• Friday, 17 May 2024
logo

الأبعاد السياسية للنظام الانتخابي الجديد

الأبعاد السياسية للنظام الانتخابي الجديد
شورش حسن



مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها في السادس من حزيران 2021، تتصاعد وتيرة النقاشات داخل وخارج قبة مجلس النواب العراقي بين مؤيدٍ ومعارض لمشروع قانون تم التصويت عليه ولم يخرج الى حيز الوجود لحد الان، ليكون قانوناً نافذاً في تلك الانتخابات التي يعول عليها الخصماء السياسيون كموعدٍ يراد له ان يكون فاصلا بين عهدين قبل وبعد تلك الانتخابات.

ومع ان الواقع العراقي يعاني من عدة اشكالات معقدة على جميع المستويات السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية وليست هنالك رؤى واضحة للخروج من هذا المأزق المعقد، وسط انقسامات برلمانية وسياسية شديدة، يريد الكل الخروج منها منتصراً عبر عملية انتخابية تتكرر بنفس الوتيرة من التعقيد والتأزيم سميت بالانتخابات المبكرة، انتخابات للمرة الاولى تشهد التحول من نظام التمثيل النسبي الذي اعتادت عليه جميع الانتخابات السابقة بعد 2003 الى نظام الاغلبية الذي اقره مشروع القانون الجديد وسط غموض وارباك وتناقض في بنوده ومواده، وكانه كتب لكي يواجه رفضا شديدا من قبل كتل برلمانية كبيرة لاتزال تحكم بمسارات العملية السياسية منذ سنوات ليست بالقليلة.

القانون كعادته حينما يخرج الى حيز الوجود والنفاذ دائما ما تختم اخر بنوده بالأسباب الموجبة لتشريعه، بمعنى الضرورات التي اقتضت تشريع هذا القانون والاسباب التي دفعت المشرع الى الاتيان بقانون جديد لا تتشابه مواده وبنوده وفقراته مع ذلك الذي كان قبله، لأسباب عديدة دائما ما تكون المصلحة العامة عنوانها.
ولو رجعنا الى الاسباب الموجبة لهذا القانون لرأيناه كالاتي ( بغية اجراء انتخابات حرة ونزيهة وتجرى بشفافية عالية، ولغرض تمثيل ارادة الناخب تمثيلا حقيقيا، وفسح المجال للمنافسة المشروعة ومنح الفرص المتكافئة والارتقاء بالعملية الديمقراطية ).
هذه الاسباب كلها لا يختلف عليها اثنان وكلها موافقة للعقل والمنطق ومن مقتضيات الضرورة السياسية، وتمثل احد اوجه المطالب الجماهيرية التي كانت احد الاسباب الرئيسة لهذا القانون. لكن ما يجب التساؤل حوله هل ان القوانين السابقة لم تكن تحتوي على تلك الصفات الجيدة؟ وهل يعد القانون الجديد تحولا كبيراً في النظام الانتخابي؟ وانه سوف يجلب معه الاستقرار السياسي والتمثيل الحقيقي للشعب والمنافسة المشروعة والديمقراطية الموعودة؟

وللإجابة على تلك التساؤلات نمر سريعاً على الانظمة الانتخابية التي جربت في الانتخابات السابقة والمالات السياسية لها ومن ثم نسلط الضوء على الابعاد السياسية للقانون الجديد:
اولا : الانظمة الانتخابية التي طبقت في الانتخابات التشريعية السابقة
بداية لابد من القول ان تنوع وتعدد الانظمة الانتخابية دليل على انها قد تناسب دولة ما ولا تناسب دولة اخرى بحسب السياقات التاريخية والسياسية والدستورية ، وما تنوعها الا دليل على احتوائها على نقاط قوة وضعف، وعلى مقتضيات تطبيق او اسباب عدم تطبيقها، ونحن اذ نمر سريعا على التجربة الانتخابية في العراق لا نعود الى ما قبل 2003 حيث لا انتخابات حقيقية وفق المعايير المعروفة للانتخابات.

وبعد 2003 ولحد الان شهد العراق خمسة انتخابات تشريعية فضلا عن عدة انتخابات لمجالس المحافظات وكذلك انتخابات تشريعية ورئاسية في اقليم كوردستان، وما نحن نركز عليه هي الانتخابات النيابية العراقية فقط التي هي موضوع مقالنا.
استندت اولى الانتخابات العراقية التي جرت في 30-1-2005 الى امر سلطة الائتلاف المرقم 96 لسنة 2004 حيث اعتمد نظام التمثيل النسبي وفق صيغة القائمة المغلقة وكان العراق دائرة انتخابية واحدة وتبنى نظام ( الباقي الاقوى ) لتوزيع المقاعد البرلمانية البالغة 275 مقعدا، ومن اهم ميزات ذلك النظام، أن الاحزاب السياسية كانت حرة في اختيار وتسلسل مرشحيها دون التأثر بآراء الناخبين، وأن الاحزاب الصغيرة والمتوسطة ايضاً استطاعت الوصول الى البرلمان، حيث استفادت من كون العراق دائرة انتخابية واحدة التي كانت تصب في عدم ضياع الاصوات المتفرقة.

