الاستفتاء في كوردستان وتأييد الشرفاء
في وقت كان العراق يشهد مآزق وأزمات سياسية وأمنية كثيرة، وكان فقدان الثقة والخلاف والصراع بين مكوناته من السمات البارزة في الميدان. فكرت النخب السياسية الكوردستانية في المستقبل، وتناست ما لحق الشعب الكوردي من المآسي والويلات، وشاركت في وضع اللبنات الاولى لبناء عراق جديد فدرالي ديمقراطي يتسع للجميع دون تمييز، وعملت بجد ومدت يد العون والتعاون الى الشيعة العرب والعرب السنة، ولكن ظهر بين صفوف هؤلاء الشيعة والسنة على حد سواء، شخصيات تحمل توجهات طائفية وعنصرية أخذت تعمل بإتجاه الهيمنة على الحكم والتفرد به وتحرض من أجل إشعال نار الفتنة القومية، وتهميش الكورد والإستعلاء عليهم، وعدم الإلتزام بالدستور، خاصة فيما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها والتعداد السكاني وقانون النفط والغاز والمستحقات المالية للإقليم، وباتت (تلك الشخصيات) تعتاش على الصراعات وتغذي الفساد في غالبية المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية، وبموازاة تلك المصائب أصبحت الحكومة عاجزة عن حماية المواطنين من التهديدات الخارجية، وباتت أجهزة الأمن لاتستطيع أن تحمي نفسها والمواطنين من السراق والمجرمين والقتلة الارهابيين. أما البرلمان فقد ترك وظيفته الأساسية التي هي سن القوانين والتشريعات ومراقبة أداء الحكومة وإتجه نحو إخداع المواطنين والصراع مع الحكومة والحصول على الإمتيازات لأعضائه. وفي الشارع العراقي ساد الفقر والتخلف والأمية والعوز والمرض والنهب والسلب والخرق الأمني والإقتحام المتكرر للسجون لإطلاق سراح المدانين والمجرمين والإرهابيين الشرسين، وأصبح العراق أرضاً خصبة للارهاب.
بإختصار، وصل كل شىء الى حافة الهاوية، وتعرضت العملية السياسية للإنقلاب، بسبب محاولات الإستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد والتحكم بجميع مفاصل الدولة من هيئات ووكالات ومفاصل أخرى وتحويله الى حكم الحزب الواحد، وفرض الامر الواقع، وتباينت وتراجعت العلاقات بين القوى السياسية وإنعدمت الثقة بين المكونات الأساسية، وتبدلت المواقف وتغيرت تجاه مستجدات عموم المشهد السياسي.
اليوم تشهد الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والإجتماعية تحولات وتبدلات مهمة وواضحة، والوضع الإقليمي معرض لإهتزازات، والملفات المتداخلة تؤثر على التحولات وتأجيج الصراعات، وتمهد لتسويات تاريخية ولرسم خارطة جديدة في الشرق الأوسط.
الكوردستانيون الذين لم ينعموا بالراحة والإطمئنان أو بحقوقهم الدستورية، دفعوا أثمان إلحاقهم بالعراق، رغماً عنهم، بموجب إتفاقية سايكس بيكو السيئة الصيت، يفكرون الآن بمنطق العقل ويريدون التوجه نحو تقرير مصيرهم، وهم على ثقة تامة بأن الشرفاء أينما كانوا سيؤيدونهم ويساندونهم، يريدون الإستقلال عن عراق لم يحترم إتفاقاته معهم، عراق لايخرج من أزمة معهم الا ويفتعل أزمات أخرى ضدهم، عراق قصف في سبعينيات القرن الماضي مدن وقرى كوردستان بالنابالم والبراميل المتفجرة وقام بالترحيل القسري للقرى والقصبات الكوردية على طول الحدود مع تركيا وإيران، كما هجر الآلاف من الكورد الفيليين بحجة عدم الولاء للدولة والتبعية لإيران، وقام بقصف حلبجة بالغازات السامة، وأذاب عظام المئات من شباب الكورد في أحواض الأسيد، ونفذ ثمان عمليات ظالمة سماها زورا بالأنفال حيث راح ضحيتها أكثر من مئة وإثنان وثمانون ألف إنسان تم دفنهم وهم أحياء في مقابر جماعية في مجاهيل الصحارى.. عراق قام بقطع رواتب الموظفين والعمال والمتقاعدين الكورد، وحصة الإقليم من الموازنة السنوية، عراق أرغم الانسان الكوردي على عدم شعوره بالمواطنة.