إستقلال كوردستان وهذيانات نوري المالكي المَرَضية
في فيلم إنغمار برغمان الختم السابع، الذي بات علامةً فارقة في تاريخ السينما العالمية، حين يواجه البطل نهايته، يدعو ملك الموت إلى مباراة شطرنج بلا أمل! هناك هذيانات أنيقة تأتي من غور الدروب الطويلة وتمضي إلى نهاياتٍ مفتوحة، لکن الأمر هنا مختلف تماماً، فشخصية نوري المالکي السياسية يذکرنا بأفلام سينمائية بعض أبطالها مصابون بحالة من "جنون العظمة" أو مايسمي باللغة الإغريقية بالـ"ميغالومانيا"، (بالإنجليزية: Megalomania ).
الجميل هو أن الأفلام تبقي أفلام، لکن إذا کان المصاب شخص موجود في الواقع، تسلم مقاليد السطة في العراق لسنوات أو يقود حزب كبير، فسوف تتغير المعادلات و النتائج. المصاب الحقيقي بهذا المرض يمكن إعتباره مريض عقلي يعيش في حالة ذهانية تتميز بالهذيان الواضح والمستمر أو يعيش أفكاراً متسلطة تسبب له الهذيان. أما الإعتقاد الجازم بفكرة خاطئة يوصف بالبارانويا، لأن المصاب بهذه الحالة المرضؔية النفسية يملك جهازاً عقائدياً معقّداً وتفصيلياً يتمركز حول أوهام واقعية لها، هذه الأوهام تقنعه بأنه يُضطهد من قبل الآخرين ، وبأنّ السبب الرئيسي لإضطهاده من قبلهم هو كونه شخص عظيم ومهمّ للغاية.
هذا الشخص المصاب بالمرض المذکور أعلاه أسهم في تدمير العراق بسبب نهجه الطائفي وأنتج الدكتاتورية خلال فترة حكمه، مستخدماً سياسة الإقصاء تجاه الكورد والسنة، حيث جعل دورهما هامشياً وقام أخيرا ًبتسليم مدينة الموصل ومدن أخري الى تنظيم مايعرف بـ"داعش"، نراه يصف في تصريح لە بأن مسألة استقلال كوردستان مجرد إبتزاز السياسي، ويقول أن "الشعب الكوردي لا يريد الاستقلال".
فليعلم المالکي بأن الشعب الكوردستاني منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية والي الآن يناضل بکافة الوسائل المدنية والثورية دون هوادة من أجل إستقلاله ووحدها قوات البيشمرکة ترسم اليوم حدود کوردستان بالدم. وليعرف المالکي جيداً بأنه سيفشل من أراد أن يقف أمام إرادة هذا الشعب. إن وصول الكورد إلى حقوقهم المسلوبة سيکون عاملاً أساسياً في عيش المنطقة في الاستقرار وتحقيق المساواة بين أهالي المنطقة، التي تضم قوميات وأديان ومذاهب مختلفة، لا العکس.
بعد ظهور تنظيم داعش المسلح في العراق و إکتساحه مناطق واسعة و بعد محاولته الزحف نحو بغداد العاصمة طرأت علي العراق تغييرات جذرية سوف تظهر بعد إلحاق الهزيمة به. نعم هناك اليوم ضرورة لتجزئة العراق إلى ثلاثة كيانات منفصلة للشيعة والسنة والکورد للحيلولة دون المزيد من إراقة الدماء ولحلّ الازمة السياسية. إن عدم الثقة بين الکيانات وصل لمستوى لا يسمح لتلك الکيانات البقاء تحت سقف ما يسمي اليوم طوباوياً بالعراق الإتحادي الفدرالي التعددي الموحد. في السابق تعامل نوري المالكي مع الديمقراطية والفدرالية بعقل أحادي وقام بالجزم بعقل أصولي أقنومي. لقد رأينا مآل عمله حيث أوصل العراق الي المزيد من الفوضى والفشل والإفلاس والخراب.
كوردستان كان في السابق ملاذاً لحماية المعارضة، بما فيهم المالکي، ضد هجوم وحملات النظام الدكتاتوري الصدامي وهو اليوم صار ملاذ آمن لأكثر من مليون ونصف مليون مواطن هربوا بسبب فشل سياسات المالكي و إنعدام الأمن والعدالة والمساواة أوالحرب من مدن الموصل وبغداد ووسط وجنوبي العراق ليصبحوا لاجئين في دولة كوردستان المستقرة.
لنعترف بالحقائق لكي نحسن صنع حقيقتنا، فلکل شيء زمنه و لكل سياسي موقعه و دوره و إيقاعه، بقدر ما يسهم بتشكيل خريطة الواقع السياسي بعلاقاته و تراكيبه أو تجاوزاته و تراكباته ومن لايعترف بالحقائق لا يستطيع المساهمة في خلق وصناعة الحقيقة.
المالكي بحيله المكشوفة و تحالفاته الفاشلة لم يتمکن من هدم التجربة الكوردستانية أو كسر إرادة شعب كوردستان، رغم قيامه بحرمان هذا الشعب الأبي من حصته من الموازنة وسعيه في ضرب وجرؔ العملية السياسية في إقليم كوردستان الي الطريق المسدود.
شعب كوردستان وقوات البيشمركه المناضلة يحاربون اليوم بصرامة وعزم الإرهاب والتطرف الديني والسياسي إذا ما أقتربت من أراضيه أو أرادت النيل من أمنه وإستقراره و كرامته.
ختاماً نقول للمالکي ولمن على شاكلته بأن شعب كوردستان لا يريد بعد اليوم العيش مع أصحاب العقليات التي تقوم بالحملة التبشيرية من أجل المركزية.
شعب كوردستان لايريد العيش في ثنايا الإرث الدكتاتوري أو يسير نحو إحياء الترسانة المنطقية المصنوعة بمفردات الكلي والضروري والأحادي والمتعالي والماهوي. شعب كوردستان يرفض السباحة في بحر السبات القومي والحصن الديني ولا يريد أن يعيش مرة أخري في جمهورية الخوف ونهاياتها الكارثية أو يتنفس تحت رحمة القوقعة الإصطفائية والوكالة الحصرية ، التي تجلب الجور والتعسف والتعريب والتهجير والأنفال والإبادة الجماعية ، لذا يقرر مصيره بيده و ينتخب الإستقلال.