• Sunday, 22 December 2024
logo

الكاظمي بين نارين

الكاظمي بين نارين
ياس خضير البياتي



لا أقول عن الكاظمي بأنه إيرانيا أو أمريكيا، ولن أتقمص الشخصية العراقية التي قال عنها عالم الاجتماع الكبير على الوردي (ما يعجبه العجب)، ولن أكون تحت تأثير همسات ونميمة البعض الذي لا يرى الأشياء إلا بلونه الأسود أو الأبيض، أو لبعض العقول التي مازالت مؤجرة للأحزاب والقبائل والقوميات، بل سأختار عقلي بمقياس علم الأفعال بدلا من الآراء ووجهات النظر. وسأبدأ بالمقياس الأول الذي لا يمكن لعراقي أن يتنازل عنه، وهو العراق، وارتفاع منسوب عراقية الحاكم ووطنيته، فالعراق لا يريد إلا رجال تليق بعراقتيهما، تابع له لا متبوع، لأن العراق هو السيد الوحيد، المطاع لا الطائع، الصانع لا المصنوع، والحاكم لا المحكوم، لأن العراق وطن العشق والجمال والثقافة،ولا يمكن أن يعيش فيه قاتل، وعميل، ومرياع متخوم بالفساد، يدمر وطنا من جذوره، ويقتل شبابه ويجوع علماءه ومثقفيه.

كان حدسي أن الكاظمي، الرجل الهادئ سيفعل بعض الشيء، ما لا فعله السابقون الصامتون عن الحق، لأنه ليس ابنا لحزب إسلامي، وليس من مافيا السياسة والفساد، بل يصر على أن يكون من حزب الشعب كما قال أكثر من مرة، مثلما لا نريده أن يمسك عصا موسى ليغير الأحوال بسرعة البرق، لأننا نعرف ما تركوا له الجهلة من حمل مداه ثقيلا، وبلاء وبيلا، فهو يجلس اليوم في صحراء جرداء لا زرع ولا اقتصاد ولامصانع ولاحياة صالحة للبشر، فكان الله في عونه، مثلما كان الله في عون الشعب مع الرعاع طيلة هذه السنوات العجاف.

الكاظمي خاض تجارب كثيرة بين أهله، وأجريت له امتحانات صعبة، نجح في بعضها ورسب في البعض الآخر، واختلف المؤيد والمعارض على أفعاله وممارساته، لكنه أعطى بعض الأمل للجميع، لكنه أمل مازال مؤجلا بانتظار قادم الأيام رغم إن أيام العراقي محشوة ألما وعذابا، ومناعته للصدمات كادت تضعف إلى أدنى الدرجات، لهذا ينتظر من الكاظمي في زيارته إلى ماما أمريكا مساعدته على اكتشاف الضوء في آخر النفق،ويحقق له طموحاته في العيش الكريم، ويعيد له السيادة المستلبة، ونشر القانون بدون الدولة العميقة ومليشيات القتل والموت، رغم إن الكثير من العراقيين ما عاد يثق بأمريكا وسياستها المتواطئة والمصلحية التي سمحت لإيران خلال السنوات الماضية أن تكون لاعبا كبيرا ومؤثرا في صناعة القرار العراقي، وتوسيع سيطرتها على كل منافذ الدولة العراقية.

ربما كان الكثير على حق في اكتشاف الهدف الأمريكي من جعل العراق جثة هامدة، وتدمير بنيته وإنسانه، مثلما هي غير جادة في مواجهة التوسع الإيراني في المنطقة بشكل عام، والعراق بشكل خاص، لأن المطلوب دعم الدولة العراقية سياسيا بالأفعال وليس بالأقوال، وعدم الاقتصار على الغنائم الاقتصادية والمالية، خاصة وأن الرئيس الأمريكي صاحب عقلية تجارية أكثر منها سياسية واستراتيجية، وبالتالي لن تكون للزيارة سوى المزيد من سلب الثروات، وتخدير الأوضاع وتأجيلها إلى الانتخابات الأمريكية القادمة.

ما تمخض عن الزيارة، كما أرى، ليست سوى أفكارا بعضها قابل للتحقيق، والكثير منها لا يتعدى سوى أمنيات غير قابلة للتنفيذ بسهولة في ظل عراق محكوم من الخارج، ودولة فاشلة لا يراد لها أن تنهض من كل اللاعبين في الداخل والخارج، وسلطة مُقَيَّدَة بقوة المليشيات وسلاحها الفالت، وبلد تحكمه أحزاب دينية لا تؤمن بالحياة والتطور، وخطوط حمر كثيرة تَقَيَّد تطبيق القانون، ودولة عميقة تتسلح بعقائد أيدولوجية متطرفة تضبط بوصلة الأهداف المرسومة لها من الخارج،وبالتالي فإن الحديث عن (شراكة استراتيجية عراقية أمريكية ) هي أشبه بالحلم منه إلى الواقع،و(جعجعة بلا طحين) كما يقال!
بالكلام الفصيح، ما تمخضت عنه زيارة الكاظمي التي تندرج تحت (العلاقات العامة)، وماقيل عن أجنداتها في الاقتصاد والإصلاح والطاقة والأمن، وما أثير حولها من زوابع سياسية وإعلامية، ليست جديدة بالتفاصيل، فالشراكة أصلا موجودة منذ احتلال العراق، والتعاون قائم ومترابط بأجندات المصالح، فما تغير إلا الوجوه التي لا تستطيع فعل الكثير، فأمريكا بلد القانون والمؤسسات وليس الأشخاص، والعراق بلد السيادة الناقصة والمليشيات وانتهاك القانون، وماقيل عن تصحيح المسار الاقتصادي وهي أساس مشكلة العراق، وبرنامج الإصلاح السياسي، وتنمية القطاع الخاص، وزيادة إنتاج الكهرباء والغاز بالتعاون مع الشركات الأمريكية ودول الخليج، واحترام سيادة العراق ووحدة أراضيه،وجعل القوات الأمنية العراقية هي الضامن الوحيد (وليس أي مجاميع مسلحة)،وانسحاب القوات الأمريكية المؤجل وتقليصها،والاقتصار على الدعم اللوجستي والتدريب، فهي شاحبة وفضفاضة،وتحتاج إلى دولة قوية تمتلك بيئة سياسية ديناميكية مستقلة،وقوانين فاعلة وسيادية للاستثمار، والعراق لا يملك ذلك،مما يعني أن تنفيذها سيكون من باب التمنيات فقط!

التمنيات كثيرة، والأقوال أكثر منها، لكننا على ثقة بأن الكاظمي ذهب إلى واشنطن وهو يأمل الدعم الخفي والحقيقي لسلطته، ومساندته في إضعاف المليشيات، وإخراجها من الحياة السياسية، لكن عليه أن يفهم بعمق أيضا بأن السياسة لها مصالحها وتناقضاتها، فالأمريكي لا يستريح إلا بتقديم الإملاءات على الآخر وتحقيق مصالحه، والمليشيات تنتظره حاملا وثيقة إخراج القوات الأمريكية، وإسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الإيراني يريد أن يتأكد من إن زيارته حققت مصالح إيران!

مشكلة العراق اليوم ليست إيرانية فقط وإنما هي أمريكية أيضا، كلاهما جمعتهم المصالح في أضعاف العراق وتدميره، ومن يقول عكس ذلك فأنه خارج فهم التاريخ ودروسه البليغة!
كان الله في عون الكاظمي وهو بين نيران حامية لا تخمد السنة لهيبها الماء، لها شرر ولهب، ووقودها الناس والحجر!










ايلاف
Top