الشاعر المصرى أحمد عبد المعطى حجازى لكولان:لابد أن نسلم بحق الأكراد فى تقرير مصيرهم ..مع إعطاء فرصة لتحقيق مطالبهم المشروعة فى إطار العراق الموحد
June 19, 2012
مقابلات خاصة
-المصريون يختارون بين مرشحين ينتميان للنظام القديم
-الإخوان المسلمون يريدون إعادتنا لعصور الظلام ..وشفيق يفخر بإنتمائه لمبارك ويعدنا بالإخلاص للثورة
-القوى الثورية تمارس السياسة بطريقة الهواة ..والإسلاميون يخسرون أكثر مما يكسبون
-الإسلام السياسى يرى الإنتماء الوطنى كفرا والديمقراطية وثنية وحقوق الإنسان زندقة
تاريخنا يتعرض للتزييف والتحقير ..ونعانى شعورا ساحقا بالهزيمة والتبرؤ من الذات
أجرت الحوار
أسماء الحسينى
أحمد عبد المعطي حجازي شاعر وناقد وكاتب مصرى كبير، وأحد رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر. ترجمت قصائده إلى لغات العالم ،وحصل على جائزة كفافيس اليونانية المصرية وجائزة الشعر الأفريقى، وجائزة الدولة التقديرية في مصر.ورفض حجازى قبول تكريم أو دعوات الرئيس العراقى السابق صدام حسين و الرئيس الليبى السابق معمر القذافى وغيرهما من الحكام العرب المستبدين .
ومن اشهر دواوين أحمد عبد المعطي حجازي الشعرية "مدينة بلا قلب "و"لم يبق إلا الاعتراف"و"مرثية العمر الجميل" و"أشجار الاسمنت " .ومن أشهر مؤلفاته "محمد وهؤلاء"و" الشعر رفيقى "و"مدن الآخرين "و "أحفاد شوقى و"خليل مطران " .
وقد انحاز حجازى لثورة يناير فى مصر ،ويخوض معركة شرسة ضد الاسلاميين الذين يرى أنهم سيعيدون مصر قرونا إلى الوراء ،وأيضا ضد العسكر الذين يرى أنهم سبب تأخر مصر منذ حكمهم بعد ثورة يوليو ،ويرى أن العقود الستة الأخيرة شهدت تحالفا بين الطرفين لم يكن فى مصلحة مصر .
وفى الحوار التالى ل"كولان " يؤكد حجازى أن ثورة يناير أعادت الروح للمصريين ،وأن شعاراتها وأهدافها لابد أن تتحقق ،لأن الحرية لا تتحقق بسقوط الطاغية وهدم دولته ومطاردة أعوانه فحسب, وإنما تتحقق بأن نطهر نفوسنا وأفئدتنا من ثقافة الطغيان, ونعوض ما فقدناه في الماضي القريب والبعيد من ثقافة الحرية.
-أصبح الآن هناك اضطراب شديد فى المنطقة العربية ...هناك من يرى ما يحدث من منظور إيجابى ،وآخرون يرونه "سايكس بيكو " جديدة لتقسيم المنطقة ...كيف تقيم ذلك ؟
= كل مايحدث هو نتيجة طبيعية لنظم الطغيان التى سيطرت على العالم العربى كله منذ الخمسينيات حتى الآن ،لأن ماحدث فى مصر تكرر فى سوريا ثم العراق ،وماحدث فى المشرق حدث فى دول المغرب العربى والسودان ،وطبيعى أن يترتب على ماحدث وهو سلسلة من الإنقلابات العسكرية قام بها ضباط مغامرون يريدون الإستيلاء على السلطة لم يجدوا أمامهم للتحالف معهم إلا جماعة الإخوان المسلمين ،وهذا ماحدث أولا فى مصر عام 1952 ،وهذا حدث ايضا فى السودان حيث تحالف نميرى مع الترابى ،وفى سوريا لكى يبقى النظام كان لابد ان يكون طائفيا ،لأن الدفاع عن البلد لايكون إلا بالديمقراطية ،التى تساوى بين الناس ،ولاترفع أحدا على أحد لأنه عربى والآخر غير عربى ،ولاسنى على شيعى ولامسلم على مسيحى ،وسقوط النظام الديمقراطى فى سوريا أدى إلى إستيلاء الضباط العلويين على السلطة تحت علم حزب البعث ،ورفعوا شعارات الوحدة العربية التى راجت فى الخمسينات والستينات لكن بدون مضمون ،فالوحدة العربية تصوروها نوعا من الضغط والقهر ،وليس حركة ديمقراطية من أجل التوحدوالتكتل كما حدث فى اوروبا على سبيل المثال ،فكانت الوحدة العربية بالنسبة لنا أن يستولى جمال عبد الناصر على سوريا،وكان شرط عبد الناصر للوحدة هو حل الاحزاب فى سوريا ،والذى حدث فى سوريا حدث فى العراق ،حيث تحول الأمر فى عهد الرئيس صدام حسين إلى حرب أهلية ،بين العرب سنة وشيعة والشيوعيين والبعثيين وبين النظام الحاكم والأكراد ،حيث ضرب قراهم بالأسلحة الكيماوية ،والسؤال الآن هو كيف تم القبول بنظام صدام حسين الوحشى الذى لم يتورع عن قتل حتى أقرب الناس إليه .
