• Monday, 23 December 2024
logo

الرياض‭ ‬ـ‭ ‬طهران: نذر‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬تفادي‭ ‬اندلاعها‭

الرياض‭ ‬ـ‭ ‬طهران: نذر‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬تفادي‭ ‬اندلاعها‭
لو ألقينا نظرة على العلاقات السعودية الإيرانية منذ مطلع السنة الجارية لَلَاحَظْنَا أنّها شهدت حالات متكرّرة من التوتّر الذي تجسّم في مرحلة أولى، ومع بداية السنة، في قطع العلاقات بين الرّياض وعدّة عواصم خليجية وعربية وبين طهران في أعقاب قيام المملكة بإعدام رجل الدين الشيعي باقر النمر، واحتجاج الحكومة الإيرانية على هذا الإعدام واقتحام المتظاهرين الإيرانيين لسفارة المملكة العربيـة السعوديـة في طهران وقنصليتهـــا في مشهد وإحراقهما...



في مرحلة ثانية، وما إن بدأت النيران التي اشتعلت بين البلدين إثر هذه الأحداث تَخْبُو، حتّى عادت إلى التأجّج من جديد بمناسبة موسم الحجّ الأخير الذي قاطعته إيران بعد أن تعذّر الاتفاق مع الجانب السعودي على الترتيبات المتعلّقة بمنح التأشيرات للحجيج الإيرانيين، ونقلهم إلى الأراضي المقدّسة ومنها، وتوفير الضمانات اللازمة لأداء مناسكهم في ظروف آمنة تلافيا لأيّ حادث من نوع حادثة التدافع التي شهدتها منى خلال الموسم السابق، والتي أودت بحياة نحو 2300 شخص من بينهم 464 حاجّا إيرانيّا. وقد زاد الطين بلّة أنّ مفتي المملكة العربية السعودية قال وفقا لما نقلته عنه صحيفة «مكة»، إن الايرانيين «ليسوا مسلمين، فَهُمْ أبناء المَجوس، وعداؤهم مع المسلمين أمر قديم، وتحديدا مع أهل السنّة والجماعة»، وأن المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الإيرانية نعت، في المقابل، عند لقائه عائلات ضحايا حادثة التدافع في منى، الأسرة المالكة السعودية بـ«الشجرة الخبيثة الملعونة» وقال إن «هذه الكارثة تبيّن مجدّدا أنها لا تستحق إدارة شؤون الأراضي المقدّسة».



وبالرغم من أن العلاقات السعودية الإيرانية كانت على امتداد العقود الأربعة الماضية وبالتحـديـد منـذ نجـاح الثـورة الإيرانيــة في الإطاحة بالشاه سنة 1979، مضطربة متقلّبة متأرجحة بين الهدوء تارة وبين التوتّـر تارة أخــرى، فإن ما يثير المخاوف الآن هو تَواتُرُ التّوتّرات وَتَسَارُعُ وَتِيرَتٍهَا ممـا يُخْشَى معــه أن ينزلق البلدان إلى التصادم خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنهما يواجهان بعضهمـا البعـض في عدّة نزاعات ساخنة أو باردة، ومباشرة أو غير مباشرة تجري في العديد من الساحات العربية على غرار اليمن والعراق وسوريا ولبنان... ثم إن هذا التسارع جاء على إثر الاتفاق الذي توصّلت إليه إيران مع مجموعة «الخمسة زائد واحد» حول برنامجها النووي، وهو الاتفاق الذي أثار مخاوف المملكة العربية السعودية ودول الخليج، تماما مثلما أثار غضب اسرائيل وحنقها على واشنطن التي كانت تل أبيب تنتظر منها أن تضرب إيران، لا أن تتصالح معها، وأن تمكّنها من استرجاع أنفاسها واسترداد قواها بفكّ الحصار عنها وإعادة أموالها المجمّدة إليها...

على أنه من الخطإ، في نظري، أن يذهب الظنّ بالبعض إلى أن هذا الاتفاق هو الذي أزّم العلاقات السعودية الإيرانيـة، فالحقيقـة أن أسباب الأزمة عديدة ومتنوعة، وهي قديمة وجديدة، إذ بالإضافة إلى أحقاد القرون الخالية، والتقلّبات التي اعترت العلاقات في عهد الشّاه، جاءت الثورة الإيرانية لتُعمّق الهوّة الفاصلة بين الدولتين...



ولئن لم يظهـر ذلك للعيـان بصورة واضحـة في الثمانينات من القرن الماضي، فلأن «العداء السعودي الإيراني» تخفّى وراء «العداء العراقي الإيراني» الذي تجسّد في حرب الثماني سنوات التي لم يكــن قيامهـا بين العــراق وإيـران من باب الصدفة المحضة، وإنما كان بموافقة أو تحريض أو تشجيع من القوى الغربية، وبعض الدول العربية وخاصة منها الدول الخليجية التي كانت تظن، عن سوء تقدير، أن الحرب ستنهك قوى هذين الجارين «الخطيرين»، وستذهب بريحهما...

