طارق كاريزي: القاموس الكردي الموحد
تسريبات من الاكاديمية تقول بأن 400 قاموسا كرديا (احادي أو ثنائي أو ثلاثي وحتى خماسي اللغة) هي الآن في متناول اللجنة من اجل اعداد قاموس موحد للغة الكردية يضم بين دفتيه جميع الكلمات والمصطلحات الكردية بجميع اللهجات الكردية. وهذا المشروعالثقافي اللغوي الستراتيجي ينقل واقع اللغة الكردية الى مرحلة أكثر حيوية، ويتيح فرص ارتقاء وتطور اللغة الكردية وتجددها بشكل واسع من خلال اسهام أكبر قطاع من الادباء والكتاب والمفكرين والاكاديميين الكرد في انجاز هذه المهمة المستدامة عبر الزمان، بالاستناد الى مرجع لغوي يصدر عن مؤسسة علمية رسيمة كالاكاديمية الكردية.
من باب التوضيح نقول بأن أول قاموس كردي هو قاموس نوبهار للشاعر الكردي الكبير أحمد خاني، وهو قاموس عربي كردي اعده نظما كاتب ملحمة مم وزين الشهيرة قبل أربعة قرون لمساعدة الاطفال الكرد على تعلم اللغة العربية، ثم لدينا قاموس كردي أعده القس الايطالي كازروني، وثالث قاموس كتبه العالم والفقيه الكردي شيخ محي الدين كركوك قبل حوالي ثلاثة قرون، وقاموس آخر للعلامة ملا مارف نودهي باسم أحمدي، وهو أيضا قاموس عربي كردي كتب نظما قبل أكثر من قرنين لتسهيل تعليم الاطفال الكرد اللغة العربية.
شهدت العقود الثلاثة الماضية نشر سلسلة من القواميس الكردية في كردستان وخارجها، نشير للبعض منها على سبيل المثال. قاموس (كوردستان) للناشر والمنور الكردي الراحل كيوي موكرياني، وهو قاموس كردي كردي يتألف من اكثر من ألف صفحة من الحجم الكبير ويضم بين دفتيه أكثر من مئة ألف كلمة كردية بلهجات كردية مختلفة. قاموس (هنبانة بورينة) للعلامة والمترجم الراحل هزار موكرياني ويتألف من أكثر من ألف صفحة بالحجم الكبير، وهو قاموس كردي فارسي تفوق عدد مفرداته مئة وخمسون ألف كلمة. وقاموس الكاتب واللغوي الكبير زانا فارقيني الذي هو قاموس بجزءين، أحدهما كردي تركي والآخر تركي كردي ويتألف كل واحد منهما من أكثر من ألف صفحة من الحجم الكبير ويضم أكثر من مئة وخمسون ألف كلمة. هذه القواميس الكبيرة التي صدرت في جنوب وشرق وشمالي كردستان تشكل الى جانب المئات من القواميس الاخرى في مختلف المجالات، ذخيرة كبيرة لرفد القاموس الكردي الموحد المزمع اعداده من قبل الاكاديمية الكردية.
مادام الحديث يتعلق باللغة الكردية وقاموسها، فمن المفيد التحدث ولو بشكل مقتضب عن واقع هذه اللغة واهميتها. فاللغة الكردية هي أحدى اهم اللغات الهندو اوربية في آسيا وهي من اللغات العريقة والموغلة في القدم في الشرق الاوسط. استطاعت هذه اللغة المحافظة على خصائصها وقاموسها الثري وصيانة وجودها من الضياع والانصهار في بوتقة اللغات الاخرى، ففي الوقت الذي شهدت لغات مجاورة لها تراجعا كبيرا أمام زحف اللغة العربية لدرجة ان لغات شرق أوسطية مهمة (كالفارسية والتركية مثلا) باتت لغات شبه معرّبة لكثرة المفردات العربية فيهما، لكن اللغة الكردية استطاعت المحافظة على رصانتها وصيانة قاموسها الثري من الذوبان والانصهار، مع انها الاقرب الى جغرافية اللغة العربية بل هي في تماس مباشر معها.