- بمناسبة الحديث عن الأكراد ...هل التطورات الحالية فى العالم العربى تدعم توجههم إلى حق تقرير المصير أم العكس تبقيهم كجزء من منظومات دولهم التى يؤمل على ضوء الحراك الحالى أن تصبح أكثر ديمقراطية من ذى قبل؟
= لابد أن نسلم أولا بحق الأكراد فى تقرير مصيرهم ،لكن قبل حق تقرير المصير لابد أن تكون هناك فرصة للتفاهم وبحث الاسباب التى تدعو هذه الجماعة القومية للإنفصال لأنه إذا كانت مطالب الأكراد هى مطالب شر عية فيمكن تحقيقها فى إطار العراق الموحد ،ولابد من عدم التمييز على أساس الجنس أو الدين ،ولابد أن يكون للكردى كل الحقوق التى لسواه ،إما إذا كان سيحال بين الأكراد وممارسة ثقافتهم أولغتهم أو إذا كانوا سيعاملون معاملة خاصة ،فإن ذلك هو الذى يعزز النزوع نحو الإنفصال .
-فى الجولة الثانية من الإنتخابات على المصريين الإختيار مابين مرشحين أحدهما يمثل حزب الحرية والعدالة المعبر عن جماعة الإخوان المسلمين ،والآخر يراه البعض إمتدادا للنظام السابق ...هل المصريون اليوم فى مأزق ؟
=لاأظن أننا في حاجة لذكاء خارق أو شواهد إضافية لنفهم من النتيجة التي انتهت إليها انتخابات الرئاسة في دورتها الأولي أن مصر عادت إلي ما كانت عليه قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير الأسبق.فالقوتان اللتان بقيتا في السباق تتنافسان علي اختطاف منصب الرئيس بعد عام ونصف عام علي قيام الثورة المجيدة,هما القوتان اللتان كانتا تتصارعان وتتقاسمان السلطة قبل قيام الثورة: نظام يوليو في آخر مراحله وأسوأها, وجماعة الإخوان المسلمين.ولقد ظلت هذه الجماعة طوال الأعوام الستين الماضية تلعب دور الشريك مع ضباط الانقلاب, الشريك المحالف أحيانا, والمخالف أحيانا أخري ،فهذين الشريكين المتشابهين اللذين يتحالفان في مواجهة القوي الديمقراطية كما فعلا في العامين التاليين لانقلاب يوليو المشئوم يتصارعان حين يخلو الجو لهما وتستبد بكل منهما طبيعتهما المشتركة, فيسعي للاستئثار بكل شيء, بل إن هذه الطبيعة تفعل فعلها داخل كل فريق علي حدة, إذ تظهر فيه أجنحة متصارعة يسعي كل منها للانفراد والتخلص من المشاركين الآخرين, وهكذا انقلب عبد الناصر علي محمد نجيب, حتي جاء السادات فتحالف معها, ثم تلاه مبارك الذي استطاع الإخوان في الأعوام الثلاثين التي قضاها في السلطة أن يصبحوا دولة داخل الدولة, فلهم شركاتهم وبنوكهم ومتاجرهم, ومدارسهم, ومستشفياتهم وتنظيماتهم المحلية والدولية التي كانت السلطة تسميها محظورة من باب الفكاهة, وتسمح لها مع ذلك بممارسة نشاطها في العلن, وتفاوضها في عدد المقاعد التي تسمح لها بالحصول عليها في مجلس الشعب.
- أى المرشحين أقل ضررا من وجهة نظرك ؟
= الآن نختار بين مرشحين اثنين ينتميان معا للنظام القديم, ولايفترقان إلا في الصورة وفي بعض الشعارات التي تحل فيها كلمات محل كلمات, لكنها تعني في النهاية شيئا واحدا هو الطغيان, ويكفي أن نمتحن مرشح الإخوان في كلمة النهضة التي جعلها شعارا لحملته.ما الذي تعنيه هذه الكلمة بالنسبة له ولجماعته؟ هل يتحدث عن النهضة كما عرفها العالم في العصر الذي سمي عصر النهضة؟ احياء التراث , واحترام العقل, وتجديد الفكر الديني, وظهور الدولة الوطنية, وانهيار الامبراطوريات المقدسة؟ هل يتحدث الإخوان عن النهضة بهذا المعني, أم يتحدثون عن النهضة كما عرفناها نحن في مصر خلال القرنين الماضيين حين أخذنا نكتشف أوروبا, ونقتبس من علومها وفنونها ونظمها الحديثة, فننشئ البرلمان, ونضع الدستور, ونتحرر من تبعيتنا للعثمانيين, ونثور ضد الاحتلال البريطاني, ونوحد بين الهلال والصليب, وننشئ الجامعة, ونحرر المرأة؟ هل يتحدث الإخوان عن هذه النهضة, وكيف وهم ينادون باحياء الخلافة وتطبيق الشريعة وتحويل الدولة الوطنية الحديثة إلي دولة دينية؟.
