• Thursday, 05 December 2024
logo

الكاتب والأديب المصرى جمال الغيطانى ل"كولان " : مصر فى لحظة تاريخية فارقة...و"الإخوان المسلمون" يحكمون وطنا لايعترفون بتاريخه أو حدوده أو خصوصيته

الكاتب والأديب المصرى جمال الغيطانى ل
أجرت الحوار: أسماء الحسينى
جمال الغيطانى أديب وكاتب مصرى صاحب مشروع روائي فريد ،استلهم فيه التراث المصري العربي ،ليخلق عالما روائيا عجيبا ،وقد ساهم في احياء الكثير من النصوص العربية المنسية واعادة اكتشاف الادب العربي القديم بنظرة معاصرة جادة
ولد الغيطانى فى صعيد مصر وعاش طفولته وشبابه بأحياء القاهرة القديمة ،وعمل مراسلا حربيا وصحفيا بصحيفة أخبار اليوم ،ثم أنشأ صحيفة أخبار الأدب ورأس تحريرها ،وحصل على العديد من الجوائز فى مصر والعالم ،وترجمت العديد من أعماله ،
ومن أبرز مؤلفاته الزينى بركات وأوراق شاب عاش منذ ألف عام وحراس البوابة الشرقية ومتون الأهرام ومنتهى الطلب إلى تراث العرب وسفر الأسفار والتجليات وشطح المدينة وحكايات المؤسسة ووقائع حارة الزعفرانى واسفار المشتاق .
وفى لقائه مع "كولان " أكد الغيطاني أنه غير راض عن التعديلات والتغييرات الصحفية الجديدة لرؤساء الصحف فى مصر واعتبرها انتهاكًا لحرية الصحافة في مصر، وقال إن مصر تشهد الآن رغبة جماعة محدودة في ابتلاع مجتمع متنوع ومتعدد الأطياف فى إشارة إلى جماعة "الإخوان المسلمين "، مضيفا أن مصر الآن تمر بلحظة تاريخية فارقة ،وأن "الإخوان المسلمون" يحكمون وطنا لايعترفون بحدوده أو خصوصيته ،مؤكدا أن حرية الفكر والتعبير أصبحت مهددة فى مصر ،وأنه ليس أمام المبدعين سوى الهجرة أو المواجهة .
-لماذا تبدى كل هذه المخاوف من وصول الإخوان إلى رأس السلطة فى مصر ... ؟
=إننا فى لحظة دقيقة و فارقة، تحتاج إلي أقصي قدر من المصارحة الموجعة، فمصر فى خطر بوصول جماعة الإخوان التي لا يؤمن قادتها بفكرة الوطن إلي ذروة السلطة في بلد لا يعترفون بتاريخه، أو حدوده، أو خصوصيته، أي إنهم يحكمون الآن وطناً لا يعترفون به، إننا أمام لحظة فارقة في مسار وطن نودعه فيها إلي حين، وأؤكد إلي حين، فسرعان ما سيكتشف المصريون الكارثة التي اختارها بعضهم في أول انتخابات تجري في تاريخنا الحديث لانتخاب رئيس.
-لكن هذه هى الديمقراطية وإختيار الشعب ؟
= قام المصريون بثورة عظيمة في مسار الإنسانية، وكنا ننتظر تطور الأوضاع إلي الأفضل، غير أن الأحداث جرت بما لا تشتهي السفن ، وكان من نتائج الثورة الأساسية وصول أول رئيس من جماعة الإخوان التي تؤسس لمشروع دولة دينية،بما يعنى فشل مشروع الدولة الحديثة التي أسسها محمد علي واستمرت بدرجات متفاوتة من الصعود إلي الهبوط ولكن جوهرها استمر وتضمنته الدساتير المصرية بدءاً من دستور 1923 الذي جاء معبراً عن ثورة 1919، وأحدث التغير العميق في روح المصريين هو الأثر بعيد المدي الذي أسس لنهضة مصر الروحية التي تجسدت في جميع مجالات الإبداع، ثم كانت ثورة يناير انفجاراً هائلاً للشعب المصري التقي مع مجهود مجموعة من الشباب قادوا عملاً منظماً استثمر وسائط الاتصال الحديثة، وتوحد المصريون، كل في واحد، خلال الأيام ما بين الخامس والعشرين من يناير وحتي الحادي عشر من فبراير ثم انفرط عقدهم فتقدم لصوص الثورات كما يحدث في التاريخ، الأكثر تنظيماً، الأكثر دهاء، وهم الاخوان المسلمون الذين يحملون مشروعاً متكاملاً منذ ثمانية عقود لتغيير الدولة المصرية، وهوية المصريين، الرئيس الذي انتخبه بعض المصريين وأعلن فوزه لم يأت بالانتخاب لكي يغادر بانتخابات أخري، لقد جاء كقناع، لآخرين، هؤلاء لديهم مشروع للبقاء، لتأسيس دولة أخري، إذن نحن نقف علي حدود المجهول، لكن المؤكد أن مصر التي عرفتها الإنسانية مهددة بالزوال علي يدي قوة غزو داخلية، ويعلمنا التاريخ أن أبشع أنواع الغزو ما جاء من الداخل.
