحب كتابي(ذهنية التحريم و مابعد ذهنية التحريم)هذان الكتابان احتلا مساحات شاسعة في القراءة و التحليل الأدبي على الصعيدين الشرقي و الغربي،وكانا السبب في أنْ يواجه صادق العظم تهديدات المجموعات الآسلامية المتطرفة وتقوم بتكفيره، لقد درّس العظم في المجال الفلسفي كأحد الأكاديميين و اساتذة الجامعات في العديد من الجامعات العربية و الغربية ، لقد عمل في عام 2007 كباحث في قسم الشرق الأوسط بجامعة بريستون،وقد اجرت معه مجلة (كولان) الحوار الأتي حيث تحدث عن الأوضاع في سوريا و دور الكورد فيها و موقف اقليم كوردستان ازاءها الى جانب العديد من المواضيع و المسائل الأخرى:
كولان:(الربيع العربي) هل هو كذلك ربيع لازدهار حرية شعوب المنطقة, أم يمكن فهمه على أنه تحايل واحتواء لإرادة تلك الشعوب في الحرية؟ وبالتالي يمثل انتكاسة تاريخية كما يقول المتشككون؟
صادق جلال العظم : ثمة ملاحظة أريد سؤالك عنها, فأنت تتحدث عن( التحايل واحتواء إرادة الشعوب في الحرية) وترى أن هناك( انتكاسة تاريخية كما يقول المتشككون) من الذي يقول بذلك؟ ومن تقصد بالتشككين؟.
كولان : كمثل على ذلك سمير أمين الذي يقول الربيع العربي تحول إلى ربيع للحركات الإسلامية.
صادق جلال العظم: سأسلم بما تقوله عن سمير أمين, برغم من أنني لم أقرأ له شيئاً مؤخراً. لكني ألاحظ أن هناك خطأ معيناً عند بعض اليساريين حتى في أوربا وأمريكا, أعني خطأ يستند إلى افتراض أن نظاماً ما, مثل نظام بشار الأسد, لمجرد إعلانه أنه ضد الإمبريالية وضد الاستعمار وضد أمريكا فيترتب عليه ضرورة الدفاع عنه.
كولان : معذرة, هذا التشكيك أو الرأي لا يستند إلى مسألة تقييم الموقف من الامبريالية, بل هذه الآراء المتشككة تعتمد على هيمنة الإسلاميين, وعلى الخطاب الإسلامي السائد عند هذه الحركات، على تصدر الاسلاميين، وخطابهم الاعلامي ، واحتلالهم لواجهة الحدث السياسية, بهذا هم يعتمدون على جملة معطيات واقعية.
صادق جلال العظم : في ليبيا لم يحدث كذلك, فالانتخابات الحرة التي جرت مؤخراً في ليبيا كسرت شوكت مايبدو اجتياحاً للإسلاميين، القضية برأي أن هؤلاء إذا خسروا الانتخابات مستقبلاً هي هل سيسلمون السلطة أم لا، لهذا من المبكر الحكم. وبالمحصلة, الاسلاميون في مصر وتونس جاؤوا عبر صناديق الإنتخاب.
كولان : هنا السؤال يطرح نفسه هل تعتقد بأن الإسلاميين قادرون على تحديث السلطة في المجتمعات أو في الدول التي حدثت فيها الثورات, وأنتم تعلمون أن هذه الثورات في الأساس هي ردة فعل تاريخي ضد الاستبداد المتوارث يعني الاستبداد التقليدي في العالم العربي.
صادق جلال العظم : لاحظ معي، الدولة بطبيعتها مؤسسة حديثة لدينا, ولدى الدولة نزعة داخلية قوية تحديثية. وحين يستلم الإسلامويون السلطة في هذه الدول, أتوقع أن يلجأ هم إلى تحديث أنفسهم بالذات. حيث أن المسؤوليات والاستحقاقات التي تشترطها إدارة الدولة و تقتضيها تفرض ذاتها عملياً أكثر من مشروع أسلمة الدولة. فالمنطق يستوجب منهم أن يتحدّثوا مع الدولة وبالدولة و يتَعلْمَنوا معها.