- هل ترى أن هناك تناقضا فى خطابهم ؟
=إنهم يتناقضون, أو يخفون مايريدون, ويقولون مالا يقصدون, ويثبتون بما يفعلون أنهم ليسوا طلاب نهضة, بل هم أعداؤها الألداء, ومشروعهم يتلخص في هدم كل مابنيناه في تاريخنا الحديث والعودة بنا إلي عصور الظلام والطغيان.
- وماذا عن المرشح الآخر ؟
=الذي نقوله عن المرشح الإخواني نقوله عن المرشح العسكري, انه يفخر بانتمائه للرئيس المخلوع, لكنه يعدنا مع ذلك بالاخلاص للثورة فإذا كان المتحدث أبله فليكن المستمع عاقلا ليدرك أن وعود هؤلاء وهؤلاء ليست إلا كلمات لاتعني كما قلت إلا شيئا واحدا هو الطغيان, الطغيان المستند للقوة, أو الطغيان المستند للدين .
-فأيهما نختار؟
=هذا هو الموقف العبثي الذي نقفه الآن أمام النتيجة التي أسفرت عنها انتخابات الرئاسة في دورتها الأولي.. والسؤآل الذي يفرض نفسه علينا في هذا الموقف هو: كيف وصلنا إلي هذه النتيجة؟ وهل جاءت قضاء وقدرا. أم أنها خطة مدبرة؟
لانستطيع الإجابة علي هذا السؤال إلا إذا استعرضنا ما كان يجب أن يحدث لتتغير شروط العمل السياسي, وينفسح المجال أمام القوي الثورية والديمقراطية لتنظم نفسها وتمارس نشاطها علي النحو الذي يمكن للدولة المدنية الحديثة, وللنظام الديمقراطي الصحيح, ويدفع للساحة بقيادات جديدة تخوض الانتخابات باسم الثورة وتبعد هذه القوي المناوئة التي اختطفت الثورة وأعادت انتاج الماضي بحذافيره مدعية أن هذا هو قرار الشعب الذي صوت لصالحها في الانتخابات, وهذا تزييف صارخ يستدعي قراءة ما حدث في انتخابات الرئاسة منذ بدأت, وإلا فالوقوف عند النتيجة الأخيرة التي انتهت إليها يحجب الحقيقة ويوقع في الخديعة والضلال.
ان أحدا لايستطيع أن ينكر أن كل ماتحقق باسم الثورة حتي الآن إنما تحقق في ظل الشروط والأوضاع الموروثة مما سبقها, فالثورة التي أسقطت مبارك لم تتبرأ من النظام الذي جاء بمبارك ولم تسدل الستار عليه, وهو نظام يوليو العسكري الدكتاتوري, والكلام عن دولة مدنية بمرجعية إسلامية يصب في تيار الدعوة للدولة الدينية, ويفتح الباب علي مصراعيه للإخوان والسلفيين, و الانتخابات الرئاسية التي أسفرت دورتها الأولي عن عودة النظام القديم بوجهيه اللذين يطارداننا اليوم كما يحدث في الكوابيس ويفرضان علينا أن نختار واحدا منهما كأنهما مختلفان, والحقيقة أنهما لقطتان لوجه واحد.
هل كانت نتيجة الجولة الأولى من الإنتخابات مفاجئة لك ؟
- يجب أن نتحلي بما يكفي من الصراحة والشعور بالمسئولية لنعترف بأن النتيجة التي أسفرت عنها الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولي لم تكن مفاجئة لنا..فالمرشحان اللذان نالا أعلي الأصوات, وبقيا في السباق يمثلان القوتين الوحيدتين المنظمتين في مصر المالكتين للخبرات والوسائل والأموال التي يتطلبها تنظيم الدعاية, وحشد الأنصار وتأليف القلوب وشراء الأصوات, أحمد شفيق يمثل النظام العسكري الحاكم الذي قرر أن يضحي برئيسه ليلهي به الثوار, ويضمن لنفسه البقاء والاستمرار بعده, ومحمد مرسي ممثل الجماعات والمؤسسات والتيارات الاسلامية التي لم يستطع النظام العسكري قهرها, لأنها ظلت تلعب بورقة الدين الرابحة, فلم يجد النظام بدا من التعامل معها, ولم تجد هي أيضا بدا من التعامل معه والاستفادة منه في النور مرة, وفي الظلام مرة أخري.