ثم جرت الانتخابات التشريعية الثانية في نفس السنة في 15-12-2005 بعد ان كانت المهمة الرئيسة للجمعية الوطنية التي تم انتخابها هي كتابة الدستور وعرضه على الاستفتاء وتشريع قانون الانتخابات واجراء الانتخابات بناء عليه.
استندت ثاني الانتخابات التشريعية الى قانون رقم 16 لسنة 2005 اعتمد هذا القانون ايضاً نظام التمثيل النسبي والاختلاف الذي طرأ عليه هو جعل العراق دوائر متعددة بنسبة 18 دائرة على اساس 18 محافظة عراقية، مع الاحتفاظ الجزئي بالدائرة الانتخابية الواحدة حيث وزعت 230 مقعداً على 18 دائرة فيما وزعت 45 على الدائرة الواحدة سميت بالمقاعد الوطنية.

ثم تم تعديل هذا القانون بالقانون رقم 26 لسنة 2009 اي قبل اجراء الانتخابات النيابية لسنة 2010. واهم التعديلات التي اتى بها القانون الجديد هو القائمة شبه المفتوحة بعد ان تراجعت اغلبية القوى السياسية عن تبني القائمة المفتوحة التي كانت موضع نقاش داخل برلمان، بحيث كان بإمكان الناخب ان يصوت للمرشح الذي يريده بعد ان يقوم بترشيح القائمة التي ينتمي اليها، وكذلك زيادة المقاعد البرلمانية استنادا الى المادة 49 من الدستور حيث لكل 100 نسمة مقعد ليكون عدد مقاعد البرلمان 325 مقعداً، مع تخصيص مقاعد للمكون المسيحي.

اعتمد هذا التعديل معادلة غريبة في احتساب الاصوات بناء على ما اسماه المعدل الوطني والذي هو عبارة عن ناتج قسمة مجموع الاصوات الصحيحة على عدد مقاعد الدائرة الانتخابية مطروحا منها الاصوات الصحيحة للمكونات، واحتساب الاصوات وفق طريقة (سانتليغو المعدل) بواقع (1.4،3،5،7..) على الارقام الفردية. وللفوز يجب وصول الاصوات الى القاسم الانتخابي الذي يتحدد وفق الدائرة الانتخابية الواحدة. واعتماد هذه الطريقة في احتساب الاصوات ادى الى حرمان الاحزاب الصغيرة والمتوسطة من الحصول او الاحتفاظ بمقاعدهم البرلمانية حيث تم تعديل طريقة (سانتليغو الاصلي) التي كانت تقسم الاصوات على الارقام الفردية دون الكسور ، فتم تعديل الرقم الاول من (1 الى 1.4) والذي اعتبر بمثابة عتبة انتخابية، والقائمة التي لاتصل اصواته الى القاسم الانتخابي سوف تحرم من التمثيل النيابي، بل اضافة الى ذلك ستذهب اصواتها الى قائمة اخرى تجاوزت اصواتها العتبة الانتخابية، وبذلك ابتعد المشرع عن الاسباب الموجبة لتشريع القانون الذي ادعى التمثيل العادل لجميع فئات الشعب العراقي. واخيراً تم تعديل هذا القانون ايضا بالقانون المرقم 43 لسنة 2013 وابرز ما جاء في التعديل رفع العتبة الانتخابية من (1.4 الى 1.6). ومن رفع مرة اخرى في انتخابات 2018 الى (1.7) ليكون حاجزا كبيراً امام صعود الاحزاب الصغير والمتوسطة.

ولنا على ما سبق عدة ملاحظات نجملها كالاتي :
1- كان المبرر الاساسي لتبني نظام التمثيل النسبي في العراق انه النظام اكثر انصافاً وعدالةً من نظم الاغلبية التي تحرم فئات كبيرة من الشعب من التمثيل البرلماني، لكن الواقع الذي تجسد في تلك الانتخابات انها ادت الى نفس النتيجة وبطريقة اخرى حيث تحكمت القوى السياسية الكبيرة بزمام العملية السياسية عبر مقاعدها الكبيرة في البرلمان.

2- كانت الاستراتيجية المبنية على اساسها نظام التمثيل النسبي هو تجسيد التعددية الحزبية سيما ان العراق تحول من نظام الحزب الواحد الى التعددية الحزبية، لكن هذه التعددية كرست الانقسام السياسي من جهة فيما ادى الاستحقاق الانتخابي الى المحاصصة ذات السمعة السيئة من جهة، والى شل الحكومة وعدم قدرتها على تنفيذ برنامجها من جهة ثانية فضلا عن صعوبة تشكليها ابتداءً.

3- التعديلات الكثيرة التي تمت على طرق احتساب الاصوات كانت دليلا على ان الخبرة الانتخابية في العراق لم تكن بالمستوى المطلوب، وان الاحزاب السياسية الكبيرة تعاملت مع العملية الانتخابية وفق استراتيجية الحصول على اكبر عدد من المقاعد، ولم يكن من منطلق تأسيس نظام انتخابي يناسب الدولة العراقية.