كولان: إذن أنت تراهن على الدولة كـ بنية ولوغوس باطني؟
صادق جلال العظم: لا أعلم بالضبط مقاصدك. ولكني أعني هنا الحداثة بكلامي. فالحداثة دخلت بلادنا منذ أيام العثمانيين عن طريق الدولة، العنصر التحديثي كان يفد علينا على الدوام عبر ومن خلال مؤسسة الدولة.
كولان: هل الدولة القائمة، لنقل مثلاً الدولة السورية، باستثناء مصر حيث لها وضع تاريخي خاص، أو الدولة الليبية أو الدولة التونسية قادرة على إنجاز هذا الأمر؟ هل هناك لوغوس داخل هذه الدولة؟ عقل كامن فيها ؟
صادق جلال العظم: أعتقد أن فيها مجموعة مصادر داخلية تميل بها باتجاه التحديث ومحاولة اللحاق بالعالم المتقدم.
كولان: تقصدون أن الخطاب السياسي للإسلاميين لن يصمد أمام منطق الدولة ومنطق التاريخ.
صادق جلال العظم: الآن لاحظ بأنني لن أورط نفسي بتحليل الخطاب، ولكني أشير في هذا السياق إلى ظاهرة الرئيس المصري المنتخب حديثاً, أعني( محمد مرسي) ما الذي طرأ على موقفه بعد الانتخاب. فقد صعد بخطاب معين إذا قارنته بموقفه حين تسلم مهامه في الدولة وتحمّل مسؤولياته, تلاحظ تحولاً وفارقاً جوهرياً بين الخطاب السياسي والممارسات الواقعية, بخاصة بعد ماحدث في سيناء مؤخراً.
أول الأمر كان يعد بفتح معبر رفح و.و.و..الخ وكل هذه الأمور والشعارات، لكنه بدأ الآن, بعد الحدث المذكور, يتصرف بمنطق آخر غير منطق الشعارات الحماسية, هو منطق الدولة، بعد أن فقد الجيش المصري العشرات من جنوده بين قتيل وجريح, في عملية إرهابية.
دعني أقول لك إن المغزى الحقيقي لهذا الحدث التاريخ( الربيع العربي) هو بالنسبة لي عودة السياسة للناس وعودة الناس للسياسة بعد مرحلة طويلة من الاحتكار للسلطة والسياسة, ومصادرة العسكر والدكتاتورية للعمل السياسي في مجتمعاتنا ودولنا. ومن العبث إنكار هذا الواقع أو التحايل عليه.
ثمة مفارقة في خطاب البعض, فأنا أستغرب كيف يمكنهم اعتبار التخلص من طغيان صدام حسين والقذافي وآل الأسد ومن هم على شاكلة هؤلاء المستبدين, أقول كيف يمكنهم اعتباره انتكاسة تاريخية!!!؟ فإذا اتفقنا مع مزاعم هؤلاء واعتبرنا سقوط هؤلاء الطغاة انتكاسة تاريخية, معنى ذلك أنهم يمثلون التاريخ ويتفقون معه. معنى ذلك أن صدام حسين كان مع التاريخ وسقوطه أو غيابه مثّل انتكاسة للتاريخ.
كولان: برأيكم ألا يمكن للإسلاميين أن يقدموا نموذجاً للطغيان أسوأ من نموذج صدام أو القذافي أو حتى من بشار الأسد؟ ألا يحتمل التاريخ مثل هذا الأمر؟ هل ثمة مايمنع ذلك؟
صادق جلال العظم : بالطبع إذا تركت لهم الفرصة كلياً, سيكون هذا الكلام صحيحاً. ولكن الذي أراه في هذا الحراك هو عملية تخلّص من النظم الشمولية العسكرية المعززة بالتعصب القومي والديني.