- وماذا عن القوى الثورية ؟
=القوي الجديدة المتمثلة في الملايين التي خرجت في يناير, وفي الشباب الذي قاد هذه الملايين, فمازالت تتعامل في السياسة بطريقة الهواة, ولم تستطع حتي الآن أن تنظم نفسها, وتعلن برامجها, وتدفع بزعمائها لقيادة الجماهير, وبناء الدولة الجديدة والنظام الديمقراطي المنشود
- لكن القوى الإسلامية تراجع تأييدها فى الإنتخابات الرئاسية عما كان عليه الوضع سابقا فى الإنتخابات البرلمانية ؟
=الجماعات والتيارات الاسلامية عامة دفعت بخمسة مرشحين خاض المعركة منهم ثلاثة, وحصل أحدهم علي أعلي الأصوات مقارنة بغيره. وإن كان ماحصل عليه دليلا علي أن الاسلاميين يخسرون هذه الأيام أكثر مما يكسبون, ونجد أن النظام الحاكم دفع بمرشحين اثنين
-هل ترى أن النظام الذى ثار عليه المصريون مازال باقيا ولم يسقط بعد ؟
=نحن نعلم علم اليقين أن النظام الذي ثرنا عليه لم يسقط بعد, ولم يحل محله نظام جديد, وأن القوي التي كانت مهيمنة قبل ثورة يناير لاتزال مهيمنة حتي الآن, فالفريق شفيق, الذي مثل النظام وحده بعد الاعتراض علي عمر سليمان, وزير من وزراء مبارك, ورئيس وزرائه الأخير.
والدكتور محمد مرسي هو أحد النواب الذين سمح لهم نظام مبارك بتمثيل الاخوان في مجلس الشعب في الدورة التي سبقت قيام الثورة. قد حصلوا علي حوالي تسعين مقعدا.
فإذا كان علينا أن نعترف بأن هذين المرشحين المتنافسين علي رئاسة الدولة الآن لا يمثلان الثورة, وإنما يمثلان النظام الذي قامت الثورة لإسقاطه, والجماعات الاسلامية التي عاشت في ظل هذا النظام, وعملت معه بطريقة أو بأخري،فالثورة لا تزال في طفولتها المبكرة, و لم تبدأ من فكر سياسي محدد, ولم ينهض بها حزب أو تنظيم بالذات. وإنما كانت في بدايتها أقرب الي الانفعال العفوي الذي وجدت فيه الملايين تعبيرا عنها فتجاوبت معه, وفوجئت بطاقاتها التي تفجرت وبتراجع النظام أمامها وقدرتها علي إملاء مطالبها التي كانت متواضعة جدا, فلم تزد عن الإطاحة برأس النظام وبعض أعوانه, ولم تتجاوز هذا المطلب المتواضع إلي إسقاط النظام وإزالته من أساسه, وكأن الثورة تعيد تمثيل فيلم عادل إمام الارهاب والكباب الذي لم تزد فيه مطالب الارهابيين الذين تراجعت أمامهم أجهزة الأمن عن أكلة كباب! ولقد سارعت مؤسسات النظام بتلبية الطلب المتواضع, فأقنعت الرئيس بالتنحي الذي اعتبره الكثيرون انتصارا كافيا عادوا بعده الي بيوتهم في الوقت الذي استعاد فيه أركان النظام قدرتهم علي الحركة ومواجهة الأخطار التي كانت تحيط بهم من كل جانب.
-أكان يجب البدء أولا بصياغة الدستور ؟
=نعم كان علينا أن نبدأ بوضع دستور جديد يتبني أهداف الثورة وتجري علي أساسه الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية, لكن المجلس العسكري والإخوان قرروا أن يضعوا العربة قبل الحصان فسار الحصان بظهره لا بصدره. ثم إن المصريين لم يصوتوا لأي من المرشحين المعروضين علينا الآن. أكثر من نصف أصحاب الحق في التصويت لم يصوتوا, والأصوات التي فاز بها المرشحان الباقيان لاتزيد عن ربع أصوات المشاركين, ولو كانت الانتخابات قد اجريت في مناخ ديمقراطي حقيقي لما حصل أيهما علي ماحصل عليه لأنه لايمثلنا ولايتحدث باسمنا.
-كنت من اشد المنتقدين لصعود التيار الإسلامى فى مصر ؟
=التصور الذي تقدمه لنا جماعات الإسلام السياسي وتري فيه أن مصر في العهد الذي ثرنا عليه كانت تعيش في جاهلية تحتاج فيها إلي فتح جديد يعيدها إلي الإسلام. ومن هنا يختار الإخوان المسلمون والسلفيون ومن لف لفهم أساليبهم في الدعاية, ويقدمون وعودهم للناخبين. فالناخب لا يختار سياسة من سياسات أو خطة اقتصادية من خطط, وانما يختار الجنة إذا صوت للإخوان والسلفيين أو النار إذا صوت لغيرهم. وهم يعرفون أننا لم نثر علي نظام مبارك لأنه كان نظاما جاهليا, فالواقع أن المصريين لم يعرفوا الجاهلية طوال تاريخهم, وأنهم كانوا دائما متدينين وكانوا دائما مخلصين لعقائدهم الدينية. وهذا ما كان حكامهم يستغلونه أسوأ استغلال.
