فرصة ثانية قصة قصيرة: عبير ربيع الجامع
عندما اصبحت في مرحلة النضج انصدمت بالواقع المرير الذي بدأت تعيشه لأنها وجدت فرق كبير بين مرحلة الطفولة السعيدة المليئة بالمرح والحرية المطلقة ومرحلة النضج التعيسة المعقدة المليئة بالقيود، في هذه المرحلة عرفت انها مقيدة بقيود منذ ان ولدت بدون اي ذنب تقترفه وكانت اول هذه القيود والمصاعب يجب ان تترك دراستها ، الجميع من اخوانها واقربائها وقفوا ضد ان تكمل دراستها مثل باقي بناتهم,
هذه من عاداتهم السيئة تترك الفتاة دراستها عند مرحلة معينة مجرد ان تتعلم القراءة والكتابة وبعدها تترك المدرسة وتتزوج وتربي الاطفال, لكن اسماء لم تستسلم لهذا الاوامر القاسية الظالمة بحقها, بقيت حزينة تبكي و تذرف الدموع الا ان اقنعت والدها تكمل معهد المعلمات كان هذا انسب طموح يتناسب مع الوضع التي هي فيه, لم تدم فرحة اسماء طويلا كان الحزن مرافق لها طوال فترة دراستها لان اقربائها واخوانها لم يتركوها لحالها كانوا يراقبوها عندما تذهب و تعود ومع من تلتقي، بقيت مهمومه وتشعر بالقيود والظلم ، كانوا يفتعلوا الحجج والمشاكل لكي تترك الدراسة ، ربما لأنها كانت ذات وجه حسن وعيون جميلة واسعة ملونة، تسحر كل من راها ، وفي نفس الوقت مهذبة عفيفة تفرض الاحترام على الجميع لنقاء روحها وحسن خلقها،
حدث الامر المحتوم الذي ممكن ان يحدث مع كل فتاة بمواصفات اسماء أنعجب بها شاب مثقف محترم ذو خلق حسن، انه امر اعتيادي لا توجد اي غرابة في الموضوع أمر يحدث لأغلب الناس دون استئذان او تخطيط, أستمر هذا الشاب يأتي كل يوم الى المعهد يصل اخته التي كانت طالبة في نفس المرحلة ويرى اسماء بطريقه يوم بعد يوم, تعلق قلبهُ بها واصبحت عنده كالشمس عندما يريد لحياته ان تضيئ وكالبحر عندما يريد لهمومه ان تغتسل وكالمطر عندما يشعر بالعطش ،وكذلك هي شغفت به حبا , لكن هذا الحب زادها هما وحيرة تسأل نفسها كيف تستمر بحب هذا الرجل الذي يعتبر غريب عن عائلتها وهي مقيدة ومراقبة ، بقيت ايام مهمومة وشاردة الفكر تغيرت احولها قل نومها فقدت شهيتها للطعام, الا ان انتبهت والدتها على التغير الذي طرأ عليها وسألتها عن السبب الذي هز كيانها وقلب تصرفاتها، كانت مترددة في البداية ان تخبر والدتها ، لكنها في النهاية اخبرتها عن السبب الحقيقي ، اصابة الام بالذعر واستمرت تلومها على امر حدث دون قصد وكأنما اقترفت ذنبا كبيرا وخرجت عن طاعه الاهل وعادات العشيرة، أمرتها ان تنساه وتعتبره من الامور المستحيلة ان تتحقق ويوافق والدها ان تتزوج بهذا الرجل الغريب، كانت تعلم ان والدها اختار لها الرجل الذي تتزوجه كان من اقربائه، لكن لا يوجد شيء مستحيل في الحب ، الانسجام الروحي والفكري بين شخصيين هو الذي ينتصر في النهاية على العادات والتقاليد الخاطئة ويمحي جميع الفروقات بين البشر, تقدم الشاب لخطبتها مثل باقي الناس لكنه رفض من اول يوم رفضا قاسيا ولم يلق اي ترحيب من اهلها ، عاد منكسرا حزينا وفي نفس الوقت لم ييأس من حبها كان له امل كبير ان تصبح من نصيبه ، لم يحاول ان ينساها رغم كل هذه الصعوبات والمخاطر , اجمل شيء في الدنيا هو الوفاء وهو يمتلك تلك الصفة الانسانية،
