التقسيم الودي ليس ترفا وانما ضرورة
مع حرمان قوات الپێشمهرگة الباسلة من الاعتراف بهم كقوة نظامية، رغم انها تناضل وتقاتل منذ قرابة سبعين عاما من اجل الديموقراطية للعراق والحقوق الديموقراطية لشعب كوردستان، وكانت مناطقهم المحررة ملاذا وملجأ للكثير من قادة الحشد الشعبي وصناع القرار في بغداد اليوم، جاء قانون الحشد الشعبي ليصب المزيد من النار على الخلافات المعقدة والملتهبة اصلا بين اطراف العملية السياسية.
الموقف من الحشد الشعبي والقانون الصادر حول اعتباره قوة نظامية وردود الفعل المختلفة، سلبا وايجابا، يؤكد على مدى هشاشة الوضع السياسي في العراق وامكانية انهياره في اي وقت، اذ قيل ان القانون هو تنصل من الاتفاقات السياسية ومقترح الحرس الوطني المتفق عليه سابقا، وهو الغاء للشراكة الوطنية وفرض لإرادة مكون واحد، وانه انتكاسة جديدة لحقوق الانسان والمسمار الاخير في نعش المصالحة الوطنية وانهى حلم الدولة المدنية ويجسد دكتاتورية الاغلبية وسيؤدي الى تقسيم العراق.
ماسبق لا ينفي حقيقة ان الحشد الشعبي، بعيد انهيار الجيش والشرطة العراقية، بتضحياته وقتاله على اكثر من جبهة، انقذ البلد من الوقوع تحت سيطرة العصابات الارهابية التي احتلت ثلث العراق وكانت على ابواب بغداد العاصمة، رغم ما شاب هذه العمليات من تجاوزات وسلبيات هنا وهناك والتي كانت ولاتزال تقف وراء ردة الفعل السلبية القوية لبعض اطراف العملية السياسية.
ردة الفعل هذه هي النتيجة المنطقية والطبيعية لممارسات السلطة خلال العقد المنصرم ولانعدام الثقة نهائيا بين اطراف العملية السياسية وانهيار كل الاتفاقات السياسية السابقة التي بموجبها تشكلت حكومتي السيد المالكي وحكومة السيد العبادي بالاضافة الى الاتجاه العام للسلطة لتغيير طابع الدولة المدنية الديموقراطية واحياء وتشجيع الانتماءات الطائفية والمحلية المناطقية بدلا من تعزيز الانتماء والهوية الوطنية الجامعة، هذه السياسات التي ادت بمجموعها الى التقسيم الفعلي للعراق على الارض ومن غير الممكن في ظل هذا التشظي المجتمعي والانقسام الحاد الذي وصل الى القبيلة والعشيرة والفخذ وحتى العائلة العراقية، بناء عراق موحد يتمتع بالسلام والاستقرار والالتزام بالدستور الاتحادي والتوافق الوطني ولذلك يواجه قانون الحشد الشعبي ردة الفعل القوية الحالية وينذر بمزيد من الانشقاق وتصعيد التوتر السياسي وتأزيم الوضع الداخلي وبالتالي التقسيم الذي لابد منه حماية لارواح المواطنين وممتلكاتهم والبقية الباقية من البنى التحتية.
الرافضون للتقسيم الودي كالنعامة التي تخفي راسها في الرمال خشية العاصفة فلا هم يرون حقيقة التقسيم على الارض ولا هم يقدرون النتائج الكارثية المتوقعة لفرض عراق موحد بقوة النار والحديد في الوقت الذي يمكن تجاوز كل هذا باعطاء كل مكون حقه المشروع في تقرير مصيره ومستقبله وان يجمعهم حسن الجوار والمصالح المشتركة، واذا ما كانت هناك اي ( تسوية سياسية تأريخية) حقيقية فيجب ان تجسد الحل اعلاه حل التقسيم الودي الذي لا يمثل ترفا فكريا وانما ضرورة ملحة ينقذ مكونات العراق من كل المآسي التي يعيشونها والمرشحة للتصعيد والمزيد من الحدة المؤدية حتما الى الحرب الاهلية المدمرة خاصة مع وجود التهديدات والصراعات الاقليمية والاطراف الطامعة بالحصول على قطعة من الكعكة العراقية المغرية.
[email protected]