-لماذ ا ينصب معظم نقدك على الإخوان المسلمين دون غيرهم ،وقد واجهوا عنت الأنظمة السابقة وتصدوا لها ؟
- ليس صحيحا ...لقد وقف الإخوان المسلمون مع إسماعيل صدقي حين أوقف العمل بدستور سنة1923, وكانوا عنصرا مساعدا في انقلاب يوليو عام 1952, ثم تحالفوا مع السادات في مواجهة خصومه, ثم تعايشوا مع حسني مبارك الذي أفسح لهم في النشاط الاقتصادي, ومكنهم من السيطرة علي التعليم الديني والتعليم المدني والتسلل إلي مؤسسات الإعلام وساحات القضاء, ومنحهم ربع مقاعد مجلس الشعب, وهذا هو الفساد الشامل الذي ثرنا عليه. فإن كان الدين قد استغل في هذه العهود وتاجر به بعضهم ووظفوه في غير ميدانه فالجماعات الدينية شريك أساسي في هذه التجارة.
-ماذا تريد مصر لتخرج من كبوتها ؟
=تريد عهدا جديدا نخرج فيه من ديكتاتورية يوليو العسكرية التي لاتزال قائمة حتي الآن, ومن وصاية الجماعات الدينية وسيطرة الأغنياء الجدد واحتكارهم ،تريد إخلاصا للدولة المدنية وللنظام الديمقراطي, وأن تخرج من الفقر والجهل والمرض والقذارة والفوضي والتخلف والفساد بخطط مدروسة قابلة للتنفيذ, وتلك هي النقلة المنتظرة.لا تريد زعيما مؤلها ولا فضيلة مرشد يضمن لنا الجنة لأنه لا يستطيع أن يضمنها لنفسه, فهو أعجز من أن يضمنها لغيره.
- دائما ماتدعو للحفاظ على مدنية الدولة المصرية ...هل تراها فى خطر ؟
- هناك من يعتبرون كل ما جد في حياتنا خلال القرنين الأخيرين خروجا علي الإسلام ، يرون الانتماء الوطني كفر، والديمقراطية وثنية, وحقوق الإنسان زندقة. ومساواة المرأة بالرجل تهتك. وعدم التمييز بين المسلمين والمسيحيين إلحاد. ...لا كفانا عسكر....وكفانا كهانا وتجار أديان, فقد عشنا في ظل هؤلاء وهؤلاء آلافا من السنين فقدنا فيها كل شئ حتي عجزنا عن الاحتمال فثرنا وأصبح من حقنا الآن أن نعيش في الحاضر لا في الماضي, في الحرية لا في العبودية, في العدل لا في الظلم, في الكرامة لا في المهانة, في العلم لا في الخرافة.
-التراجع الكبير الذى وصلت إليه مصر فى جميع المجالات يحتاج من المثقفين إلى عمل كبير ؟
= لقد تعرض تاريخنا القديم والحديث لسلسلة متواصلة من أعمال التشويه والتزييف والتحقير التي أفلحت في دفعنا أو دفع الكثيرين منا إلي التبرؤ من ماضينا وحاضرنا بقصد أو بدون قصد وها نحن نبحث حولنا عما يدل علي أن لنا ماضيا نعتز به وحاضرا نتقدم فيه واثقين, وشخصية قومية نحافظ علي عناصرها الحية فلا نجد إلا آثارا باهتة،وبلادنا أصبحت كلها عشوائيات متجاورة مختلطة, العشوائيات الزرية التي بناها الريفيون المهاجرون في أطراف المدن والاحياء الكبري التي تحولت شوارعها وعمائرها ومتاجرها إلي عشوائيات, مواقف سيارات, وأساليب معمارية مختلطة وألوان متنافرة, وملابس من الشرق والغرب, بنطلونات أمريكية, وسراويل وصديريات أفغانية, وعباءات إيرانية, ونقب بدوية, وأسماء أجنبية وفوق ذلك كله القمامات .
-تدنى الدخول وإرتفاع معدلات الفقر السبب الرئيسى فى ذلك ؟
=ليس الفقر هو المسئول عن قبح الحاضر أو ليس هو وحده وإنما تقع المسئولية أولا علي ما عانيناه خلال العقود الماضية من شعور ساحق بالهزيمة والتبرؤ من الذات والتنكر للاصول.
المسئولية تقع علي هذه العدمية القومية التي عشناها نتيجة التربية المعوجة التي تلقيناها والنكبات السياسية التي تعرضنا لها والثقافة التي جعلت الدين خصما للوطن, وخيرت المصريين بينهما, كأننا نستطيع أن نكون متدينين دون أن يكون لنا وطن أو يكون لنا وطن دون أن تكون لنا عقيدة.
