خاتمة الانفال
الانفال في مفهومها الديني والتاريخي آية دينية تحلل توزيع الغنائم والسبايا فيما بين الغازين لتشجيع الناس على المشاركة في الغزو، وبمراجعتنا للتاريخ القديم وماحدث في الازمنة المتعاقبة على مر العصور التاريخية من غزوات باسم الدين وصراع امبراطوريات المنطقة كالعثمانية والفارسية والعربية المتمثلة بالغزوات والفتوحات والفرمانات والابادات والنهب والسرقة والسبي، فالابادة الجماعية للائيزديين في شنكال 03/08 /2014 هو امتداد تاريخي لتلك المأساة.
ترحيل الكورد الفيليين ،وحملة "انفالة البارزانيين" ايضاً جزء من هذه العملية حيث حاصرت القوات الامنية القمعية وجلاوزة البعث مجمعات البارزانيين العزل في صباح يوم 31/7/1983المشؤوم وقامت باعتقال8 آلاف بارزاني من عمر 9 أعوام وحتى الـ90 عاماً ونقلتهم الى جنوب العراق (نقرة السلمان)، وقامت بقتلهم ودفنهم في مقابر جماعية.
الانفال ....المرحلة الأولى: محافظة سليمانية بدأت في 22 شباط 1988 واستغرقت شهراً واحداً، وشملت أكثر من 150 قرية في مناطق دوكان وقلا جوالان وجوارتا وسورداش(سركه لو)،المرحلة الأنفال الثانية: منطقة قرداغ،و بازيان ودربنديخان في 22 لغاية 1 نيسان وفي 16/ 03/1988 قصف مدينة حلبجة بغازات الغردل والسيانيد، الأنفال الثالثة: منطقة كرميان، كلار، باونور، كفري، دووز، سنكاو، قادر كرم، في 20 نيسان من نفس العام. الأنفال الرابعة: في حدود سهل (زيي بجوك) أي بمعنى منطقة كويه وطق طق وآغجلر وناوشوان، في 3 مايس الى 8 مايس. الأنفال الخامسة والسادسة والسابعة: تم الهجوم على عدة مناطق أبرزها خليفان، سوران، جوما، رانية، قلادزي، قنديل محيط شقلاوة وراوندز في 15 مايس ولغاية 26 آب. الأنفال الثامنة:
المرحلة الأخيرة جرت في بادينان وشملت قرى من قضاء الشيخان وقرى قضاء عمادية وقضاء زاخو وقضاء عقرة، بعد ان وافق نظام ايران على وقف اطلاق النار بينه وبين نظام العراق في 1988/8/ 8 استجابة لقرار الامم االمتحدة، و وقف الحرب الضروس بين عراق وايران التى دامت ثماني سنوات وراح ضحية الحرب القذرة مليوني قتيل وجريح، استغل المقبور صدام حسين الفرصة وحرك جميع قواته العسكرية بكافة الصنوف ومدافعه الثقيلة التي سحبت من جبهات القتال مع ايران باتجاه كوردستان الامنة وخصوصاَ منطقة خواكورك حيث كان يتواجد فيها الرئيس مسعود بارزاني اذ كان يشرف ويشارك مع الپێشمهرگة الابطال في العمليات البطولية، ويتصدى لابشع جرائم الفصل العنصري ضد الانسانية الاوهي جريمة الانفال، حشد النظام البعثي قطعات كبيرة من الجيش وبمختلف صنوفه وفصائله وافواجه وقواته البرية والجوية باستخدامه للمروحيات والطائرات الحربية والدبابات المشاركة في حربه ضد ايران واسلحته (وخصوصا الكيمياوية) بالاضافة الى (قوات الجاش) التي اطلق عليها النظام تسمية افواج الدفاع الوطني وسرايا ابو فراس الحمداني، وبدأوا هجومهم المسلح على مناطق (سيدكان ولولان وخواكورك وهي في سلسلة واحدة وتقع في المثلث الحدودي بين العراق وتركيا وايران). هذا في الوقت الذي كانت للپێشمهرگة أمكانيات متواضعة قياسا بالجيش العراقي والحشود الذي كان يسانده، ورغم كل ذلك فأن الپێشمهرگة سجل عدة انتصارات على القوات الغازية منها موقعة (خواكورك) التي جاءت لتعوض شعبنا جزءاً من آلامه ومآسيه الحزينة جراء القصف الجوي من الطيران الحربي المكثف والقصف المدفعي بعيد المدى، فقد كان الايمان بقضية شعب كوردستان العادلة والمشروعة أولى بوادر النصر وأندفاعاته وبقي الرئيس بارزاني برفقة الپێشمهرگة الأبطال صامداً في خنادق الشرف والدفاع المقدس، وهنا لابد أن نتذكر بتقدير وإجلال الكلمة القيمة والشاملة التي القاها الرئيس بارزاني في خضم تلك الحرب الشرسة بقوله المشهور: ستشهد الأوضاع في العراق، عاجلاً أم آجلاً، تحولاً كبيراً فإما يضطر العدو الى مراجعة نفسه وأفكاره العنصرية إزاء البطولة التأريخية لقوات الپێشمهرگة، والمهم ان نهاية الدكتاتور المغرور تقرب الى الهاوية،لان صدام انسان دموي.
كشاهد عيان في الانفال كنت مع عائلتي واخي وعائلته من الناجين حيث استشهد والدي في سجن الموصل عام1987 وكانت والدتي حينها في سجون النظام.