انذهلت اسماء من الحقيقة التي انكشفت امامها ، تسأل نفسها كيف تحول الرجل الذي تفتخر به وبنيت كل احلامها بوجوده الى سببا في المها وحزنها وتهديم كل امالها، اصبح كل شيء كان جميل بنظرها الى أكذوبة كبيرة فقدت الثقة بكل من حولها، اكملت الدراسة في المعهد بعد المعاناة واصبحت معلمة محترمة محبوبة من قبل الطالبات ، قرر والدها ان تتزوج من احد اقربائه دون أخذ موافقتها، استسلمت لهذا الزواج لم تجد احد يقف بجنبها ،الجميع لم يتدخلوا الامر عندهم جدا اعتيادي ، كان شعورها يختلف عن كل فتاة تتزوج كانت يأسه منكسرة ، اصبحت عيونها الجميلة ذابله زال بريقها ترى الدنيا بلون اسود والناس عقارب، الجميع فرحيين غير مبالين يرقصون ويغنون ، قررت ان تفعل مثلهم لا تبالي وتفرح ، ربما تخدع تخدعهم او تخدع نفسها وتمثل لان الجميع ممثلين بارعين وقامت من مكانها ترقص بحركات سريعة حتى سقطت ارضا مغمي عليها ، نقلت الى المشفى أخبرهم الطبيب انها مصابة بصدمة نفسية قوية تحتاج فترة من الزمن لتستعيد صحتها لكن تبين في ما بعد لم تشف من هذا المرض وكانت هذه الصدمة بداية لمرض عصبي مزمن ، تأخذ العلاج مدى الحياة تنتابها نوبات اغماء مفاجئ يسمى الصرع ، هذا المرض نتيجة للظروف القاسية والتعامل السيئ والعادات والتقاليد الخاطئة ،
لم تمر فترة طويلة على زواجها من هذا الرجل الساذج كان قاسي القلب، ساء معاملتها ولم يقدر انها مريضة ويخفف عنها المرض، قرر ان يطلقها بعد ثلاث اشهر من الزواج، لا توجد اي غرابة في موقفه ، هذا نتيجة زواج خالي من العواطف والانسانية ، وهناك تباين كبير في الثقافة والفكر بين الشخصيتين ، الموقف الاكثر الما في الحياة هو يتخلى اشخاص عنك لأنك لا تملك الجرأة والقساوة لتتخلى عنهم والغريب في الامر انت كنت تتمنى هذا اليوم ان يأتي لكنك سوف تحزن في البداية، وتشعر بالارتياح بعدها ، هذا الذي حدث مع اسماء ، حزنت كثيرا وبعد فترة شعرت بالراحة انها تخلصت من عبئ ثقيل كتم على انفاسها،
ذهبت أسماء الى المحكمة لتكملت باقي اجراءات الطلاق، كانت سعيدة وتشعر بالحرية كأنها كانت بسجن واطلق سراحها ،
كم من الامور الغريبة التي تحدث للإنسان في المستقبل لم يتوقعها العقل ولم يتخيلها حتى في الاحلام , اثناء مراجعتها للمحكمة رأت الموظف الذي اكمل اجراءات الطلاق وانذهلت عند معرفته قالت شيء لا يصدق : هي حياة ندين بها لمصادفة اللقاءات. تكلمت باندهاش جميل لا يخلو من الذعر ما توقعت ابدا ان اراك هنا. رد مازحا ماذا افعل كل شيء يعيدك لي.
القصص معها تبدا كما تنتهي كانت تتأمله بارتباك المفاجأة، تسأل نفسها هل يعود الحب من جديد بعد كل هذه المحن،
بعد فترة من طلاقها تقدم الشاب الصبور مرة ثانية لخطبتها لكن هذه المرة كان متفائلا واثقا من نفسه طلبها من اخوها في البداية ، اقتنع والدها في هذا الزواج في النهاية.
يوجد سؤال ملح للغاية لماذا وافق بعد هذه المحن يوجد جوابين محتملين ربما شعر بالذنب الذي اقترفه بحق هذه الانسانة المسكينة وكانت هذه الفرصة الالهية لتصحيح الاخطاء التي ارتكبوها في الماضي، والجواب المحتمل الثاني لأنها اصبحت عبئا ثقيلا عليه بعد ان تمرضت بهذا المرض القاسي المزمن لكن سبحانه وتعالى لا ينسى عباده عوضها وسخر لها الرجل الصالح الصبور كان خير مثال للوفاء والعطاء والانسانية