كولان: هل هذا الحدث التاريخي الذي يتّسم بالشمولية نسبياً نابع بالفعل من عوامل ذاتية, أم ثمة عامل دولي عمل على تحريضه. بهدف جلب نظم إسلامية تقبل بالدور الأمريكي في المنطقة وتتوائم مع مصالحه؟ أنتم تعلمون أن مراكز الأبحاث الأوروبية والأمريكية سعت بعد أحداث أيلول إلى الترويج لنوع من( الإسلام البديل) عن الإسلام الراديكالي الجهادي وتشجيعه. ينسجم مع المصالح الأمريكية في المنطقة ويتوائم مع مصالح الرأس المال العالمي الجديد؟
صادق جلال العظم : عليك ملاحظة الفارق بين التشجيع والنشوء. التشجيع شيء والنشوء شيء آخر.مراكز الأبحاث تدرس الثورات وتقدم خلاصات عنها, قد يستفاد منها راهناً أو مستقبلاً, أو في هذا المكان أو ذاك. لكن تلك المراكز لا تستطيع أن تصنع الثورات. برأيي أننا نبخس قيمة ثوراتنا سواء في سوريا أو مصر أو في أي مكان إذا عزونا كل شيء إلى عوامل أو عناصر خارجية. ماهو أساسي في هذه الثورات هي العناصر الداخلية الفاعلة. أنت تعلم أنه في السنوات الخمس الأخيرة في سوريا كل لسان حال المواطن السوري العادي ينبئ على بساطته بما يحدث الآن حين كان يقول( إنها لاتحتاج سوى لعود ثقاب) أو ( إنها بحاجة لفرقعة كي تنفجر). هذا الكلام يعني أن السوريين كانوا يدركون بحدسهم العادي و يتنبأون بما سيحدث لاحقاً.
تماماً وكأن البلاد كانت أشبه ما تكون بـ برميل بارود أو سميها طنجرة بخار. يعني ذلك أن الناس كان يستشعرون الأمر بحسهم الداخلي الناس, ولم يكونوا يكترثون بما تخطط له مراكز الأبحاث الأوروبية أو الأمريكية أو تفكر به.
كولان: حسناً ألا تلاحظون معي, في ظلّ هذه المعطيات, أن الأمريكان والأوروبيين يساومون على قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلداننا ويتواطؤون مع الإسلاميين في هذا الاتجاه. إنهم يبدون منهمكين فقط بتبديل النظم البالية, والإتيان بنظم جديدة دون العناية بطبيعة النظم الجديدة ودرجة انسجامها مع قيم الحداثة والحريّات؟
صادق جلال العظم : أنت تعلم أن العلاقات بين الدول تحكمها المصالح, وليست القيم والمبادئ هي المحددة لها. لكن عليك إذا كنت تطمح إلى المساواة والحرية والديمقراطية أن تسعى بصورة حثيثة للاستفادة من الدعم الأوروبي أو الأمريكي بهذا الخصوص.
والواقع أن العناصر الدينية والأثنية والقومية كانت كلها مكبوتة في الداخل. في حين أن هناك من يعتقد أن النظم الإسلامية تجلب في هذه البلاد. والحال أن كلمة جلب ليست دقيقة, فمثل هذه الأمور التاريخية لاتجلب جلباً. إذا تشترط وجود بيئة وعناصر داخلية أولية ليست مصطنعة يمكن الاستناد إليها في تأسيس نظم أيديولوجية من طبيعة ما, ويمكن الاستفادة منها بهذا القدر أو ذاك.
كولان: ألا ترون معي أن أزمة هذه المجتمعات العربية وردة فعلها التاريخي ناشئة عن أزمة تحديث السلطة والدولة؟ وهل الإسلام الجديد قادر على إنجاز هذا العمل؟
صادق جلال العظم : كما ذكرت لك إن مؤسسة الدولة هي مؤسسة حديثة أصلاً, والسلطة عموماً لديها ميل إلى التحديث, وخاصة في منظومة القوانين والشرائع, التي هي كلها مكتسبة من الحداثة. وبخاصة التشريع المبني على مؤسسة البرلمان وعلى إرادة الشعوب والأفراد. ..الخ وفي اعتقادي أن الأزمة هي ليست بطبيعتها أزمة تحديث الدولة والسلطة. إنها في حقيقة الأمر أزمة مجتمعاتنا مع الحداثة, أو أزمة تحديث المجتمع إجمالاً. فإلى أيّ حد تتقبل مجتمعاتنا الحداثة وقيمها, وفي أوقات كثيرة فرضت مؤسسة الدولة الحداثة والتحديث بصورة فوقية دون رضى بعض الفئات الشعبية.
