• Sunday, 30 June 2024
logo

فن الجداريات في اربيل

فن الجداريات في اربيل
طارق كاريزي

قبل ظهور الارهاب ومن ثم استفحاله وازدياد حالة التفجيرات والهجمات الانتحارية، لم تعرف المدن الكوردستانية فن الجداريات الا ما ندر. والجدارية يمكن ان تتألف من بانوراما من الاعمال النحتية، مثلما يمكن ان تكون حزمة من الرسوم المتتالية التي تجمعها رابط المعنى او الوشيجة الجمالية. وجداريات الرسوم هي الاكثر انتشارا وشيوعيا، كونها اقل تكلفة واسرع تحقيقا.
الاجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها لتفادي او لتقليل الاضرار الناتجة عن الهجمات الارهابية التي كانت تستهدف المؤسسات والمحال والمصالح العامة والخاصة في المدن الكوردستانية بكثافة، وكذلك المدن العراقية بشكل أوسع، دفع المعنيون الى اتباع اسلوب رص الدعامات الكونكريتية امام المباني العامة (والخاصة الى حد ما) على شكل جدران صماء تمتد لعشرات وحتى مئات الامتار.
ونظرا لكون هذه الجدران كانت جرداء تضفي المزيد من التلوث البصري على مشاهد الشوارع بالشكل الذي حول مشاهد المدن والشوارع العامة الى جدران خسراء تزعج الناضرين اليها، وشوهت معالم الجمال والبهرج والسرور في المدن، لذا بادر المعنيون وبموجب مقترحات تقدم بها فنانون وذوات من النخب الثقافية الى اتخاذ اجراءات جمالية، اقترحوا فيها التقليل من مدى الوحشة البادية عبر هذه الجدران الكونكريتية، وبعد استجابة الجهات المعنية، تم تكليف فرق الفنانين التشكليين باطلاء هذه الجدران بالرسوم والالوان التعبيرية التي تعيد للشوارع شيئا من القها وتقلل من قحولة المشاهد البصرية فيها.
وهكذا يمكننا القول بان فن الجدرايات (الرسوم الممتدة على طول الجدران الخارجية للكتل الكونكريتية التي رصت لمواجهة الاضرار المحتملة من التفجيرات الارهابية) قد ظهر على مدى واسع وبشكل غير مسبوق في جميع المدن الكوردستانية والعراقية. وبعد تراجع حدة الهجمات الارهابية، تراجع معها الاستعانة بالكتل والجدران الكونكريتية، بل تم رفعها في العديد من الاماكن.
ورافق ذلك تباطئ كبير في الرسوم والجداريات التي باتت تشكل في غضون السنين الماضية جزءا من مشاهد المدن في اقليم كوردستان والعراق عموما. يبدو ان فن رسوم الجداريات كان طارئا على المشهد المديني والواقع العمراني في المدن الكوردستانية، أو ربما سنشهد في غضون السنين القادمة توظيفا جديدا لفن الجداريات بعيدا عن مخاطر التفجيرات والنشاطات الارهابية.
هنا اود الاشارة الى آخر تجربة في فن رسوم الجداريات تم تنفيذها في الآونة الاخيرة وسط مدينة اربيل عاصمة اقليم كوردستان. فالجدار المنحني الذي يحيط بالمبنى الحالي لديوان محافظة اربيل يحصن جهتي الغرب والشمال من المبنى ضد التهديدات الامنية. سبق وان نفذت فوقه رسوم جداريات باتت الوانها معتمة وضبابية فقدت كل مظاهر الجمال والالق.
ومن اجل اضافة مسحة جديدة من الجمال والبهجة للمشهد البصري لهذا الجدار الذي يمتد لعدة مئات من الامتار في قلب اربيل، يبدو ان الجهات المعنية قد تبنت دعم اعادة رسم الجدارية بالكامل. وقد كانت هذه فرصة طيبة لاعادة التذكير بفن الجداريات وحث الفنانين والملونين لتنشيط هذا الفن والحيلولة دون خموده بالمرّة. علاوة على ذلك كان فرصة مهمة من اجل تنفيذ هذا الفن والاستفادة من امكانيات عرضه المستمر عبر الهواء الطلق من ناحيتي المعنى والبعد الجمالي له.
مثل هذه الملاحظات يمكن تلمسها عبر الجدارية الجديدة التي تحيط بجيد مبنى ديوان محافظة اربيل. فقد اتبع منفذوه اسلوب اكثر دقة في الرسم واستخدام مديات الجمال في الالوان المستخدمة، اضافة الى مغاز حملتها الرسوم يمكن للمتلقي المطلع والنبيه ان يلمس الرسائل التي تبعثها هذه الرسوم.
علم كوردستان كان البداية والمستهل، فهو عنوان السيادة الكوردستانية وقد اتخذها منفذو الجدارية كديباجة للتعريف باربيل باعتبارها عاصمة اقليم كوردستان، واحتل رسم (مفردة) القلعة الذي لا تبعد من مبنى المحافظة سوى عشرات الامتار قلب الجدارية كعنوان للمدينة العتيدة التي ابت مفارقة الحياة رغم توالي المحن وتتالي الغزاة والغزوات.
ولم ينسى منفذو الجدارية او القيّمون عليها التذكير بحالة النهوض العمراني الذي تشهده عاصمة اقليم كوردستان بجملة من المفردات المعبرة التي تجعل المارة وهم يلقون نظراتهم السريعة على الجدارية يستجيبون لمغزى مفردات الجدارية ويقابلونها بما تعيشه المدنية وما يشاهدونه حيّا من نموّ مستدام في واقعها الحضري ومظاهرها العمرانية والمدنية.
جدارية مبنى ديوان محافظة اربيل خطوة جديدة وانتقالة موفقة ضمن مسيرة فن الجداريات في كوردستان وفي اربيل بالذات، وعسى ان يكون ذلك حافزا لتقديم المزيد من الجداريات وتنفيذها في كل منطقة من اقليم كوردستان بما يضفي من جمالية وبهجة للفضاء ويجعل المشاهد البصرية اكثر تعبيرا واشراقا.



Top