-هل تؤرقك هجرة المصريين للخارج ؟
=أنظر للهجرة المصرية التي أصبحت كثيفة فلا أشعر بالطمأنينة علي مصير المهاجرين ومصير أبنائهم. لأن الهجرة تتم بشروط تضع المهاجرين المصريين في ظروف صعبة مهينة.في البلاد العربية أو في أكثرها يعامل المهاجرون المصريون. كما يعامل الخدم, لأنهم محرومون من الثقافة الوطنية التي يدافعون بها عن أنفسهم, وفي البلاد الأوروبية يعجزون عن الاندماج لأنهم محرومون من الثقافة الإنسانية الحديثة التي تجمع بين البشر علي اختلاف اصولهم, ولأنهم بالعكس مزودون بثقافة تغري بالعزلة والانغلاق, وتثير فيهم الشعور بأنهم معرضون لأن يفقدوا تقاليدهم وعقائدهم, ويضيعوا في غربة لا ساحل لها ولارجعة منها.بل إنهم يعانون هذه الغربة في وطنهم الذي يعيشون فيه حياة ناقصة بسبب الثقافة التي تجعلهم يكرهون ماضيهم المجيد كأنه لم يكن إلا جاهلية كالجاهلية التي سبقت الإسلام في جزيرة العرب, في الوقت الذي تعلمهم هذه الثقافة أن يعتزوا بتاريخ هيمن عليه الغزاة والطغاة.إنك تقرأ الآن ما يكتب وتسمع ما يقال فلا تجد إلا شتائم مقذعة تكال للفرعون وتتحدث عن طغيانه. وأنا لا أقول بالطبع إن الفراعنة أقاموا نظما ديمقراطية لكني أقول أنا وعلماء الدنيا جميعا إنهم أقاموا حضارة شامخة انتصر فيها الخير علي الشر, والطمي علي الرمل, والوادي علي الصحراء.ولاشك في أن المسيحية والإسلام كانا اضافة لنا ولغيرنا. لكننا أضفنا نحن أيضا للمسيحية والإسلام., وفي عصر النهضة الذي ظهرت فيه أجيال جديدة من المثقفين والسياسيين الذين صالحوا بين الإيمان والعقل, وبين الدين والوطن, وبين مصر القديمة ومصر الحديثة, وبين ثقافة الغرب وثقافة الإسلام حتي كانت هذه الردة الحضارية الشاملة التي تسبب فيها الاستعمار الصهيوني من ناحية, والانقلاب العسكري من ناحية أخري, واستخدمتها النظم الرجعية, وغذتها أموال النفط فوصلنا إلي هذه الأوضاع المتردية التي ثرنا عليها ولم نخرج منها حتي الآن.
-لكن هناك جيلا جديدا ثار ويريد الآن وضع مصر على الطريق الصحيح ؟
=كيف إذن نحقق الشعارات النبيلة التي رفعها ثوار يناير في ميدان التحرير, وضحوا من أجلها بدمائهم الزكية وكتلوا حولها ملايين المصريين وأسقطوا حكومة الفساد والطغيان؟ كيف نبني الديمقراطية ونحن نظن أن الديمقراطية انتخابات وأصوات تباع وتشتري؟ وكيف نمتلك علوم العصر وقد اصبحت جامعاتنا كتاتيب مفتوحة للمشعوذين الذين يريدون أن يعالجونا ببول الإبل؟ وكيف تكون الدولة مدنية ومرجعيتها دينية؟ وكيف تزدهر الثقافة والقانون المصري يسمح بحبس عادل إمام؟ ولماذا غاب سؤال الثقافة عما يدور وما يقال وما يناقش في مصر الآن.
الثقافة ليست مجرد عرض ممتع أو رواية مسلية وإنما الثقافة شرط أول للحياة الإنسانية. لا سياسة بلا ثقافة. ولا عمل بلا علم. ولا إنتاج بلا خبرة. ولا تقدم بلا تفكير وتدبير.
