• Monday, 01 July 2024
logo

(السينما الكوردية..توثيق التاريخ بلغة السينما ) كاظم مرشد السلوم

(السينما الكوردية..توثيق التاريخ بلغة السينما  ) كاظم مرشد السلوم
كاظم مرشد السلوم

الحاضر غرس الماضي والمستقبل جني الحاضر والتاريخ سجل الزمن لحضارات الشعوب والأمم ، هذا التاريخ سجل بعدة طرق ، كتبه المؤرخون ، وحفظه والرواة ، وضمنه الشعراء في قصائدهم ورسمه الرسامون الوائل على جدران الكهوف .
السينما ومنذ أكتشافها ، وبعد عرض أول فيلمين للأخوين لومير في العام 1895 ، وصول القطار للمحطة ، وخروج القطار من المصنع ، تصدت لتسجيل تاريخ الأمم والشعوب ، وإن لم تكن بقصدية أول لأمر ,بقصدية واضحة فيما بعد ، حيث وثقت للحوادث والحروب وللكوارث الكبرى ،كذلك لحياة الناس اليومية ، وسجلت كذلك حياة وتاريخ مبدعيها وسياسيها ، ملوكها ورؤسائها .
مهمة التوثيق والتسجيل هذه انتبهت لها دول العالم ، فكان ان استغلت بعض هذه الدول العديد من الوثائق المصورة ، خصوصا الاشرطة السينمائية التي سجلت المعارك التي دارت في الحرب العالمية الأولى والثانية في الحرب النفسية ضد اعدائها .
السينما الروائية كذلك استطاعت ومن خلال عديد افلامها التي انتجت في مختلف دول العالم ، ان تنهض بمهمة التعريف وتسجيل عادات وحضارات شعوب وأمم ، ربما لم نتمكن من زيارتها ، لكنها اي السينما وضعتها امام اعين المشاهدين في مختلف بقع الارض .
سينما الدول المتقدمة اصبحت لها بصمتها الخاصة لدرجة انك تستطيع ان تعرف ان هذا فيلم امريكي او فرنسي او ايطالي او الماني مع أولى مشاهد هذ الفيلم .
اللغة السينمائية بعناصرها التي يمكن تعريفها بجملة بسيطة وهي كل مايحتويه الكادر ، أصبحت لها دلالالتها ورموزها التي يستطيع صانعوا الافلام من خلالها ارسال رسائلهم القصدية الى الملتقي، هذا يعني ان السيما اصبحت فيما بعد تنهض بمهام جديدة اخرى غير التسجيل وهي مهمة طرح افكار ومفاهيم وقيم جديدة ،ويكفي القول ان واحدا من اهم اسباب سقوط الاتحاد السوفياتي السابق ، هو السينما المضادة والموجهة التي كان الغرب يبث افلامها الى شعوب الاتحاد السوفياتي .

كوردستان وانا هنا اقصد كل اراضي كردستان التي كانت موزعة بين دولتين في أول الامر ، ومن ثم في اربع دول ، لم تتوفر على سينما واضحة المعالم يمكن لها ان تتحدث عن تاريخ شعبها وحضارته ومعاناته ، وان اشتغل العديد من السينمائيون الكورد في حقل السينما في البلدان الاربع التي يعيشون في فترات متقدمة ، والاسباب ربما تكون معروفة للجميع .
الادباء والمثقفون الكورد كانوا ولفترة متأخرة يكتبون بلغة البلد الذي تقع اراضيهم فيه ، الامر الذي عد ما يكتبون ينتمي الى ثقافة وأدب هذا البلد .
لكن السينما لها لغتها الخاصة ، وبالتالي فان تاثيرها ومن خلال السرد الصوري ربما استطاعت ان توصل وتوثق بعضا من جوانب حياة وحضارة وثقافة شعب كوردستان ،لأن الكتابة والتوثيق والتسجيل هنا يتم بلغة السينما .

الكثير من السينمائيين الكورد توفر على فهم متقدم لآهمية السينما ، معتبرين ان الكاميرا هي الصورة المجازية للعين ، والعين هي الصورة المجازية لفهم الفنان المتقدم للفن والحياة .
لذلك استطاعوا ان ينتجوا افلاما مهمة استطاعت ومن خلال مشاركتها في العديد من المهرجانات المحلية والعربية والعالمية وحصولها على جوائز مهمة من ان تنقل للمشاهد في مختلف ارجاء العالم طبيعة حضارة وثقافة وعادات الشعب الكوردي وحجم معاناته .
هنا تكمن اهمية الصناعة السينمائية وخطورة خطابها الثقافي والسياسي التحريضي .
هذا الامر لايشمل سينمائيو كردستان العراق فقط ، بل كوردستان ايران وتركيا وسوريا وان تفاوت المستوى الفني بين بعظهم البعض ، ربما بسبب طبيعة الاهتمام والدعم المقدم هنا او هناك .

