افاق جديدة للحوار الوطني
في ملتقى الشرق الاوسط الذي نظمه معهد الابحاث الشرق اوسطية تحدث السيد رئيس حكومة اقليم كوردستان نێچيرڤان بارزاني حديثا صريحا ومن موقف القوة والصمود امام التحديات التي تواجه العراق واقليم كوردستان، عن مرحلة مابعد تحرير الموصل والعلاقات الوطنية بين المركز الاتحادي بغداد وعاصمة الاقليم اربيل، مؤكدا على ان لا عودة للوراء وانه يجب اعادة صياغة هذه العلاقات بما يكفل الثقة والاطمئنان، معربا عن ضرورة وضع النقاط على الحروف بكل صراحة وشفافية وانهاء مرحلة تبويس اللحى والمجاملات غير المجدية وبالتالي التوصل الى ما يمكن تسميته بعقد اجتماعي جديد بين مكونات العراق تضمن حقوقها الديموقراطية جميعا دون استثناء، كما عبر عن تفاؤله بالتوصل الى هذا الحل الشامل الذي يجمع ولا يستثني، يوحد ولا يفرق بناء على الاتصالات الاخيرة بين بغداد واربيل والقبول الواسع للطرح الكوردي من قبل الكتل السياسية المؤثرة وايضا من قبل رئيس الحكومة الاتحادية.
ما قاله السيد نێچيرڤان بارزاني بتركيز شديد هو (سنة حوار وتواصل ولا ساعة قطيعة وحرب وازمات مفتعلة)، فقد آن الاوان حقا ودماء العراقيين عربا وكوردا واقليات قومية ودينية تنزف في جبهات الدفاع عن البلاد ضد همجية العصابات الارهابية، ان تتوصل المكونات الرئيسة الى مثل هكذا عقد اجتماعي وطني نابع من روح الدستور ونصوصه وفتح صفحة جديدة في العلاقات الوطنية مبنية على ضرورة ووجوب احترام ارادة كل مكون بما فيها الاقليات القومية والدينية وخاصة ارادة وحقوق شعب كوردستان الذي يشكل ثاني اكبر قومية رئيسة في البلاد والذي كان ولا يزال كما وصفه السيد رئيس الحكومة بانه عامل استقرار وتوحيد لا في العراق فحسب، وانما في المنطقة ايضا من خلال علاقاته الرصينة المتوازنة مع كل الاطراف، وهو ما اثبتته مواقف شعب كوردستان في العديد من الحالات ابتداءً بترسيخ اسس الدولة العراقية الاتحادية بعد سقوط النظام الدكتاتوري وانتهاء بالتصدي لجرائم العصابات الارهابية الهمجية وبفتح ابواب اقليم كوردستان امام ما يقارب مليوني لاجيء ومهجر من داخل العراق وخارجه رغم الازمة الاقتصادية الخانقة والحصار الجائر على كوردستان وحرمان شعبه من حصته في الموازنة الاتحادية والتراجع الكبير في اسعار البترول.
العراق بعد تحرير الموصل الحدباء بحاجة ماسة الى اعادة بناء جسور الثقة من خلال مصالحة وطنية شاملة تعيد ترتيب اوضاع البيت العراقي على اسس سليمة وتسرع من عملية بناء دولة المواطنة وتضع حدا نهائيا للمشاكل مع اقليم كوردستان كما ترسخ الاتحاد الاختياري الطوعي لمكوناته وتعزز من قدراته على مواجهة استحقاقات المرحلة.
غني عن البيان ان اي اتفاق تكتيكي اضطراري نابع من الشعور بالعجز او الضعف لهذا الطرف او ذاك لن يتعدى تأثيره جلسة التوقيع، وستكرر الاحداث المؤسفة التي شهدها العراق في العقود الاخيرة نفسها، مما يعني انفراط عقد الاتحاد الذي لا يمكن ضمان سلميته وعدم نزوعه للعنف الدموي الكارثي.
الوضع العراقي بعد تحرير الموصل لا يحتمل اي تأخير في ايجاد الحلول الواقعية للقضايا الملتهبة التي ستزداد سعيرا مالم يتم التوصل اليها، والمبادرة الكوردية التي دشنتها رئاسة وحكومة الاقليم والتنسيق والتعاون المثمر الجاري بين قوات الپێشمهرگه الباسلة والقوات المسلحة العراقية تفتح افاقا جديدة واسعة للحوار الوطني المتعدد الاطراف، وان على بعض الاوساط في بغداد ان تستوعب اخيرا بانه لا عودة للنظام الدكتاتوري ولا حتى الى الاستئثار بالسلطة والقرار المركزي ولابد من عقد اجتماعي وطني جديد يجسد روح الدستور ونصوصه من اجل خير الجميع ومن اجل مستقبل افضل للاجيال القادمة.
[email protected]*