-ماذا تعنى بذلك ؟

=لم ينتخب الرئيس المنتمي إلي الإخوان بالديمقراطية لكي يذهب بها، هذا ما تثبته تجربة حماس في غزة، وحماس مجرد فرع للاخوان، ولكن أحياناً يكون للفرع تأثير علي الأصل خاصة إذا مارس خبرة لم يعرفها المنبع، الاخوان لم يمارسوا السلطة إلا من خلال سيطرتهم علي البرلمان ومجلس الشوري، ، إنهم طلاب سلطة، يريدون السيطرة علي الدولة المصرية أقدم دولة في العالم، كان من السهل خلع أي ملك أو رئيس، مبارك تولت القوات المسلحة أمره ولم يستطع المقاومة، لكن الرئيس المنتمي إلي الإخوان لم يكف طوال الحملة عن ترديد "احنا بتوع ربنا"، كيف سيمكن اقصاء من لديه التفويض الإلهي؟ سيكون الثمن فادحاً، خلال الشهور الماضية شهدنا في البرلمان والشوري هموما شكلية تخص الاخوان، ولا تعني بالشعب،لم تناقش مشاكل الاقتصاد أو البطالة أو القضايا الحيوية التي تمس الأمن القومي للوطن مثل مياه النيل، والحدود الغربيةوالجنوبية، أداء شكلي باهت، ومظاهر لا تمت إلي الدين الصحيح، مثل رفع الأذان فى البرلمان ، غير أن الأمور التي يمكن أن تتسم بالجدية والتي طرحت، تتصل كلها بالسيطرة علي الدولة، مثل قانون توحيد المحاكم الذي يؤدي عملياً إلي إلغاء المحاكم الدستورية، والإدارية، ومجلس الدولة، إن تنوع القضاء المصري مكنه من الوقوف ضد الدكتاتورية في أوقات ومواقف مختلفة، أيضاً محاولة إلغاء الأزهر كمرجعية دينية أساسية لكي تحل مرجعية المرشد مكان الشيخ الجليل الذي يجلس علي قمة أقدم جامعة في العالم، وأحذر منذ الآن أن أحد أهداف الرئيس الاخواني الاستيلاء علي الأزهر، سوف يكون ذلك في إطار سياسة مضادة للثقافة بشكل عام، قوامها فكري، فالاخوان يعتبرون الحضارة المصرية القديمة وثنية ويتخذون منها موقفاً عدائياً، ومن الممكن أن تنظم حملات لتدميرها أو هدمها حتي ان لم يجر ذلك في نسق عام فربما يقوم بعض المتعصبين الأشد موقفاً والذين يمكن أن ينشقوا عن الاخوان بذلك، هذا ما نراه في اليمن والصومال، بعد إضعاف الدولة المصرية واستباحتها يمكن أن يجري كل شيء، وأن يقع أي محظور يمكن القول الآن باستحالته، سوف تزداد الرقابة علي الأعمال الفنية والثقافية، سواء كانت محلية أو أجنبية، ولذلك من المتوقع أن تفقد مصر آخر ما تبقي لها من قواها الناعمة،تلك القوي التي وفرت لها الريادة بدون اقتصاد قومي، أو قوة مسلحة جبارة، الدور الثقافي لا يتوافر إلا عبر تراكم طويل، وهذا الدور بدأ منذ آلاف السنين، مصر أهدت الإنسانية منذ فجر التاريخ أعظم اكتشافين، وجود الخالق سبحانه وتعالي عندما آمن المصريون أن هذا الوجود لم يأت صدفة، وأن ثمة من يدبر الأمر، جاء ذلك عبر تأمل طويل لا نعرف كم استغرق بالضبط، شروق الشمس وغروبها، مواقع النجوم، جريان النهر في مسار مرسوم وفيضانه في وقت معلوم، أما الثاني فهو الكتابة، مصر هي التي اخترعت الأبجدية قبل سومر وبابل في العراق القديم، هذا ما أثبتته الكشوف العلمية التي أجريت وتم التوصل إليها في السنوات الأخيرة، آثار مصر التي تشكل ثلثي ما وصل إلي الانسانية في العصر الحالي لا نعرف مصيرها مع دولة أخري تعتبر التماثيل محرمة والتصوير ضد العقيدة.