نأتي الى موضوعنا ونتحدث عن المرحلة الاخيرة خاتمة الانفال بدأت في صباح يوم 25/8/1988 تحليق الطائرات الحربية في سماء كوردستان والمناطق المحررة من (بادينان) وهرع اهالي المنطقة عند سماع دوي الطائرات الحربية، وقصفها لتلك المناطق وافرغت حمولتها من القنابل العنقودية شديدة الانفجار والمحملة بالغازات السامة كالغردل والسيانيد على قرى من قضاء الشيخان وقرى قضاء عمادية وقضاء زاخو وقضاء عقرة من (كانياباسكا،كلي ئافوكي،مراني،سوار وسبينداري،كارة،بَري كارة، بوطكي،كافيا،چم جوي، زيوه شكان،وخواكورك،ومناطق قضاء زاخو) وصولاً الى حدود تركيا وايران، وفي هذه الاثناء تجرى معارك طاحنة في مناطق خواكورك باشراف ومشاركة الرئيس مسعود بارزاني، والجيش والمرتزقة يواصلون زحفهم نحو المناطق الآمنة المحررة من كوردستان للاستيلاء على تلك المناطق وقطع السبل والمؤن عن سكان قرى مناطق بادينان.
وفي حدود الساعة التاسعة ليلا25/8/1988 جاءنا امر من قيادة الجبهة الكوردستانية بانسحاب العوائل الى مزورى ژوري وحدود تركيا وايران، وفي 28/8/ 1988 سيطر الجيش والقوات المرتزقة والجحوش ومفارز ابو فراس الحمداني على جميع المنافذ (كلك شني)وتم حصرنا في مناطق الزيبار بين ناحية دينارتة وشيلدزي وقسم من الهاربين من ظلم وطغيان النظام وصلوا الى تركيا وكثيرا منهم ماتوا في الطريق وهناك من تم تسميمهم ليموتوا والقسم الاخر وصلوا باعجوبة الى ايران دون مأوى او مسكن، وعندما فشلوا في اللحاق بهم قرروا ان يقتلوا اي كائن يلقون القبض عليه وفعلا تم رمي الكثيرمنهم بالرصاص امام عيون عوائلهم ،والبعض الاخر تم نقلهم الى الصحراء في جنوب العراق حيث دفنوا هناك احياء بغية التخلص من اثار الكيمياوي المدمر على اجسادهم وخصوصاً العينات الخاصة المصابة بالاثار الكيمياوية للتستر على جرائمهم وبقاء الجريمة دون تغطية اعلامية، ولكن ارادة الله اقوى منهم بعد وصول اعداد كبيرة الى ايران وتركيا والقي القبض على الكثير في الحدود بين عراق وتركيا وتم نقلهم الى السلامية، قسم من العوائل اختبأت بين احضان جبل گارة الى يوم 6/9/1988 حيث صدور العفو المفخخ، وفي يوم اسود تم القبض علينا وتقسيمنا الى قسمين ونقلنا الى قلعة عقرة (آكري)وتم تسجيلنا في ناحية خبات وبعدها الى بحركي (جزنيكان) والقسم الاخر من ناحية اتروش الى زاخو الى قلعة نزاركي في دهوك وهناك تم تصفية الكثير من زملائنا واقاربنا الايزديين والمسيحيين الذين سلموا انفسهم في العفو (المفخخ) وكان من بينهم اطفال رضع لاتتجاوز اعمارهم خمسة أشهر والى يومنا هذا مصيرهم ومصير مئات الالاف من الائيزديين والمسيحيين والكورد المسلمين من نساء واطفال ورجال وامهات في سن الشيخوخة مفقودين، بلغ عدد الضحايا في المراحل الثمانية 182 ألف مواطن كوردي وتدمير أكثرمن خمسة آلاف قرية وأربعة أقضية و30 ناحية..
رغم مرور 32 عاماً على مجازر "الأنفال سيئة الصيت"،مازال العديد من المواطنين في قرى إقليم كوردستان التي تعرّضت لحملة "الأنفال" تسعى للبحث عن جثث اقاربها في الصحراء والمحافظات الجنوبية لإعادة رفاتهم إلى إقليم كوردستان، وبين فترة واخرى يتم العثور على مقابر جماعية جديدة تُجدد الآلام لدى الآلاف من أسر الضحايا. هناك سؤال يطرحه الكثيرون، مالفرق بين احداث عام 1988 في الانفالات سيئة الصيت على السكان العزل في كوردستان المحررة والابادة الجماعية للكورد الايزديين في شنكال وقرية كوجو بالتحديد في3/8 لغاية 15/8/2014 وهو نفس الغرض(لكونهم كورد).
في النهاية، الانفال والابادة الجماعية للكورد الايزديين في شنكال هي امتداد لبعضهم البعض كسلسلة من عمليات الابادة الجماعية ضد الكورد، ووفقاً للمقاييس الدولية للجرائم فإن هذه العمليات تدخل في اطار جرائم الجينوسايد، لذلك نطالب الأمم المتحدة بالاعتراف بتلك المجزرة كإبادة جماعية، من أجل سد الطريق أمام تكرار ممارسات اجرامية مماثلة.
يعتبر مبدأ حق تقرير المصير للشعوب المضطهده من بين أهم المبادئ السياسية في العصر الحديث ومن بين أفضل الطرق لتحقيق السلام والأمن والاستقرار واحترام حقوق الانسان. ان من حق الشعب الكوردي بعد ان تعرض الى مثل هذه الجرائم ان يحصل على حقوقه الكاملة ومنها حقه في التعويض عما اصابه من اضرار وفي معاقبة جميع المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجرائم ضده وكذلك في تقرير مصيره بنفسه طبقا لقواعد القانون الدولي والدستور العراقي ( المادة1).
pdk