-على ذكر عادل إمام ...هل يزعجك الحكم الأخير بحبسه ؟
=أثار الحكم الصادر بحبس الفنان عادل إمام قلق عميق ورفض قاطع في أوساط المثقفين المصريين خاصة والمثقفين العرب عامة, فضلا عن أصدائه التي ترددت في الصحف والدوائر والمنظمات العالمية المهتمة بمستقبل الديمقراطية وحقوق الانسان, وفي مقدمتها الحق الكامل في التفكير بحرية والتعبير بحرية.وعادل إمام اسم من أهم الأسماء التي عرفها فن السينما وفن المسرح في مصر, ليس فقط لأنه ممثل موهوب, فالموهوبون كثيرون, ولكنه بالإضافة إلي موهبته فنان ذكي مثقف.لقد استطاع أن يجسد شخصية المواطن المصري الذي سحقه النظام الحاكم خلال العقود الستة الماضية.المواطن الجائع الخائف المتوجس المغلوب علي أمره,و مسرحية شاهد ما شافش حاجة.. هي التعبير العبقري عن وضع المصريين في ظل الطغيان ولقد تصدي هذا الفنان المضحك قبل غيره لأخطر القضايا التي واجهت المصريين في العقود الماضية.. كالطغيان السياسي, والتطرف الديني, وهما وجهان لعملة واحدة. فالطغاة إرهابيون يستخدمون الدين.والجماعات الدينية في المقابل تخلط الدين بالسياسة وتتحالف مع ضباط الانقلاب وتتقاسم معهم السلطة وتسعي للانفراد بها, وإذن فهما معا الحكام الطغاة, وجماعات الاسلام السياسي أعداء ألداء لحرية التفكير والتعبير, والذي صنعه الارهابيون مع فرج فودة ونجيب محفوظ ونصر حامد أبو زيد وعشرات آخرين من الكتاب والفنانين الذين ساقهم الإرهابيون للمحاكم وكفروهم وحرضوا عليهم الجماهير وأثاروا ضدهم الغوغاء وهذه العلاقة القوية التي تربط بين الطغيان السياسي والإرهاب الديني أدركها عادل إمام وأدار حولها العديد من أعماله المسرحية والسينمائية, مسرحية الزعيم ومسرحية شاهد ما شافش حاجة, وأفلامه إحنا بتوع الأتوبيس و الإرهابي و الإرهاب والكباب و طيور الظلام و حسن ومرقص .فمن الطبيعي إذن أن يتعرض عادل إمام لذلك ،والمواطنون المصريون عامة بالقلق العميق إزاء ما حدث لعادل إمام ورفاقه. من ناحية لأنهم جديرون بكل إعجاب وتعاطف. ومن ناحية أخري لأن ما حدث لهم نذير بشر مستطير.
-ماذا يمكن أن نقول أن ثورة يناير حققته بعد عام ونصف من قيامها ؟
=لقد كانت الثورة ذاتها انجازا باهرا, كانت تعبيرا فذا عن معاناة دهرية لم يكف خلالها المصريون عن التفكير في أحوالهم وأحوال دنياهم, ولم يفقدوا صبرهم الجميل وروحهم الساخرة وإيمانهم الراسخ بأن الفرج قريب, وأنهم لا ريب منتصرون .
وقد كانت الثورة تجسيدا لمثال نقي متخيل, ولأن الأسباب التي فجرتها كانت موجودة من قبل, الحكام والفساد المتوطن, والشعارات الكاذبة, والآمال الهاربة, والشقاء الضارب أطنابه الناشب أظفاره وأنيابه في أرض مصر وفي لحم أبنائها..
هذه الأسباب كانت دائما موجودة دون أن تصنع ثورة, فلماذا ثار المصريون هذه المرة،ثار المصريون, لأن الثورة في مصر ليست مجرد رد فعل لوضع ظالم يستفز من يقع الظلم عليهم حين يقع, وإنما الثورة في مصر رد علي تاريخ متصل من الظلم كأنه قدر, فلا يرد عليه إلا قدر مثله.إنها انبعاث شامل, عودة للروح كما سماها توفيق الحكيم, أو قل إنها قيامة كما سميتها أنا في إحدي قصائدي. كأن المصريين حين يثورون يريدون أن يقولوا انهم لم يموتوا, أو يريدون أن يقولوا انهم عادوا من الموت أحياء, أو انهم ولدوا من جديد ،لم تكن ثورة المصريين مجرد شجاعة أو مجرد براعة في التخطيط والتنظيم, بل قبل كل شىء روح مشع متوهج ،فهى لم تكن مجرد عمل سياسي محصور في نطاق معين وفي دائرة محدودة من المهتمين, ولكنها تعبير أصيل عن حياة إنسانية غنية, وعن تاريخ وطني متصل, وهي مع ذلك شعارات لابد أن تتحقق ومطالب لابد أن تجاب.
- ما الذي تحقق من شعاراتها؟ وما الذي استجيب له من مطالبها؟
=الواقع أن المصريين لم يحققوا الا الثورة التي أثبتوا أنهم قادرون علي القيام بها, مستعدون لملاقاة أعدائهم فيها, مهما دفعوا من ثمن, وقدموا من تضحيات, هم بأعمارهم الغضة, وصدورهم العارية, وأعداؤهم ببنادقهم, وخوذاتهم,ومصفحاتهم, ومدرعاتهم, وخيلهم, وإبلهم, وكلابهم, وإذاعاتهم, وصحفهم, كل هذا تحداه خالد سعيد, ومينا دانيال, وأحمد حرارة, وعماد عفت, والملايين من المصريين والمصريات الذي نسوا أسماءهم وعناوينهم, وطبقاتهم الاجتماعية, وطوائفهم الدينية, وتحولوا إلي كيان واحد متلاحم يزداد كل لحظة قوة وفتوة, بينما ينهار الطغيان بناره وحديده, وقضه وقضيضه.كل هذا تحقق في أيام, ثم لا شيء بعد هذا, أو فلأقل وأنا مطمئن إلي أني لم أقع في خطأ أو مبالغة, إن كل ما ربحته الثورة سرقته الثورة المضادة.
