هكذا قرأت زيارتي العبادي
في وقت تشهد المنطقة تحركات متسارعة، وتبادل للأدوار، وإصطفافات جديدة مدروسة وغير مدروسة، إرتفع سقف التصريحات بشأن زيارتَي السيد حيدر العبادي الى اربيل والسليمانية، وهذا الإرتفاع في التصريحات وكذلك التركيز الإعلامي ذكّرانا بأنّ بغداد ما تزال تحتفظ بصورتها النمطية السلبية تجاه الإنفتاح على الإقليم وتطلعات شعب كوردستان، وإنها غير مقتنعة برؤية الواقع السياسي العراقي والتغييرات الجوهرية على العلاقات بين الكورد والعرب وبأهمية تحسينها، ورؤية المشروع المهم الذي يجري العمل على إنضاجه في الإقليم، والذي يمكن أن يساهم بغداد في كيفية تحقيقه بعيداً عن العنف، وإمكانية أن تكون لديها خريطة طريق للمرحلة المقبلة.
ساعد الكورد بإمكاناتهم السياسية التي لا يجوز التقليل من شأنها، الأشقاء الشيعة، في صياغة الدستور العراقي والتأسيس لعراق ديمقراطي فيدرالي يكون فيه حقوق جميع المكونات محمية ومصانة، وفي إقامة أربع حكومات شيعية في بغداد، على أمل أن يتوحّدوا في مواقف سياسية ناضجة، ويجلسوا على الطاولات كأطراف قوية متماسكة أو متشاركة في الأفراح والأتراح. ولو استعرضنا التعهدات والإتفاقات الكثيرة التي وقعت على طاولات الكورد والشيعة خلال السنوات الماضية، لا نرى فيها غيرالتعمد والتقصد والتهرب غير المعقول في البت في كل ما له صلة بمصلحة الإنسان الكوردستاني. والواضح (حتى الآن) عدم وجود نوايا جدّية لدى الكثير من النخب السياسية الشيعة للقيام بدور حيوي في تحقيق التطلعات الكوردستانية المشروعة وترسيم الدورالمتوقع في استعادة الفترة الذهبية في التعاون بين الجانبين على أسس معقولة وسليمة وإعادة المياه إلى مجاريها.
زيارة العبادي الى أربيل والسليمانية، لقيت استحساناً من الكوردستانيين، ولكن لا يمكن تحميلها أكثر مما تحتمل وتفسيرها في غير مكانها وسياقها الطبيعي. لأنها لا تعتبر استدارة وتموضعاً جديداً للسياسة العراقية، ولم تحمل في ثناياه إشارات إيجابية لتحريك ملفات شائكة طال زمانها، ولم تتمكن من القراءة القريبة لمتطلبات الواقع والمشهد الكوردستاني الداخلي بتفاصيله الدقيقة من زوايا مختلفة، ولم تستطع إذابة طبقة الجليد في العلاقات الاستراتيجية والسياسية، وإقناع الكورد بقبول البقاء في العملية السياسية العراقية بأيّ ثمن، كما لم تستطع كسر الصورة النمطية التي ترسخت لدى الكوردستانيين عموماً والقوى السياسية خصوصاً عن المواقف العراقية المعادية وتوجهاتها السلبية نحو الإقليم.
أثناء الزيارتين، ربما أراد السيد العبادي إغتنام الفرصة لتلميع صورته في هذه المرحلة وترسيخ وجوده في السلطة، ومنحه المزيد من الفرص لتمسكه بالحكم، ولكنه أخطأ مرة في تجاهله غالبية المطالبات الكوردستانية، ومرة ثانية في ضربه عرض الحائط المخاطر الخانقة القائمة، وبالذات عندما لم يكشف عن أوراقه السياسية ووجهات نظره وتصوراته وإنطباعاته حول العملية السياسية ومستقبل العلاقات بين أربيل وبغداد، وذلك لإعتقاده بأن الكثير من الأمور تضعه في دائرة التساؤل والمحاسبة والاتهام.
على العموم يمكن القول أن اللقاءات التي عقدت في اربيل والسليمانية تؤكد الحاجة الدائمة لإسماع الجميع وجهات نظر الكوردستانيين المتطلعين الى الاستقرار والسلام والتعايش، وتكرس ضرورة تبادل وجهات النظر بين الجميع حول ما يجري، وضرورة فتح أبواب ونوافذ الحوار بأشكال مختلفة للإنفتاح على الجميع دون استثناء، ورصد كل التحركات والتطورات من حولنا، وتقديم المصلحة العامة الخالصة على المصالح الخاصة والحسابات الضيقة، واللجوء الى الحكمة والعقل في احتواء الأزمات.