كولان : تلمحون هنا إلى النموذج الأتاتوركي ؟
صادق جلال العظم : نعم إلى حدّ ما. ليس هذا النموذج فحسب أوربا التي مرّت بالمرحلة الليبرالية كانت تسلطية, المرحلة اليبرالية كانت تسلطية, الديمقراطية جاءت بعد كفاح شعبي طويل. وقيم المواطنة وحقوقها ومبادئ الحريات الأساسية لاتخصّ طبقة معينة, إنما تشمل كل المجتمع بجميع طبقاته.
كولان: ترى هل الاسلام الجديد وخطابه السياسي قادران على استيعاب هذا الموقف وانجاز هذا العمل , سواء تعلق الأمر بالإخوان المسلمين منهم, أم بالنموذج الأردوغاني, أم نموذج حركة النهضة بتونس؟
صادق جلال العظم : برأيي أن النموذج الأردوغاني والنماذج التي على شاكلته, لايدفع بالحداثة بشكل إرادي مقصود, إنما هو يدير نموذجاً معيّناً من حداثة الدولة والمجتمع. وفي أحيان كثيرة تصطنع أمامهما . باعتقادي أن أردوغان لديه إرادة النجاح الإقتصادي, وبطبيعة الحال هذا النجاح يشترط النجاح في تحديث نظم الإدارة والإنتاج وعلاقاتها.
كولان : ماذا لو أتى الإسلاميون إلى سدّة الحكم في سوريا, هل الإخوان المسلمون مؤهلون لمواجهة تحّدي الحداثة؟ هل هم قادرون على تجاوز أزمة المجتمع السوري؟
صادق جلال العظم : لا, باعتقادي أنهم عاجزين عن تحقيق ذلك, لكن المسار التاريخ كما نلاحظ يشير إلى أنه سيلعبون دوراً ما. دعهم يجربون حظوظهم التاريخية الآن ويحققوا طموحهم. وباعتقادي أن الإخوان في مصر يسلكون مسلك الإسلاميين في تركيا على صعيد النهضة الإقتصادية, وهم يراقبون مايجري في تركيا باهتمام. درجة نجاح هؤلاء من عدمه مسألة أخرى, وكما نلاحظ فأن مشاكل مصر عميقة للغاية, لدرجة يتعذر عليّ التصور بأنهم يملكون حلولاً جذرية.
كولان:كيف تنظرون إلى الدور الجديد للإسلام السياسي المسمى( بالمعتدل) وفق النموذج التركي أو التونسي؟ ماطبيعة هذا الإسلام وجوهره السياسي؟ كيف تنظرون إلى طروحاته؟
صادق جلال العظم : لا نستطيع الآن الحكم على النموذج التونسي, فلم نختبر كفاية بعد, ولايزال مبكراً الحكم بشأنه. وأنت حينما تقرأ خطاب حزب النهضة أو الإخوان التونسيين تعتقد للوهلة الأولى أنك تقرأ لمونتسكيو أو ديدروت. وأنا لا أعول على مسألة الخطاب كثيراً, إن ما يهمني هي الأعمال والوقائع الفعلية على الأرض لهذا لن نتسرع في الحكم الآن. أما النموذج المصري فيلاحظ لديهم هذا الطموح الشديد للنهضة الإقتصادية, التي من خلالها أتوقع منهم عملاً تحديثياً.
كولان:هل ثمة تهديد جاد من جانب الاسلاميين في سوريا لمستقبل سوريا السياسي وثقافتها المدنية الآن.
صادق جلال العظم : بداية أنا لا أتفق معك في القول بأن الثقافة السورية هي كلها مدنية. وبرأيي هي مثل غيرها ثقافة خليطة تجتمع فيها المدني مع العشائري مع الريفي والبدوي. كل تلك العناصر موجودة في الثقافة السورية. هناك تحقيب اجتماعي تقوم عليه الثقافة السورية, ثمة طبقة مدنية متراكمة على غيرها وهكذا...ونحن وظيفتنا تكمن في تعزيز ماهو مدني وحديث, والآن الإسلاميون يسعون نحو تعزيز الثقافة الأهلية لا المدنية. وأعني ماهو مذهبي وطائفي وديني ,و,و,... الخ في الثقافة السورية والاعتماد عليها. إنهم في هذا السياق يستنفرون العناصر ماقبل المدنية في الثقافة, وهذه تشكل تهديداً خطيراً للعناصر المدنية في الثقافة السورية وحتى المصرية.