الثورة أسقطت رأس النظام الذي تركته الثورة المضادة يسقط, وتركتنا نتلهي بمشاهدته في التليفزيون, لكي تتمكن هي من حماية النظام المهدد وترميم واجهته التي تآكلت وتثبيت دعائمه.
ونحن نعرف أن محمد حسني مبارك كان ضابطا في الجيش لا يطمح إلا لترقية ومعاش يكفلان له حياة مريحة لكنه استيقظ ذات صباح ليجد نفسه نائبا للرئيس, ثم استيقظ ذات صباح آخر ليجد نفسه رئيسا في نظام يمنحه كل شيء ولا يطالبه بأي شيء, فكل من حوله خدم, وكل ما حوله فساد, وهذا هو النظام الذي أسسه ضباط يوليو.هذا النظام بدأ بعبد الناصر الذي فرض علينا السادات, والسادات فرض علينا مبارك, فمن هو الفاعل الأصلي؟ ومن هو النسخة المقلدة؟ وأيهما الجدير بأن يسقط قبل الآخر, الطاغية؟ أم النظام الذي يصنع الطغاة؟
الثورة أجابت علي السؤال فقالت: الشعب يريد اسقاط النظام, طالبت بدولة مدنية لا دينية ولا عسكرية, وبنظام ديمقراطي تكون فيه الأمة مصدر كل السلطات, فماذا كان جواب الثورة المضادة ،حولت الديمقراطية الي استفتاءات خيرت فيها المصريين بين دخول الجنة لمن يقبل اختيارها, ودخول النار للذين رفضوا.كما أجازت الأحزاب الدينية الممنوعة بنص الدستور, وأجرت الانتخابات التي مكنت هذه الأحزاب من السيطرة علي مجلس الشعب, هذا هو ما تحقق , وهو كما قلت تزييف لشعارات الثورة وترميم لدولة الطغيان وتثبيت لدعائمها .
- وكيف يتجاوز المصريون ذلك ؟
= الثورة مستمرة والميدان يقف بالمرصاد للطغيان ،وأنا متفائل. برغم أن كل ما حولنا يدعو للتشاؤم! وأنا لست منجما, ولا أعلم الغيب, و أنا ميال بطبعي للتفاؤل,لكن هناك من دواعي التفاؤل أكثر بكثير من دواعي التشاؤم, فقوي الثورة تتسلح بالحق أكثر مما تتسلح بالقوة, وتعتمد علي شبابها الغض وطاقتها الحية أكثر مما تعتمد علي الخبرة, وتثق في المستقبل فلا تستعجل النصر الذي تستحقه, لأن كل ما يحدث الآن يحدث علي الأرض التي اكتشفتها الثورة, وفي الزمن الذي صنعته. فصبرها جميل, ونفسها طويل.والثورة لم تعد معجزة ننتظر وقوعها كما كان أمرها قبل أن تقع, وإنما هي الآن واقع نعيشه, وحرية نعانقها ونذوق حلاوتها, والذي تذوق طعم الحرية ولو ساعة لا يستطيع أن ينساها أو يستغني عنها إلي قيام الساعة, وإذا كنا لا نعرف السياسة كما تعرفها القوي المضادة, ولم نمارس السلطة من قبل, فنحن نعرف الثورة, وقد مارسناها وصنعناها, ولم نعد نقف في مواجهة الطغيان عاجزين عن مقاومته كما كنا قبل يناير،لكن الحرية لا تتحقق بسقوط الطاغية وهدم دولته ومطاردة أعوانه فحسب, وإنما تتحقق بأن نطهر نفوسنا وأفئدتنا من ثقافة الطغيان, ونعوض ما فقدناه في الماضي القريب والبعيد من ثقافة الحرية. لأن الحرية ليست مجرد أنفلات من قيد خارجي وإنما هي ضمير حي, ووعي يقظ خلاق يملأ الكيان ويحصنه ويكسبه المناعة ،ومن التطورات الايجابية في هذه الأيام أن قوي الطغيان بجميع أسمائها وأزيائها صارت مكشوفة. وأن ثقافة الحرية التي كانت همسا يتردد علي ألسنة بعض المثقفين صارت تيارا مسموعا ووعيا تتبناه فئات ومؤسسات وأسماء لم يكن متاحا لها أن تتبناه من قبل.وحين يتصدر علماء الأزهر وخطباء المساجد صفوف المنادين بالديمقراطية المدافعين عن حقوق الانسان, ألا يكون هذا تطورا جوهريا يفتح المجال أمام تجديد الفكر الديني وتثويره ووضعه حيث يجب أن يكون سندا للحرية وليس سندا للطغيان،ولقد كان الدفاع عن حرية الابداع قاصرا في الماضي علي الأدباء والفنانين. فاذا أصبح الأزهر يدافع عن حرية الابداع كما فعل في وثيقته الأخيرة بعد أن كان يخاصمها فهذه ثورة تساند الثورة وتصب في مجراها.