• Friday, 17 May 2024
logo

المتشابهات بين لبنان والعراق

المتشابهات بين لبنان والعراق
شيروان الشميراني



الانظمة السياسية التي حكمت العالم خلال القرن العشرين كانت تتحرك من حيث الوصف النوعي بين نظامين اساسيين (الديمقراطية والدكتاتورية) بجميع مراجعها الفكرية، والحكم او الفيصل بينهما هو توفر الحريات العامة والخاصة وكلما كان منسوب الحرية اكثر كلما كان النظام اقرب الى الديمقراطية، وليس مهما هيكلية النظام بين ملكية او جمهورية أو برلمانية.

لكن في الاونة الاخيرة اي في نهايات القرن العشرين والعقدين اللذين مضيا من قرن الواحد والعشرين برز نوع من النظام ليس نظاما من الانواع المعروفة على المستوى الدولي – اقصد من الناحية العملية وليس الترتيبات الادارية، وتتعامل مع الحرية ليس وفق المبادئ الدولية المعروفة ولا وفق القوانين الدينية، بل وفق الامزجة والهوى، أي من الصعب تصنيفها، الحكم فيه ليس للشعب ولا الحريات وفق القانون، بل الحكم فيه لطائفة ليس بناء على حكم الحزب الواحد بل حكم مبني على طائفة دينية مذهبية واحدة، هي التي تتحكم في الأمور، وهي التي تشكل الدولة العميقة، وهي التي تحدد هوية الدولة وروح المجتمع، أما الآخرون من الصالحين حسب تفصال الطائفة فهم أسرى، لكنهم في مكاتب دائرية، وليس في الزنازين والمعتقلات، أما غير المرعوب فيه يكون مهاجراً أو محبوساً.

وليس كل أبناء الطائفة حاكمون، بل الموالون داخل الطائفة لأصحاب النفوذ فيها، وهنا تصغر الدائرة أكثر وتضيق على ابناء الشعب، وقد تحدث خصومات شديدة بين محاور الطائفة الحاكمة نتيجة الخلاف في وجهات النظر او على الاسس الايدولوجية أو النزاع حول الحريات، ليس كل منتم مذهبي قابل بحكم طائفي خانق، بل الدولة القائمة على مبدأ المواطنة الكاملة من دون النظر الى الانتماء الديني المذهبي والاثني، العراق ولبنان يتصدران هذا النموذج من الحكم الهجين الذي لا يمكن تصنيفه الا على مبدأ الطائفية الدينية والسياسية، والاستناد في كل بلد على مبررات او مقومات مختلفة وقد تكون متناقضة بين البلدين لكن الغاية هي التي تخلق تلك المبررات، والرسم في النهاية يكون مطابقا ومستنسخا.

فالنظام في البلدين برلماني، لكن بعيدا عن النظام الحكم وصلاحيات الكتل البرلمانية تتكون خارج الطبيعة البرلمانية للنظام، ففي العراق مثلا لن يأتي الحاكم حسب نتائج التصويت بل حسب عرف يقول انه للشيعة لأنهم يشكلون الاغلبية العددية حتى لو كانت قائمة أخرى هي التي فازت وبحكم النظام البرلماني يجب ان يحكم.

لا يوجد في الدستور ان رئاسة الجمهورية للمكون الفلاني او البرلمان والحكومة، لان من المعيب إدراجه في الدستور، لكن العرف السياسي غير الدستوري يتحكم بأن المناصب الرئاسية الثلاثة مقسومة كيفما جاء، تنتيجة الانتخابات النيابية، في العراق رئاسة الجمهورية للكورد والحكومة للشيعة العرب ومجلس النواب للسنة العرب، وفي لبنان الجمهورية للمسيحيين والبرلمان للشيعة والحكومة للسنة، هذا التقسيم غير دستوري ولا مدني ولا برلماني ولا شيء من هذا القبيل، بل يتناقض الى حد كبير مع الدستور والغاية من جعل الشعب مصدر السلطات، لو حدث هذا التقسيم مرة وفق التحالفات السياسية ممكن، أما ان يكون محسوما قبل الانتخابات، فهو من مميزات الحكم في لبنان والعراق، ومن المتشابهات بينهما.

مع وجود مؤسسات عسكرية نظامية، إلا ان البلدين فيهما مؤسسات عسكرية اقوى من الجيش النظامي، بقيادة غير حكومية، تتحدى الحكومة في سياساتها الداخلية والخارجية، لها ارتباطات خارجية حسب الانتماء المذهبي، قرارت الحرب والسلم تؤخذ بمعزل عن مؤسسات الدولة الحاكمة.

ويبقى السلاح خارج مؤسسات الدولة من اهم اوجه التشابه بين البلدين وليست قوة السلاح فقط بل حكم السلاح، محاولة ضبط والسيطرة على دماغ الحكومة والسيطرة باحكام الجسم الادارات للدولة، التحكم بملفات الدولة الصغيرة وان يكون لهذا السلاح رأي في كل شيء حتى في القضايا المتعلقة بالحياة الدموغرافية ملف النازحين واهمال التهجير مثلا، ونتائج الانتخابات ومنع والسماح لمن يصوت، بحيث ان السلاح له جناح سياسي كل ما لم يتمكن من تحقيقه يلوح باللجوء الى السلاح، من قبل كانت القاعدة حجة حقيقية وبعدها داعش حجة حقيقية في تناغم وانسجام بين الشعب والحكومة، لكن بعد داعش اختلف الامر، حيث برز مصطلح المقاومة الاسلامية الى السطح والمقصود به هو الوجود الامركي على الارض، وبما ان هذا الوجود هو باتفاق رسمي بين البلدين اذن على الحكومة اخراج هذه القوات والامتثال لقرار البرلمان بحضور شيعي مخترق باستثناء بأقل من اصابع اليد الواحدة.

أما نزع هذا السلاح حتى لو كانت برغبة الحكومة وضبطها برغبة حركة احتجاجية صاخبة فممنوع الاقتراب منه، ومن يصر فهو من ابناء السفارة، او عميل للصهيونية، لماذا؟ لأن ايران تريد ذلك، وهذه كلمة السرّ، ولطالما كان التوافق بين طهران وواشنطن على بعض الملفات في العراق او خارج العراق يثمر انخفاضا في مدى استخدام السلاح خارج المؤسسة النظامية، القضية ليست سرا، بل هي جلية والتصريح بها ليس من المحرمات ولا مما يثلم.

هذا النوع من الحكم انتج نظاما فاسدا تسبب في تعفن مؤسسات الحكومة ولا ضير في هدم البنية التحية للبلد او تحطيمها ان استوجب اذا كان الهدم والتدمير في مصلحة السلطة ومكوناتها وما آهات المسحوقين في البلدين سوى الجبن والخذلان للروح الوطنية المقاومة، الدليل مرفأ بيروت وقطاع الطاقة في العراق.








روداو
Top