-إذن تخشى على حرية الفكر والإبداع والتعبير ؟
=نعم في ظل هذه الدولة الدينية لن تكون هناك حرية للإبداع، لا الأدبي ولا الفني، سيتم تحديد شروط مسبقة، وسيكون أمام المبدعين طريقان لا ثالث لهما، إما الهجرة إلي أرض الله الواسعة، أو البقاء وتحمل ما سيلاقونه، وبالنسبة لي فلم يتبق من العمر إلا ثمالة، وعندما كنت في ذروة الشباب تعرضت مع صحبي لظروف صعبة، تحملنا المعتقل والتعذيب والفصل من العمل، وكانت العروض تصلنا، مغرية، جاذبة، استجاب البعض وبقي آخرون في السفينة، وكنت من هؤلاء، ويعز عليّ الآن رؤية الوطن الذي عشنا فيه وأحببنا ثراه، ومشينا بحرص علي ترابه لأن هذه الذرات ليست إلا ما تبقي من أجدادنا وآبائنا، ولسوف نصير إلي ما صاروا إليه، هذا الوطن يتغير ويتبدل، وتتهدم مؤسساته التي شيدت عبر آلاف السنين بأيدي أبنائه الذين أتوا بأناس لا يؤمنون بوجود الأوطان، حقاًّ، إننا جيل تعس الحظ، فلا يكفي ما عرفناه من صعاب، بل يشاء حظنا العاثر أن نري نهايات الأشياء التي شكلت مجد هذا البلد.
-البعض قد يرى فى هذه الصورة القاتمة التى تطرحها نوعا من المبالغة ،وقد يقولون لك إن "الإخوان المسلمين " ليس بهذا السوء وأنهم فصيل إسلامى معتدل ؟
= لا أبالغ عندما أقول وداعاً لمصر التي عرفناها ونحن نتوجه إلي المجهول مع رئيس مرؤوس، هذا جديد في حكم مصر، كان الحاكم في مصر ذروة الهرم، لأول مرة نحكم برئيس له رئيسان، الأول حقيقي، بيده القوة المادية، والآخر روحي له الولاية والتوجيه فكيف يستقيم الحال، هذا مستحدث في مصر، ومن سمات الدولة البديلة التي تتقنع بالدين، والتي ستشهد من المفاسد ما يتضاءل إلي جانبه أشنع ما عرفناه، ولنا في واقعة الشيخ السلفي والفتاة الفقيرة مثالاً ،بل وينتظر الأقباط وضعاً صعباً، ، أقول هذا لأن عملية هجرة واسعة تجري الآن من الأقباط، وبالتحديد إلي الولايات المتحدة وكندا، ،وما أرفضه أن يتحول مواطنون مصريون إلي الدرجة الثانية في ظل الدولة الدينية، لقد كانت الدولة الحديثة التي نودعها الآن تقوم علي المساواة حتي في أحط ظروفها.
-لماذا تتهم الإخوان باستهداف الجيش والأجهزة الأمنية فى مصر؟وما مصلحتهما ؟
=من يتتبع جهود الإخوان في الشهور الماضية سيجد أنها كانت متجهة إلي مؤسستين رئيسيتين من مكونات الدولة، الداخلية ولهم معها ثأر، فهي الجهة المختصة بهم منذ تأسيس حسن البنا للجماعة عام 1928، وقد تم تدمير أمن الدولة في ظروف غامضة، وهذا عمل خطير من سلبيات الأحداث ندفع ثمنه الآن ولا يعرف أحد علي وجه الدقة من قام به، الجهاز المنحرف يمكن تقويمه،لكن تدميره يدخل في مفهوم الانتحار، الاخوان يسعون إلي الداخلية، وأجد متابعة وملاحظة قرارات المرشد وخيرت الشاطر عبر الرئيس الجديد، أما المؤسسة الرئيسية في سعي الاخوان لتبديل هوية الدولة فهو الجيش، والأمل الحقيقي في الحفاظ علي الدولة المصرية التي أسسها محمد علي، أعني ما تبقي منها هو الجيش، الجيش المصري هو الجيش العربي الوحيد الذي مازال متماسكاً قوياً، فهل يسعي الاخوان لمحاولة تقويضه من الداخل.
