• Sunday, 30 June 2024
logo

أصوات عربية وكوردية وأرمنية تنطلق على إيقاع موسيقى إيرانية لنصرة السلام

أصوات عربية وكوردية وأرمنية تنطلق على إيقاع موسيقى إيرانية لنصرة السلام
«صوت الموسيقى دائما يعلو على أصوات الرصاص والقنابل.. وإرادة السلام دائما تنتصر على إرادة الحرب»، بهذه الجمل قدم الفنان الموسيقي الكوردي الإيراني بيمان حيدريان الأمسية الموسيقية التي أقيمت أخيرا في إحدى صالات جامعة سوس (للدراسات الشرقية والأفريقية)، التي حملت عنوان «الحرب والسلام».



وشارك في الامسية الموسيقية المتنوعة كل من الفنانة العراقية الأرمنية المغتربة في النمسا ريتا موفسيسيان، واللبنانية كريستيل مدني، وعازف العود اللباني نجيب كوتية، والمطربة الكوردية العراقية إيفان عبد الله، وعازف العود الإيطالي فرانسيسكو إينوزيلي، والموسيقية الكندية ديردير مورغان.



وكما تنوع المغنون والموسيقيون بانتماءاتهم القومية أو الإثنية، فإن الجمهور الغفير الذي ازدحمت به مقاعد الصالة، هو الآخر كان أكثر تنوعا، فكانوا من العراقيين والإيرانيين (عربا وأكرادا) واللبنانيين والأرمن والأوروبيين، وهذا التنوع، سواء من الفنانين أو الحاضرين، منح للحفل سحر تألقه وجمالياته الإبداعية.



حيدريان المولود في شيراز، الذي سيحصل قريبا على شهادة الدكتوراه في الموسيقى من جامعة سواس، استهل الحفل بالعزف على السنطور، وما إن بدأت مطارقه تداعب أوتار السنطور، تلك الآلة الموسيقية الموغلة في القدم؛ حيث يعود تاريخها إلى سومر وبابل (6 آلاف عام) قبل أن تنتقل إلى فارس؛ إذ إن المشتركات الحضارية متداخلة في المنطقة، حتى نقلتنا إلى أشعار عمر الخيام وأجواء فارس بأناشيدها الروحية التي تقترب من تصوف الرومي، ليكمل سيمفونيته المختصرة بالضرب على الدف الإيراني قبل أن يغير مكانه ليجلس وراء البيانو ولترقص أصابعه بحرية على هذه الآلة الغربية ولتأتي موسيقاه متناغمة مع السنطور والدف.. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لو فتحنا آلة البيانو لوجدنا في داخلها سنطورا، أصابع البيانو إنما هي مطارق صغيرة تضرب على أوتار سنطور كبير داخل صندوق البيانو»، ويوضح: «لكن عشقي الكبير هو للسنطور بالتأكيد، لأنه ينقل ما بداخلي من أحاسيس وتراث موسيقي متراكم عبر الأشعار والبيئة، ويترجم طاقتي الإبداعية بموسيقاه التي أعتبرها تشكل مشتركا بين جميع الآلات الموسيقية الشرقية».



حيدريان الذي بدأ مشواره مع الموسيقى منذ أن كان في الخامسة من عمره قبل أن يدرسها، حتى حصوله على شهادة البكالوريوس من جامعة شيراز، استفاد من تقنيات الكومبيوتر لتطوير أنظمة مبتكرة لتحليل إشارات الموسيقى الفارسية، وهو اليوم يترأس جمعيات موسيقية بما في ذلك جمعية للموسيقى من الطلبة الإيرانيين، كما أسس أوركسترا للموسيقى الوطنية، ويحرص على تقديم الموسيقى الشرقية عبر أمسيات يشرك فيها آلات موسيقية شرقية تراثية مثل العود والجوزة والدف وبقية الإيقاعات، وشارك في مهرجانات موسيقية عالمية حاصلا على جوائز رفيعة في هذا الفن الراقي.



ما يميز حيدريان هو حماسته واجتهاده وطموحاته التي يترجمها إلى واقع، فهو، وكما يوضح إيد إيميري، مقدم الحفل، «يشرف على كل شيء منذ التفكير بالحفل الموسيقي مرورا بكل التحضيرات الفنية والتقنية، وفي ذلك يدفعه حرصه لأن تكون النتائج متقنة وناجحة».



وانطلاقا من هذا الحرص، استطاع حيدريان أن يجمع في صالة واحدة عازفين من النمسا والعراق وإيطاليا ولبنان وكندا على الرغم من أن الإمكانات المادية محدودة وتعتمد على تذاكر الحفل.



مفاجأة الحفل الموسيقي كانت المطربة العراقية الأرمنية ريتا موفسيسيان، التي كانت مفاجأة برنامج «ذي فويس» بنسخته الثانية عندما غنت في مرحلة الاختبار الأولى أغنية من التراث العراقي «نوبة مخمرة ونوبة مغشاية» وشدت انتباه لجنة التحكيم وفي مقدمتهم كاظم الساهر الذي ضمها إلى فريقه. جاءت ريتا من مدينة سالزبورك النمساوية التي تقيم بها منذ أكثر من 21 سنة، مؤثثة بابتسامتها وبمفرداتها العراقية الأصيلة، وما إن بدأت الغناء حتى شعر الحضور بأنهم عند شاطئ دجلة ببغداد التي ما زالت هذه الفنانة تحملها بصوتها وروحها وأغانيها التي استلهمتها من الرائدات مثل سليمة مراد وعفيفة إسكندر ومائدة نزهت. غنت ريتا وعلى مرحلتين، نزولا على طلبات الجمهور الذي صفق لها بحرارة وتفاعل معها، «نوبة مخمرة»، و«طالعة من بيت أبوها»، و«جا مالي والي»، و«بنت الجلبية» و«مقام أورفة»، كما غنت من التراث الأرمني.



