• Saturday, 29 June 2024
logo

النص البصري

النص البصري
طارق كاريزي

السرد البصري (او النص الجمالي) له مكوناته وحيثياته. ويطلق عليه السرد الفني او الجمالي ايضا. وهو السرد المعني بالفنون وجمالياتها، فالفنون تشمل الشطر الاعظم من معطيات الحضارة الانسانية. والفنون السبعة الرئيسة التي اقرّها فلاسفة الفن والجمال تغطي اوسع حيز من حياة الانسان، ونتعايش نحن بني البشر مع انماطها المختلفة طوال يومنا. والفنون ليست حصرا بالشعوب المتقدمة، بل ان حتى الانسان البدائي عاش حياته بمعية الفن (فنون الرسم في الكهوف وبدايات فن الموسيقى والرقص التي ابتدعهما الانساني البدائي تعبيرا عن مشاعره ومخاوفه وربما احلامه وطموحاته). مع هذا تبقى الفنون كملازم حيوي لمدى تطور ورقي الامم والحضارات. فالفنون هي احدى المؤشرات الاكبر دلالة على حيوية شعب ما ومدى عمق حضارته او كبر مشروع تطلعه الحضاري والحضري.
نقصد بالخطاب (او النص) البصري هنا تحديدا الخطاب المنتج تشكيليا، كون خطاب الفنون البصرية الدرامية يتداخل مع كم واسع من الفنون الاخرى (كالتمثيل والدراما والموسيقى والنصوص السردية وفنون تكميلية او هامشية متممة). وبذلك فالكلام هنا يتناول الخطاب المنتج عبر الاعمال التشكيلية التي هي اساسا فنون صامة تحتضن قوّة شحن كبيرة او انفعالات وسرديات درامية او ملحمية تجري عبر النص، يقحمها الفنان التشكيلي بين ثنايا النص الجمالي ويكتشفها او يستنطقها المتلقي من خلال مشاعره واحاسيسه.
تدرج الفنون التشكيلية ضمن سياق الفنون الجميلة. وهذا يعني بان الجمال شرط ملازم للمنتج التشكيلي، من دونه لا يمكن التحدث عن منجز فني. ولعل القدرة والاهلية وامتلاك الموهبة واتقان الصنعة، من اولويات العدة الحرفية لانتاج النص البصري.
طرح فلاسفة الفن والجمال العديد من النظريات حول ماهية الفن والجمال ومؤهلات المبدع في هذا المضمار. الا ان التجارب تثبت بان الفن ملكة وموهبة تلد او تنمو في ذات الفنان. وتبقى الموهبة والملكة رهن قيود او شروط البيئة الحياتية لذات الموهوب. فان توفرت الاجواء المناسبة لنموّ الموهبة وخاض صاحبها غمار التجارب بالمواظبة، يعني هذا تهيأ الارضية لبروز الفنان ذو الموهبة الفنية وتقديم المنجزات الابداعية في هذا الحقل.
والنص البصري يتجاوز الحالة التجريبية ليبلغ سدة النص. وقبل ان يتأهل الفنان لكي يكون منتجا للجمال ونصوصه، لابد ان يخوض غمار التأهيل وتطوير مهاراته الحرفية، فانتاج النصر البصري مرهون بامتلاك عدة انتاجه. والنص بحد ذاته يستلزم اكتمال دقائق الحرفية في العمل، اي اجادة انتاج الجمال عبر ادوات التشكيل، مضافا اليها وبكل قوّة، الخلفية السردية الضاغطة على مشاعر واحاسيس المنتج.
مع ان الفنون التشكيلية في نمطها المعاصر هي نتاج الحضارة الغربية، لكن فنون الرسم والنحت والسيراميك (الفخاريات)، كانت شائعة ومعروفة لدى جميع الحضارات الانسانية التي سبقت انبثاق الحضارة الغربية بعد عصر النهضة. وبعد مرور اكثر من قرن على قدوم التقاليد الفنية التشكيلية بنمطها الغربي نحو بلدان وشعوب الشرق الاوسط، بات الآن لكل منها تأريخا في الفن التشكيلي يمكن تقويمه وتوثيقه في متاحف الفن وتبني طروح نقدية حولها.
رغم ذلك ليس من السهل مجاراة المنجز البصري الغربي، وذلك لما لديه من رصيد هائل، اضافة الى انه مازال الفنانون الغربيون يمسكون بالمبادرات الابداعية في هذا المجال. وحال التكلم عن الخطاب البصري لابد من الاستشهاد بعباقرة الرسم والنحت من كبار الفنانين الاوربيين. ان السرد البصري الذي ارتقى وبلغ ببعض الاعمال الفنية حد الاسطرة (لوحة موناليزا لدافنشي والجورنيكا لبيكاسو مثلا)، قد منح الخطاب البصري بعدا عالميا. وحقيقة فان اعمال كبار الفنان لا تخلو من الاعجاز والدهشة الفنية التي ليس من السهل ان لم يكن من المحال مجاراتهم، وهذا يدل على قوّة الخطاب البصري ورصانته لدى هؤلاء الفنانين الذين ارسوا اسس الفن التشكيلي مانحين اياه بعدا عالميا.
الخبرة الفنية التي لابد وان تقنن وتصقل لدى عاشق الفن او ممارس الحرفة، هي عدة العمل ومؤهله الاول الذي يفتح الطريق امام تبلور الخطاب البصري. هذا الخطاب الذي مازال يعيش اشكالية التسويق والقيمة المعنوية والسلعنة.

صحيفة (محور كركوك).
Top