كولان:هل الإسلاميون في سوريا قادرون على حلّ مسألة التعددية القومية؟ كيف تنظرون إلى مستقبل القضية الكوردية في سوريا؟
صادق جلال العظم : باعتقادي أن العقدة لدى الإسلاميين لاتكمن في التعددية القومية, العقد هي في تعدد الأديان والمذاهب والطوائف في المجتمع السوري. إذ طالما أن الكوردي هو مسلم سنّي فلا ضير في ذلك.لكن الكوردي إذا كان مسيحياً أو شيعياً أو غير مسلم سني, هنا ستكون المشكلة وعقدة الموضوع عند الإسلاميين. بتعبير آخر كونه مجرد كوردي ليس هو الأمر الحاسم في الحكم لديهم, طالما وأنه مسلم سني, وخلاف ذلك هو بيت القصيد. الانتماء القومي يثير حفيظة القوميين الشوفينيين فقط.
كولان: بخلاف هذا التصور الإسلاميون السنة في العراق كانوا غير قادرين على الاعتراف والقبول بالحالة الكوردية بعد سقوط صدام حسين برغم من أنهم بمعظمهم كانوا مسلمين سنة مثلهم؟
صادق جلال العظم : أنا ذكرت بوجه عام أن العقدة عند الإسلاميين سواء أكانوا سنة أم شيعة ليست هي المسألة القومية أو الانتماء القومي الأثني بمقدار ماهي مسألة انتماء ديني ومذهبي. وهذه هي خلاصة رؤيتهم.
كولان : كيف تنظرون إلى مستقبل القضية الكردية في سوريا؟
صادق جلال العظم : ما ألاحظه الآن أن سوريا مابعد بشار تتجه بمنحى معين, هو إقليم ذو استقلال ذاتي على مستوى عال بالنسبة للمناطق الكوردية, أي أشبه ماغيكون بالنموذج الكوردي في العراق وهذا محتمل.
كولان : تعني فيدرالية أو نوع من اللامركزية؟
صادق جلال العظم : نعم, دون أن يعلن ذلك صراحة. فالواقع هو الذي سيفرض نموذجه على الجميع. وبعدها ربما يجدوا لها فتوى سياسية ودستورية لنموذج فيدرالي أو كونفيدرالي, لا أعلم تجديداً أيهما يكون.
كولان : هل تؤيد هذا الطرح؟
صادق جلال العظم : هذا ما أعتقده وأرجحه وسيتكون له الغلبة. ومن المؤكد أني لن أقف ضده, فأنا في أعماقي مؤيد له, ولمَ لا, نحن نريد أن نتخلص من استبداد الدولة المركزية الأمنية. وهذه هي قناعتي عن التوجه التاريخي لمرحلة مابعد الأسد, أي مابعد المرحلة القومجية..
كولان: ألا ترون معي أن عسكرة الثورة السورية أدخلت الثورة في منزلق خطير, هو منزلق الحرب الأهلية؟ ألم يخدم ذلك النظام أكثر من غيره ومنحه كل الذرائع لممارسة القتل والتدمير؟ ألم يكن البديل الآخر( الانتفاضة السلمية الشاملة) أكثر ضمانة للتحول الديمقراطي في سوريا؟
صادق جلال العظم: دعني أشرح لك قناعتي بأن الحرب الأهلية الشاملة والمعممة على الطريقة اللبنانية غير محتملة في سوريا, سوريا ليست مرشحة وفقاً لهذه الطريقة. ولعل السبب يكمن في أن مكونات المجتمع السورية سواء أكانوا مسيحيين أم اسماعيليين أم دروز علاوة على أن الأكثرية السنية العربية غير مستعدة لمثل هذا الاحتمال. فحتى لو أنهم تسلحوا الآن فأنه لحماية الذات وليس للهجوم والانتقام. أحياناً نسمع كلاماً من قبيل أن الأكثرية السنية تنتظر لحظة ما لتفتك أو تبطش بالأقلية , وهذا الكلام محض هذيان, هو مجرد رهاب وحتى إرهاب فكري ولاعقلاني. وهي ثانياً تكون حرب مذهبية على غرار النموذج اللبناني حينما تكون حرب معممة على أساس صراع سني علوي, لا سياسي. وهذا غير وارد في سوريا.