- أليس من العدل والمنطق إعطاء الفرصة للرئيس الجديد المنتخب قبل إصدار الأحكام عليه ؟
=متابعة خطوات الاخوان في محاولاتهم السريعة لالتهام مؤسسات الدولة والسيطرة علي مفاصلها، وكذلك حركة وأقوال الرئيس الجديد عندما كان مرشحاً، تجعل الأيام القادمة بادية الإشارات، واضحة العبارات، لذلك آثرت الصدق مع النفس ، فعندما تتهدد الأوطان يكون الالتزام باللياقة نوعاً من الخيانة خاصة عندما نري بأعيننا الوطن الذي نعرفه ماضياً إلي غروب مبين.
-لماذا وصفت اليوم الذى أعلن فيه مجلس الشورى أسماء رؤساء التحرير الصحف القومية بأنه يوم أسود وبأنه مذبحة للصخافة المصرية ؟
=هذا يوم اسود في تاريخ الحرية عامة والصحافة المصرية خاصة، حيث يتحقق اليوم انقضاض سلطة الاخوان وتبدأ القمع المنظم والذي سيطال الجميع بلا استثناء، ستعلن اللجنة اسماء رؤساء التحرير الموالين للاحتلال الاخواني بعد اقصاء ألمع من تولوا رئاسة التحرير في مصر بعد ثورة يناير المغدورة من قوي عديدة ادت الي تسليم اقدم وطن في تاريخ الانسانية الي اشد القوي تخلفاً وعداء للانسانية والحرية.، للاجراء جانبه المهني، وخطواته اللا معقولة، فقد هيمن من لا شأن له بالصحافة علي مقدرات الأمور وتم اقصاء انجح رؤساء للتحرير بعد ان منحتهم اللجنة ارقاماً مزيفة مزورة مثل المدرسين الذين يتعاملون مع التلاميذ المتفوقين فيتعمدون اسقاطهم لان اسرهم لها توجيهات اسرية مغايرة سياسياً بدلا من المباحث العامة لجنة المعايير،
بل اقول ان المباحث بكل تراثها كانت ارحم. فقد كانت الامور تتم في إطار دولة يمكن التعامل معها، لكننا الآن نواجه بما يتساوي مع قوات الاحتلال، ما يجري الآن يفوق ما قرأنا عنه من تصرفات الهكسوس والعثمانيين والفرنسيين والانجليز، عار علي الصحفيين أن يقبلوا إقصاء رؤساء الصحف الأكفاء الذين تولوا المسئولية بعد الثورة وبذلوا الجهد لتكون الصحف منابر حقيقية للحرية.إن هذه الخطوة ستفتح العصر الاسود لقهر الحريات في مصر، المسألة لا تخص الصحافة كمهنة ولكن العصف بالحريات بدأ وسوف يتبع اقصاء رؤساء التحرير عمليات قمع متوالية من لجنة المعايير، ومن وزارة الاوقاف التي سيتولاها وزير متطرف، والتعليم التي ستتوجه لتغيير عقول اطفالنا، انني اعجب لمن يحتسب الاخوان من قوي الثورة، خاصة هؤلاء الشباب المنتسبين الي الثورة اسماً.