ثانيا : الدلالات السياسية للقانون الجديد

القانون الجديد لايزال في طور مشروع قانون رغم التصويت عليه لكن لم يتم المصادقة عليه، ولم ينشر في الجريدة الرسمية، فهو يشوبه الكثير من التناقض والغموض في الجوانب القانونية منها والفنية، وترك معالجة ذلك للأنظمة التي يجب على المفوضية اصدارها، ولاسيما ما يتعلق منها بتحديد الدوائر الانتخابية، والجمع بين نظام الفائز الاول وكوتا النساء المحدد بنسبة 25% وفق المادة 49 من الدستور، وكذلك امور فنية اخرى تتعلق بأجهزة التحقق الالكتروني والنسب المحددة في المادة (38) والاشكالات المتعلقة بها، وغيرها لا نتطرق اليها في هذا المقال.

والفارق الاساسي لهذا القانون هو تبنيه لنظام الاغلبية في المادة (15) وفق صيغة الترشيح الفردي ضمن الدائرة الانتخابية، حيث يتم ترتيب تسلسل المرشحين في تلك الدائرة وفقا لعدد الاصوات التي حصل عليها ويعد فائزاً من حصل على اعلى الاصوات وفق نظام الفائز الاول، وهكذا بالنسبة للمرشحين المتبقين.

أما ما يتعلق بالمبررات السياسية التي بنيت شرع على أساسه هذا القانون فهي كما نراه كالاتي:
1- ان نظام الاغلبية يمهد للحد من هيمنة ونفوذ الاحزاب السياسية المتحكمة بزمام السياسة منذ 17 عاما ، وذلك عن طريق زيادة الدوائر الانتخابية ومن ثم الحد من هيمنة وتأثير الاحزاب على الناخبين ، وهذا برأينا مجرد افتراض لا يمكن ضمانته على ارض الواقع ، حيث التجارب السابقة تخبرنا بان الاحزاب السياسية كانت ناجحة في التأثير على الناخبين بطرق ووسائل مختلفة، وعلى الرغم من امتعاض الشارع من القوی السیاسیة ، الا انه لا یسلك غير مقاطعة الانتخابات مثلما راينا في الانتخابات الاخيرة في 2018، تاركاً الساحة الانتخابية للجمهور الانتخابي للأحزاب السياسية.
2- ان نظام الاغلبية يشكل عامل استقرار في البرلمان ويسهل من عملية تشكيل الحكومة التي عادة ما يستغرق تشكيلها اشهراً عدة.

وهذه الفرضية تقف على الجهة المعاكسة من الفرضية الاولى، فاذا كانت عملية تشكيل الحكومة صعبة ومعقدة في السابق مع ان الاحزاب الكبيرة الفائزة تجمعها اكثر من قاسم مشترك من حيث تاريخ النضال السياسي سابقا والمصالح المشتركة لاحقا، فكيف يكون المشهد لو ان البرلمان كان اغلبه من نخب ومستقلين لا تجمعهم رؤى مشتركة ولا سياقات سياسية وتاريخية متشابهة.

وخير شاهد على ضعف هذه النظرية هو ما شهده تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2010 حيث لم تتجاوز الكتل الكبيرة في البرلمان 4 كتل انتخابية ومع ذلك تأخر تشكيل الحكومة بعد ان حسمت المحكمة الاتحادية مسالة الكتلة الاكبر التي تكلف بتشكيل الحكومة، وسط ادعاءات بانحياز المحكمة الى الجهة المستفيدة من قرارها.

3- ان نظام الاغلبية وفق طريقة الفائز الاول يغير من خارطة مراكز الثقل السياسي في البلد ، ليكون النخب والمستقلون في الواجهة السياسية.
وهذا الافتراض نسي ان هذا النظام ايضاً يمهد للنفوذ العشائري الذي لايزال قوياً وحاضراً في المجتمع العراقي، حيث ان تقسيم المحافظات الى دوائر متعددة على اساس الاقضية والنواحي يكون عاملا مساعدا جدا في توسيع النفوذ العشائري الموجود اصلاً لتتفق على ايصال ابنائها الى قبة البرلمان.

أما فيما يتعلق بالنظام الانتخابي الجديد من اصلاحات تمس الحياة اليومية للمواطن العراقي فهو مجرد افتراضات غير مضمونة النتائج ، في ظل استمرار عمليات الفساد المنظم، وظاهرة السلاح خارج الدولة، وارتفاع مستويات البطالة، وتردي الاوضاع الخدمية الى اسوأ حالاتها.

ولنا ان نتساءل اخيراً ما الذي سيغيره النظام الانتخابي الجديد بالنسبة للمواطن الذي افترش الارض وألتحف السماء ، باحثاً عن لقمة عيش كريمة في بلد يفيض جوفه ببحار من النفط منذ قرن من الزمن. متضجراً من كل الوعود السياسية التي تنفجر بوجهه من كل الاتجاهات في الحملات الدعائية التي تسبق يوم الانتخابات كسحابة ربيع تظهر ولا تمطر !









روداو
Top