بالنسبة لعسكرة الثورة أقول الشعوب غير قادرة في مطلق الأحوال أو دائماً على اسقاط طاغية دموي بطاقاتها الذاتية والسلمية أو عبر الاحتجاج السلمي فقط, وأكبر برهان على ذلك نظام صدام حسين الذي لم يسقط بيد العراقيين رغم تضحياتهم الهائلة وكفاحهم الطويل. عندنا في سوريا الشعب السوري استطاع على الأقل بقدراته الذاتية إضعاف النظام إلى حدّ كبير كما هو ملاحظ. في العراق تعذر على العراقيين حتى تحطيم تمثاله الشهير وسط بغداد لولا مساعدة الدبابات الأمريكية كما شاهدناها. السوريون كنسوا شوارعهم جميعاً من تماثيل وصور بشار وأبيه.
مثال آخر نظام (بول بوت) في كمبوديا, استحال على الشعب الكمبودي بمفرده حتى دخل الجيش الفيتنامي وأزاحه عن الحكم. في أفريقيا وتحديداً في أوغندا نتذكر نظام( عيدي أمين) القاتل والدموي, الذي استباح حياة شعبه حتى أطاح به الجيش التنزاني. وأخيراً نظام( غباغبو) في ساحل العاج الذي ظلّ متمترساً في القصر برغم من الانتخابات ووجود الرئيس الجديد المنتخب حتى دخل الجيش الفرنسي وخلعوه عنوة عن الحكم كي يتمكن الرئيس المنتخب من ممارسة مهامه. لهذا أعتبر أن العسكرة التي حصلت في الثورة السورية كانت نتيجة مترتبة على عجز السوريين على الإطاحة سلمياً بنظام بشار الأسد.
كولان:كيف تقيمون موقف حكومة إقليم كوردستان من الحدث السوري؟ وبصورة خاصة موقف الرئيس البارزاني؟ الذي يبدو مختلفاً كلياً عن حكومة بغداد وسياستها التي يقودها المالكي؟
صادق جلال العظم- بداية أحيي الموقف الكوردي الشجاع, موقف إقليم كوردستان, في الوقوف بوجه جيش المالكي الذي أرسله إلى حدود الإقليم مع سوريا. مواقف المالكي تعبر في الواقع عن انحطاط سياسي وإنساني وقيمي, كيف له أن يعلن بهذه الصفاقة عن رفضه للتدخل في سوريا, هل نسي كي جاء إلى الحكم ببغداد وكيف كان؟ هل أسقط النظام بقواه الذاتية؟
السياسة التي انتهجتها قيادة إقليم كوردستان أحييها ثانية وأقدّرها, لأنها أعانت الثورة السورية في مواقف كثيرة وبأساليب عديدة, سواء بالنسبة للسوريين الذين لجأوا إلى الإقليم ووجدوا فيها ملاذاً آمناً لهم, أو عن طريق الوقوف في وجه سياسات المالكي التي لانظير لها, ولا تختلف سياسات وزير خارجيته الزيباري عنه كثيراً. الذي يحلو له لا كثيراً الحديث عن الأزمة الثورية دون أن يشير أو يعترف صراحة بوجود ثورة وشعب ثائر, إذ يصعب عليه هذا الإقرار.
أنا أعرف التصريحات العديدة لرئيس الإقليم المؤيد لثورة الشعب السوري, وأقدّر سياسة أقلم كردستان العراق، كسوري أنا أرفع التحية عالياً لسياسة الإقليم المؤيدة صراحة وضمناً للشعب السوري.
كولان: شكراً جزيلاً أستاذنا العزيز على هذا الحوار وعلى هذه المواقف الواضحة والصريحة جداً