• Monday, 01 July 2024
logo

كوردستان لن تكون.. إسرائيل ثانية ولا فلسطين ثانية

 	 كوردستان لن تكون.. إسرائيل ثانية ولا فلسطين ثانية
شــريف علي

نشرت جريدة الحياة اللندنية بتاريخ الأربعاء 12/7/2017 مقالة للكاتب الكوردي (نزار آغري) تحت عنوان "هل كوردستان اسرائيل ثانية أم فلسطين ثانية " مبديا رأيه في طبيعة الدولة الكوردية القادمة.
بعد تطرق لبدايات نشوء دولة إسرائيل، ومن ثم معالم الوضع القائم في جنوب كوردستان، يصل الكاتب في نهاية مقالته إلى نتيجة مفادها أن دولة كوردستان لن تكون على شاكلة دولة إسرائيل وإنما يرجح أن تكون نسخة من الدولة الفلسطينية التي تقاسمها بضراوة كلا من حركتي فتح وحماس،على حد قول الكاتب.
العنوان التساؤلي الذي وسم به الكاتب مقالته يعكس بلا شك حصره لنتيجة الحدث بقالبين اثنين لا ثالث لهما ألا وهما أن كوردستان القادمة إما ان تكون اسرائيل ثانية من حيث كونها دولة نموذجية في المنطقة تمتلك كل مواصفات التقدم والحضارة والإنسانية والقوة، أما الثاني والزاعم بأن المشروع الكوردي بإقامة دولته المستقلة ليس سوى حلم تمزقه الصراعات الكورديـة/ الكوردية على غرار الدولة الفلسطينية المتقاسمة بين حماس وفتح. وهو النموذج الذي رجحه الكاتب لمستقبل دولة كوردستان.
لقد استند الكاتب في نتيجته هذه على المقارنة السردية بين حالة نشوء قيام دولة اسرائيل والوضع في كوردستان المتجهة نحو الاستقلال ليتوصل إلى نتيجة مبتورة، ـ طالما ليست مثل اسرائيل فهي حكما مثل فلسطين، والتي لم يقارن وضعها مع وضع كوردستان على غرار مقارنته بين دولتي اسرائيل و كوردستان.
لا شك لو أن الكاتب اعتمد مقارنة موضوعية بين الحالات الثلاث لكانت نتيجته غير ذلك، و لو اعتمد في مقارنته بين مقدمات إعلان دولة إسرائيل، والخطوات المتخذة من جانب الإدارة الكوردستانية في الإقليم لإعلان دولة كوردستان على ذات المعايير، و واضعا إياها في سياقها التاريخي بالنسبة لكلا الحالتين، كذلك لا أعتقد أنه كان يخرج بالنتيجة التي خرج بها، دون الجزم بعكسية النتيجة.
أما ما يتعلق بآلية المقارنة فرغم التقارب الواضح المعالم بين الحالة الإسرائيلية والكوردية ـ و رغم إقراره بتقدم الحالة الكوردية ـ نجد انتقال الكاتب إلى الإسهاب في إبراز ما هو مواضع خلاف ـ من وجهة نظره ـ وتجنب التأكيد على حالة التقارب تلك كما هو وارد في قوليه :" . بعد ذلك أجرى الأكراد انتخابات وشكلوا حكومة محلية ما زالت قائمة حتى الآن. عملياً تمتعت المنطقة بحكم ذاتي واسع النطاق يقترب من حدود كيان مستقل " .
" بذل مؤسسو دولة إسرائيل جهوداً كبيرة لتعزيز وجودها وترسيخ بقائها. وهم سعوا منذ البداية لأن يتحقق ذلك على أسس ديموقراطية واستندوا إلى منظور دولتي، بعيداً من الوشائج العصبية، العشائرية أو العائلية أو الفئوية. وتشكلت أحزاب سياسية كثيرة راحت تخوض غمار التنافس الديموقراطي للوصول إلى الحكم. وانبثقت تجربة فريدة لا مثيل لها في أي مكان من العالم تمثلت في التجمعات السكنية التعاونية، الكيبوتز، لتسيير شؤون الناس وتنظيمهم في وحدات إدارية تعزز المشاركة في الأعمال الزراعية والاقتصادية "
فهل ما تحدث به الكاتب بخصوص الإدارة الكوردية من كونها تقترب من حدود كيان مستقل يتمتع بكافة مقومات الدولة ، والتي لا بد أن تكون المؤسسات في مقدمتها ، وتتم فيه انتخابات تحت إشراف مراقبين دوليين والتي بدورها تتطلب وجود أحزاب متنافسة ،لا يفي بتصور من جانبه يقارن بما كانت عليه حالة دولة إسرائيل قبيل إعلانها ؟
لا شك إن التفاتة سريعة منه على وثيقة إعلان قيام دولة إسرائيل كانت تضعه أمام حقيقة، أن كل ما تتسم به دولة إسرائيل من مزايا وتفوق لم يكن لها أثر في المرحلة السابقة لإعلان الدولة بقدر ما كانت نتيجة لظروف دولية اقتضت بها مصالح الدول العظمى آنذاك بالإقرار بقيام دولة قومية لليهود على أرضهم التاريخية ، وما تصريح وزير الخارجية البريطاني بلفور سوى الضوء الدولي الأخضر ببدء الإعداد وتحت رعايتها لإعلان تلك الدولة. بعد عشرة أعوام من إعلان هرت سيل