- ولماذا لم يقاوم الصحفيون فى رايك هذه الإجراءات ؟
=إن رد الفعل الطبيعي ازاء ما يجري كان هو الاضراب العام من الصحفيين، وأن تخرج مصر بلا صحف، ولكن هل يمكن ذلك في ظل واقع فيه ضعاف النفوس والذين قدموا مصالحهم الضيقة علي مباديء الحرية واصول المهنة، في اضعف الإيمان. ,علي الاحرار من مجلس النقابة الدعوة الي عقد جمعية عمومية طارئة، ليس من أجل خروج عدد من أنجح رؤساء التحرير، ولكن من أجل مهنة تغتال جهاراً في مشهد اشبه باللا معقول، لابد من إعداد قائمة سوداء لكل من أسهم بقدر في اكتمال هذه الخطوة التي يبدأ بها عصر من القهر وتكميم الافواه. والمشهد كله فيه قدر كبير من العبثية وسوء النية، فانتخابات الرئاسة جرت تحت ضغط الحشد الاخواني في التحرير وتهديدات باشعال الحريق في البلد، المجلس النيابي تم إيقافه بالفعل، والشوري المطعون فيه، ناقص التكوين والاهلية، بوصفه هذا يسارع الي تكميم الصحافة، ان الوطن ينهار امام أعيننا، ومعرفتي بتاريخ مصر تجعلني علي يقين أن التحرر آت لا ريب فيه، لكن الثمن سيكون فادحاً، ولسوف تجري انهار من الدم المصري الغالي كما قال شاعرنا الكبير عبدالرحمن الابنودي، ودماء الصحفيين التي تراق اليوم من مجلس الشوري مجرد بداية.
- لكن هناك فى المقابل شكاوى من الرئيس المنتخب ومن جماعة الإخوان المسلمين وحزبها من أن كثير من الإعلاميين ووسائل الإعلام فى مصر تتعمد إهانة الرئيس وإفشال مشروعه ؟
=البلاغات التى تقدم بها الدكتور محمد مرسي ضد بعض الاعلاميين فريدة وغريبة، في حدود ما قرأت لم تقابلني مثل هذه الحالة، أن يقوم حاكم مصري بتقديم بلاغ ضد بعض المصريين الذين قدر انهم تطاولوا عليه، أنني ضد التجريح الشخصي والسب، وفي رأيي أن من يقدم ذلك يقلل من شأن نفسه ويخفض من قيمته، ولكن عندما يقاضي رئيس مصر بعض مواطنين لانهم انتقدوه أو هاجموه فإنه يقلل من هيبة الرئاسة، ذلك ان أي شخص يرتقي الي مكانة من يحكم مصر يصبح له وجود متجاوز لشخصه فلا ينطبق عليه ما ينطبق علي الشخص العادي الذي ليس لديه السلطات الواسعة التي يملكها الحاكم، الي جانب ذلك الميراث التاريخي الهائل للحاكم المصري، هذا الميراث من المكانة والمهابة لا تكرسه الطقوس فقط او محاولة الفرض بالقوة، انما العمل الحقيقي من خلال ممارسة السلطة، وهذا العمل لا يتحقق بالظهور اليومي في الاستقبالات واصدار المراسم واستقبال الزوار الاجانب والقيام بالرحلات الرئاسية، إنما بخدمة الشعب وتوفير ظروف الحياة الانسانية للمجموع ونظافة اليد والحكمة وممارسة الحكم بالفعل وليس كقناع لآخرين او غطاء لشخصيات أقوي، ولننظر الي الواقع الآن، من الاكثر مهابة وحضورا المرشد أم خيرت الشاطر الرهيب في صمته واسفاره والذي توحي كل نظرة منه بأنه الحاكم الفعلي رغم انه لا يتحدث كثيرا ولا يصرح، من الاقوي حضورا؟ ان الدكتور مرسي رجل طيب بلا شك، ولكن عليه ان يستوعب رئاسته لمصر، لا أن يلجأ الي القضاء كأي مواطن عادي ليس بوسعه شيء، عليه ان يقرأ تاريخ مصر والمؤلفات التي تعين علي فهم الشخصية المصرية ، عليه ان يدرك ان الشعب المصري تربطه علاقة خاصة بمن يحكمه واذا لم يجد منه ما يأمله فسلاحه النكتة والسخرية الحادة والتاريخ يفيض بالتفاصيل ولو أنه رأي قطع الفخار التي كان يرسم عليها العمال ليلا الملكة حتشبسوت وهي من هي مع عشيقها سنموت، هذه القطع محفوظه ومعروفه بالاوسترايكا سيدهش ويفزع، لم يتحمل الدكتور مرسي ثلاثين يوما الشعب وهاهو يلجأ الي القضاء، فماذا سيكون عليه الحال بعد ثلاثين شهرا، أو لا قدر الله بعد ثلاثين سنة.
Top