القاموس اللغوي الكردي يؤشر حالات لغوية مشجعة وفريدة ايضا، مثلا تجد مفردات ومصطلحات كردية تعود جذورها الى آلاف السنين، وتتابع اللغة الكردية تفاصيل المكونات الحياتية والآلات والظواهر الطبيعية في المجتمع الكردستاني والبيئة بدقة ومزيد من التفصيل المفرداتي. وكمثال نشير الى آلة الـ(جنجر) التي تستخدم لتهشيم الحصاد من أجل تحويله الى نثار يمكن تاليا فصل الحبوب عن التبن فيها،يستعمل الفلاحون الكرد 45 كلمة لتعريف تفاصيل هذه الآلة. لدينا قاموس خاص بالطيور والذي يضم اسماء آلاف الطيور، علاوة على عشرات القواميس الخاصة بشتى صنوف المعرفة.
اللغة الكردية كغيرها من اللغات الحيّة تنتج وتستقبل الكلمات والمصطلحات الجديدة وتموت أو تذبل فيها الكلمات التي باتت غير متداولة في الحياة اليومية. ولعل أهم خصيصة من خصائص اللغة الكردية هو ديناميكية هذه اللغة من حيث النمو والتطور، فهي لغة غير مقولبة كاللغة العربية التي وضعت منذ حوالي 14 قرنا حدا فاصلا بين اللغة الفصحى واللهجات العربية، فاللغة الكردية مازالت منفتحة على لهجاتها، تهضم وتستوعب الخزين اللغوي الثري للهجاتهاوذلك ضمن بوتقة اللغة الكردية القياسية. واللغة الكرديةهي الأقرب الى اللغة الانكليزية من حيث نموّها وانفتاحها على الداخل والخارج. بمعنى ان الكردية بحكم كونها لغة مقطعية تنتج فيها الكلمات والمصطلحات عن طريق اللاحقة والسابقة بحيث تضع العديد من الخيارات أمام اللغوي والاديب لرفد لغته وتتبع المعاني والمفاهيم الجديدة مهما كثرة وتنوعت.
وبحكم كون اللغة الكردية لغة هندو اوربية فهي على شاكلة قريناتها من لغات هذه العائلة اللغوية لها قدرات كبيرة على انتاج المصطلحات والمفاهيم التي لاتبتعد عن صياغات المفردات الكردية الاصيلة وتكون هذه المصطلحات والمفاهيم الجديدة سهلة الفهم لدى القارئ والمتلقي حتى لو كان يسمعها للمرّة الاولى.
ومن المفيد الاشارة الى ان اللهجات الكردية هي الخزين الاكبر بالنسبة للقاموس الكردي الموحد المزمع انجازه من قبل الاكاديمية الكردية. ومن نافلة القول ان نذكر أهم اللهجات الكردية التي تتوزع على اربعة مجاميع اساسية، الكرمانجية الشمالية (البوتانية، الهكارية، الشمدينانية، البهدينانية، البايزيدية، الغربية) في مناطق شمال وغرب كردستان وكردستان المركزية، الكرمانجية الوسطى (السورانية، الموكرية، البابانية، الكرميانية، الاردلانية) في كردستان الوسطى، الكرمانجية الجنوبية (الكلهرية، الفيلية، اللكية، المامسانية، اللرية، البختيارية، الكهكلوية) في المناطق الجنوبية من كردستان وصولا الى الخليج، الكورانية (الزازاكية، الهورامية، الباجلانية، الشبكية، الكوران الاصلية) موزعة في مناطق متفرقة من كردستان.
رجعا على بدء نقول، بأن اعداد قاموس كردي موحد سيكون بمثابة الركن الاساسي لتطوير وزيادة نموّ اللغة الكردية. نحن بانتظار ان ينفتح جميع اللغويين والادباء والاكاديميين الكرد والكردستانيين من ذوي الاهتمامات اللغوية على هذا المشروع القومي الحيوي من أجل صيانة رصانة اللغة الكردية وتعبيد طرق نموها وارتقاءها، وذلك عن طريق الاتصال بالاكاديمية الكردية في هولير والتعاون مع اللجنة المشكلة باعداد القاموس الكردي الموحد. والمهم جدا الاشارة الى ضرورة تدوين مفردات هذا القاموس بالابجديتين اللاتينية والارامية (العربية)، كون اللغة الكردية تكتب حاليا بهاتين الابجديتين.