" عام 1897 ميلاديا، انعقد المؤتمر الصهيوني تلبية لدعوة نبي الدولة اليهودية تيودور هرت سيل، وأعلن عن حق الشعب اليهودي في النهضة القومية في بلاده ،تم الاعتراف بهذا الحق بتصريح بلفور في الثاني من نوفمبر1917، وتم التصديق عليه بالتصويت في عصبة الأمم ..."
في حين أن الأربعين سنة الفاصلة بين التصديق الأممي على تصريح بلفور وإعلان الدولة رسميا لا يمكن أن يقارن بين حال الشعبين الكوردستاني والإسرائيلي ونضالهما من أجل إعلان دولتيهما ‘ ففي الوقت الذي رسخت فيه عصبة الأمم الحق اليهودي لإعلان دولته التاريخية ، فإنها وضعت اتفاقية سايكس بيكو موضع التنفيذ ورسخت تجزئة كوردستان والحق كل جزء بكيان مستحدث يناهض أي طموح تحرري للشعب الكوردي، لا بل تعرض خلال تلك الفترة لأبشع عمليات الإبادة والقتل والتهجير تحت أنظار دول الانتداب والدول الحليفة ، التي كانت تقدم كافة السبل والتسهيلات للشعب اليهودي للتحضير لإعلان دولته المستقلة
رغم أن أية من مؤسسات أو إدارات الدولة وحتى الأحزاب لم تكن في المشهد الإسرائيلي لحين إعلان الدولة. كما يرد في وثيقة الإعلان .
(( ونحن نقرر أنه بدءا من لحظة انتهاء الانتداب البريطاني، الليلة، واعتبارا من صباح يوم السبت السادس من آيار عام ‎5708 حسب التقويم العبري، 15 مايو 1948، وحتى تشكيل السلطات المنتخبة والنظامية للدولة، وفقا للدستور الذي سوف تضعه الجمعية التأسيسية المنتخبة في موعد غايته الأول من أكتوبر 1948، سوف يعمل مجلس الشعب كمجلس الدولة المؤقت، والمؤسسة التنفيذية التابعة لها، هي الهيئة الشعبية، وهو بمثابة الحكومة المؤقتة للدولة اليهودية التي سوف يُطلق عليها إسرائيل، تسمى إسرائيل.))
وبالمقابل فإن الشعب الكوردستاني قادم على إعلان دولته وكما أوردنا ما ذكره الكاتب، ولديه كافة مقومات الدولة ، وإذا كان الكاتب يعترض على أداء المؤسسات القائمة لمهامها وطبيعتها وهيمنة عائلات على المؤسسات الحزبية والإدارية مقارنة بالواقع الإسرائيلي ، أو الفلسطيني ـ الذي لم يرده الكاتب في سياق مقارنته ـ فعليه يجب الأخذ بعين الاعتبار طبيعة تلك المجتمعات وبنيتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية ، والفكر السياسي ، والقيادة التي يمكن ان تنبثق منها. قبل تعديه على وصف واقع الحال الكوردستاني وتفسيره لما يمكن أن يكون عليه مستقبلا عند إعلان الدولة الكوردستانية بأنه يكون شبيها بالحالة الفلسطينية التي لم يذكرها مطلقا سوى مسألة الصراع بين حماس والفتح، وبالتالي ليس من الضرورة أن تكون الدولة الكوردية على غرار أي من النموذجين السابقين ، لماذا لا تكون حالة مغايرة لهما دون أن تتعارض مع المعايير الديمقراطية؟. أم أن الدولة الكوردية إن لم تكن شبيهة بالحالة الإسرائيلية فهي كالحالة الفلسطينية تتقاسمها القوى المتصارعة على الساحة . أما أن يسحب الكاتب الأزمات التي عصفت بالإقليم والصراع الدموي الذي حصد المئات من أبناء الشعب الكوردي خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي بتأثيرات إقليمية ودولية، ليستقي منها نتيجته، فذلك طمس لواقع الحال القائم الذي تجاوزه الشعب الكوردي، وضمد جراحه بإرادة قوية واستطاع أن يجعل منها عبرة لا يمكن أن تتكرر من خلال الانتقال إلى حالة الاستقرار، التي جعلت من كوردستان واحة للديمقراطية في المنطقة رغم عداء الجوار الإقليمي بما فيها بغداد، والفضل الأساسي بكل تأكيد يعود إلى حكمة ودراية قيادة لديها القدرة على استيعاب الآخر مهما كانت التضحيات لقاء العمل الكوردستاني المشرك للوصول إلى إعلان الدولة الكوردستانية ، قيادة استطاعت أن تقود النضال التحرري الكوردي وبجدارة من نصر إلى نصر على مدى عقود دون هوادة كان آخرها دحر الإرهاب التكفيري على امتداد الأراضي الكوردستانية ، فمن كان في الخنادق الأمامية للقتال ضد الإرهاب والاستبداد ويورث مواقع التضحية هذه للدفاع عن الأرض الكوردستانية ،لا ضير في أن يقود الدولة القادمة وبمباركة الشعب نفسه، دولة عصرية قد تكون نموذجا في شتى المجالات و في مقدمتها مجال الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
Top