غير أن الحرب، وإن أثخنت البلدين بالقتل والتخريب، فإنّها لم تقض على «خطرهما»... وليس أدلّ على ذلك من مقامرة العراق بغزو الكويت بعد سنتين من انتهاء الحرب وهي المقامرة التي أدّت، من ناحية، إلى تدميره ومحاصرته ثم احتلاله وتقسيمه وسقوطه المتواصل حتّى الساعة في الفوضى والعنف والإرهاب، ومن ناحية أخرى، تقوية شوكة إيران وتعزيز موقعها وتوسيع نفوذها في المنطقة... وإذا صحّ الحديث عما يسمّى بـ «الهلال الشيعي» الذي تخشى بعض الدول العربية والـدول الخليجيـــة من أن إيـــران تعمـــل على تشكيله في المنطقة، فإن الأمر المؤكد أن تدمير العراق بالأمس وتدمير سوريا اليوم هما اللذان ساعدا ويساعدان على تشكيل هذا الهلال... وفي رأيي، فإن حربا بين الرياض وطهران لن تستطيع القضاء على هذا الهلال بل ستكرّسه وترسّخه، وعلى الداعين إلى الحرب، من العرب والخليجيين، أن يدركوا هذه الحقيقة حتـى لا يندموا مرّة أخرى، ولات ساعة مندم، مثلما قد يكونون الآن يشعرون بالندم على سقوط بغداد...



إن العقل والمنطق يقتضيان العمل على تفادي الحرب بكل الوسائل، ومهما تكن قوّة مآخذ الدول الخليجية على إيران أو مآخذ إيران على الـدول الخليجيـة، فإن معالجـة هذه المآخـذ لا يمكن أن تكون بالقوة... وإنما تكون بالعمل على التوصل إلى تفاهمات تراعي مصالح الطرفين مع تقديم التنازلات المتبادلة اللازمة للتقريب بين مواقفهما من القضايا ذات الاهتمام المشترك بينهما وفي المنطقة...

وبعيدا عن أي «فكر مؤامراتي» فإن العرب ينبغي أن يحذروا كل الحذر من وسوسات الأطراف الخارجية وخاصة اسرائيل التي تعمل على تغذية عوامل التوتّر بين الرياض وطهران من أجل إشعال حرب عربية إيرانية جديدة، تحت غطاء ديني مذهبي هذه المرّة، لمآرب لا تخفى على كل ذي بصيرة...

وللوقوف على خطورة هذه الوسوسات يكفي أن نشير إلى المقولة التي يجتهد محلّل الشؤون العربية في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية يارون فريدمان، في الترويج لها من خلال التأكيد على أن («الصراع الأصغر» مع الفلسطينيين يمكن تجاوزه لبناء تحالف إسرائيلي-سني لخوض «الصراع الأكبر» ضد الشيعة).



ولعلّه من دواعي التفـــاؤل في هذا السيـــاق أن يقول ولي ولي العهد السعـودي الأمير محمـد بن سلمان الذي يبدو أنه بدأ يستخلص الدروس الواجبة من الحرب على اليمن، في حديث إلى مجلة «الايكونوميست» البريطانية، أنه يستبعد مواجهة مباشرة بين بلاده وبين إيران، وأن أيّاً كان يدفع في اتجاه هذه المواجهة «فهو شخص ليس في كامل قواه العقلية»، لأن حربا بين السعودية وإيران هي بداية لـ«كارثة كبيرة» في المنطقة، وستنعكس بقوة على بقية العالم... أما من جانب إيران، فالواضح أن طهران التي استوعبت الدروس المستفادة من حرب الثماني سنوات بينها وبين العراق، باتت تحرص على انتهاج سياسة تقوم على تجنب الدخول في أي مواجهة عسكرية مع أي من جيرانها، وعلى القناعة بأن «ما لا يُنَالُ بالقوة يمكن أن يُنَالَ بالسياسة وحسن التدبير»...

وبعد، فإن بعض المختصين في المسائل العسكرية يؤكدون أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حليفتها الرئيسية في المنطقة، تتوفران على قوات جوية متطورة قادرة على تدمير كل مرافق الموانئ ومحطات تحميل النفط والصناعات الرئيسية الإيرانية باستخدام الذخائر الموجّهة بدقّة، بينما يمكن لإيران أن تمطر ساحل الخليج بصواريخ لا تعدّ ولا تحصى، غير موجّهة وأخرى موجّهة بعيدة المدى. وكم ستكون المأساة عميقة وثقيلة إن لم يتحل الطرفان بما ينبغي من العقلانية والتعقل، وإن وقعا في مثل هذا السيناريو الكارثي الذي سيؤدي حتما إلى تدمير بعضهما البعض بأيدي بعضهما البعض؟.

محمد ابراهيم الحصايري
Top