تناغم ريتا بأسلوب غنائها بين الأوبا معتمدة على خامة صوتها الأوبرالي، وتجديد الأغاني التراثية البغدادية لتأتي هذه الأغاني بتوقيعها من دون أن تفقد أصالتها بيد أنها ذات نكهة مضافة، ففي صوتها تلتقي حضارات شرقية وغربية مكونة مزيجا فنيا متفردا، مؤكدة أن الأغنية العراقية الأصيلة لا تفقد عمقها من حيث الكلمات أو الموسيقى أو الأداء.



ولدت ريتا في بغداد عام 1968، وهي بنت وحيدة لأبويها، وكلاهما موظف متقاعد. غادرت العراق عام 1989 إلى النمسا بعد زواجها من رجل نمساوي، ورغم أن دراستها بعيدة عن الفن، فهي حاصلة على دبلوم في التجارة وإدارة المناسبات الثقافية، وعملت في السكرتاريا والمراسلات، فإن عشقها للغناء منذ الطفولة دفع بها لاحتراف الفن.



تقول لصحيفة ـ«الشرق الأوسط»: «أنا بنت عائلة أرمنية عراقية تعشق الفن والموسيقى على الرغم من أن والديّ لم يكونا فنانين، لكنها كأي عائلة بغدادية متوسطة، فهي تعتمد في ثقافتها على الموسيقى، فالبغداديون؛ بل غالبية العراقيين، يعشقون الموسيقى والغناء، وليس هذا بغريب على بلد أبدعت حضارته وقبل أكثر من 6 آلاف عام القيثارة السومرية (توجد 4 نماذج منها في المتحف البريطاني)»، مستذكرة أنها كانت قد غنت «بنت الجلبية»، وهي في الثانية عشرة من عمرها.



تتحدث ريتا عن بغداد وكأنها تركتها بالأمس، معبرة عن حنينها لمهد طفولتها وصباها «بالأغاني التي أؤديها في جميع حفلاتي، ويسعدني أن أغنيها بين جمهور العراقيين الذين يمنحونني حرارة وتفاعلا يجعلانني أكثر إبداعا مثلما حدث في حفل الليلة، حيث أعدت مقاطع من الأغاني بأساليب مختلفة تفاعل معها الجمهور وراح يصفق ويغني معي مع أن الجمهور متنوع وليس كلهم من العراقيين أو العرب».



عن تجربتها في برنامج «ذي فويس»، تقول: «كانت تجربة مهمة جدا، عندما قررت المشاركة لم أكن أسعى إلى لقب بقدر ما كنت أريد أن أنشر الغناء العراقي بأسلوبي الذي يزاوج بين الأداء الغربي والعراقي بخامة صوتي، لكنني كنت متأكدة من أني سأحقق أمورا مهمة، وقد تحققت، حيث تعلمت الكثير من الدروس الفنية في هذا البرنامج، وكان اهتمام الفنان كاظم الساهر الذي ضمني إلى فريقه، عاملا إضافيا لتطوير تجربتي».



شاركت في الحفل الموسيقي اللبنانية كريستيل مدني التي كانت هي الأخرى مفاجأة مضافة عندما غنت «فوق النخل فوق» على موسيقى عود نجيب كوتية وسنطور حيدريان.



كريستيل قالت: «هذه هي المرة الأولى التي أغني فيها أمام جمهور، أنا عادة أغني بين أهلي والأصدقاء، لكني هنا شعرت بفرصة كبيرة لأن يتعرف الجمهور علي»، مشيرة: «إنني لست مغنية، بل أنا أكمل دراستي العليا في لندن في مجال المسرح ووصلت من بيروت منذ أقل من شهرين».



تمتاز كريستيل بحضور مؤثر في الجمهور وبأداء متمكن وواثق للغاية، وهي حتى الآن لا تعلم «إن كنت سأواصل طريقي في الغناء أم أبقى مجرد هاوية».



كما أثرت المطربة الكوردية إيفان عبد الله، من مدينة السليمانية، ثاني مدن إقليم كوردستان العراق، بصوتها الجبلي وأغانيها الكوردية، الحفل ومنحته مزيدا من التنوع، وإثراء لمفهوم السلم، فالموسيقى لا تعرف لغة أو دينا أو قومية، بل هي إنجاز حضاري إنساني كبير»، كما قالت.



مقدم الحفل إيد إيميري، تحدث بداية عن «الحرب العراقية - الإيرانية التي لم تفرق بين شعبي البلدين، لأنه تجمعهما صلات حضارية إبداعية، والحضارة هي التي تبقى والحروب تذهب بدمائها وضجيجها ومآسيها»، موضحا الكثير من الأفكار حول الموسيقى الشرقية التي تجمع بين نتاجات المبدعين العراقيين بعربهم وكردهم والمبدعين الإيرانيين، كما قدم نبذة مختصرة عن المشاركين في الحفل الموسيقي وإنجازاتهم.
Top