ولو توقفنا عند تجربة مخرجين كورديين مهمين هما هونر سليم من كوردستان العراق ، وصاحب الافلام المهمة ، الكيلو متر صفر ، وفيلم " فودكا ليمون " وفيلم كباب كونيكشن " ، " وفيلم ما وراء الاحلام ، وكذلك فيلم " ان مت سأقتلك ، والمخرج بهمن قوبادي من كوردستان ايران ، صاحب افلام " زمن الخيول المخمورة " وفيلم السلاحف يمكن ان تطير " وفيلم " نصف قمر " ، وكذلك الفيلم المهم " موسم الكركدن " الذي انتجه المخرج الاميركي الشهير مارتن سكورسيزي وبطولة النجمة الايطالية الشهيرة مونيكا بيلوتشي ، وبطلة المسلسلات التركية الشهيرة بيرن سات ، لوجدنا ان همهما الأول هو توثيق حالة المعاناة والالم التي تعرض لها الكورد لعقود عدة .
يقول هونر سليم وهو من مواليد مدينة " عقرة " في العراق ،كنت اتسأل وانا صغير لماذا التلفزيون الوحيد في بيتنا يبث برامجه باللغة العربية ونحن في كردستان ، وهذا السؤال الجرح ظل يلازمني الى الان ، وله جملة مؤثرة يمكن ان تكون المدخل التحليلي والنقدي لأفلام التي اخرجها يقول فيها " إن ذاكرتي الكوردية بيضاء " هذه الجملة توضح مدى الالم الذي يعتصر قلب هونر سليم ، ولا يكاد اي من افلامه ان يخلو من طرح مايشعر به من الم هو او الشعب الكوردي قاطبة نتيجة الحيف الكبير الذي تعرض له على يد انظمة مختلفة ، والذي يختصره بجملة اخرى مؤثرة "في المساحات البيضاء المغطاة بالثلوج كان لباس امي أسود والحزن كذلك " .

المخرج بهمن قوبادي هو الاخر يقول واصفا حجم ومعاناة ان تكون كورديا في بلد لايحترمك " على المرء في كوردستان ان يكون بالغا منذ لحظة ولادته " ، هذا القول نجده متجسدا في فيلمه المهم " زمن الخيول المخمورة " حيث تمتهن كرامة الانسان يوميا في رحلة عمل شاقة للأكراد الذين يعيشون على الحدود العراقية الايرانية ويمتهنون التهريب لضمان عيشهم ، ويسقون خيولهم الخمر لتحمل الطقس البارد ووعورة طريق التهريب ، فاذا كانت الخيول لاتتحمل ذلك إلا وهي ثملة فكيف يمكن لانسان يافع ان يتحمل كل تلك المشقة .
في مهرجان دهوك السينمائي الاول الذي عقد في ايلول 2012 ، كان هناك العشرات من السينمائيين الكورد ، ومن مختلف دول العالم ، ورغم اختلاف البلدان وتباعدها الا ان جميع افلامهم كانت تحمل قضية شعب واحد هو العشب الكوردي ، وان اختلف مكان وزمان الحكاية ، هذه الافلام توفر البعض منها على دراية كبيرة بالصنعة السينمائية وأستخدام عناصر اللغة السينمائية ، وتفاوت مستوى البعض منها في العديد من النواحي الفنية والتقنية
اخلص الى القول بان السينما بنوعيها الوثائقي والروائي كانت احدى اهم وسائل تسجيل تاريخ الشعوب والامم ، واصبحت تبعا لذلك بالغة الاهمية للدول والشعوب التي تعنى بتسجيل هذا التاريخ ، والشعب الكوردي سواءكان في العراق او البلدان الاخرى احوج مايكون الى النهوض بصناعة السينما ، وهو الذي حرم منها ومن انتاج افلامه الخاصة لعقود عدة وفي ظل أنظمة مختلفة . مدن كردستان العراق تفتقر الى مقومات الانتاج السينمائي العالمية التي يمكن من خلالها النهوض بالسينما الكوردية ، فالبنى التحتية تكاد تكون معدومة ، مثل الاستوديوهات ، صالة العرض السينمائي التي توفر على تقنيات عرض حديثة ، كذلك فان العاملين بحقل السينما بحاجة الى الدعم الحكومي حتى يصبح هناك انتاج سينمائي كوردي يمكن ان يعيد كتابة التاريخ ، تاريخ الشعب الكوردي بلغة عالمية يفهما الجميع هي لغة السينما .
فهل سنشهد في القادم من السنين نهضة سينمائية كوردية ، الامر مرهون بمدى استجابة المهتمين بالشان السينمائي بذلك ومدى الدعم الذ يمكن ان يقدم لها .
Top