من الذي لايتدخل في الشأن العراقي؟
التصعيد الكلامي اللاذع بين أنقرة وبغداد، والهجمات الإعلامية الإنفعالية المتبادلة، والتراشق بالادعاءات والتصريحات المتناقضة، ودلائله وقرائنه، أثار خشية المراقبين من أن يلقي بظلاله الخطيرة على التدابير السياسية والدبلوماسية واللوجستية والعسكرية التي اتخذت حتى الآن من أجل خوض العملية المرتقبة ضد تنظيم داعش في الموصل والقضاء عليه. كما قسم العراقيين المنقسمين أصلا الى :
أ - قسم ساكت لا يؤيد خلق أزمة مع الجارة تركيا، ويعلم أن هنالك مصالح متبادلة ومشتركة ما بين الشعبين، وأن ما في الخيال يصعب مناله على أرض الواقع، لذلك يتطلع الى الأوضاع ويراقب تبعاتها ومستجداتها، ويدعو الى التنسيق والحوار مع تركيا والتعامل بحكمة وعقلانية ومزيد من الدبلوماسية لحلحة العقد والتوترات، ويدرك أن اتخاذ الخطوات العدائية وإشعال فتيل الحرب سيغرقان المنطقة في الدم والنار، وسيدفع الثمن الشعبان المستضعفان اللذان سينغمسان في مآس شتى ويسحقان تحت عجلات أصحاب الأجندات الخاصة.
ب - قسم إتفق مع قرار الحكومة والبرلمان القاضي بطرد القوات التركية والحد من تدخلها في شؤون البلاد الداخلية بحجة الحفاظ على سيادة العراق وكرامته واستقلال قراره الوطني ووحدة أراضيه.
ج - قسم لايؤيد الحكومة والبرلمان، لذلك يقول: الخلاف بين بغداد وأنقرة (مُفتعل)، ولا توجد مطامع تركية في العراق لأن الأتراك وقفوا في الماضي والحاضر إلى جانب الشعب العراقي، وأن تلك القوات متواجدة في العراق بحسب الاتفاقيات التي تم توقيعها قبل سنتين بين الجانبين، ويطالب الحكومة بتوسيع هذه السياسة لتشمل دولًا أخرى تتدخل بشكل مباشر سياسيا وعسكريا في العراق..
أنقرة تقول أن قواتها جاءت الى الموصل وأقامت معسكرها في ناحية (بعشيقة) بطلب من الحكومة العراقية، ولديها الصور والوثائق والتسجيل الصوتي الذي يؤيد ذلك، بينما بغداد وعلى لسان رئيس الحكومة وبعض قادة الكتل والزعامات السياسية تنفي تماما وجود أي طلب عراقي بهذا الخصوص. وبما أن الحقيقة ضائعة ومعرفة الحقائق أصبحت من المستحيلات، فان كثيرين لا يصدقون الذي ما زال ينظر الى الموصل كولاية تابعة لدولته، ولا يصدقون أيضاً الحكومة والسياسيين الذين أوصلوا البلاد والعباد بكذبهم وزيف ادعاءاتهم ووعودهم الى هذه الحالة البائسة.
الشيء الملفت للإنتياه في هذه المعمعة السياسية والدبلوماسية، وهذا المنعطف الخطير هو إشتراك كل من هب ودب في بغداد في حرب التصريحات، فالغيور على ارض العراق والذي يؤيد العبادي وحكومته ويكره الاتراك يصرح ويندد ويتوعد دون أن يقدر نتائج المواجهة بين القوات العراقية والتركية. والذي يعادي العبادي ولا يهمه الوطن ولا المواطن وهمه كسب المزيد من الإمتيازات وجمع الثروات وزيادة أرصدته في الخارج، ويريد إنفجار المواقف السياسية والعسكرية وتوريط العبادي في حرب مفاجئة، يهدد أيضاً، والذي أهدر ثروات البلاد ونشر الفساد والأفساد وضيع العراق وجعله لقمة سائغة في أفواه الآخرين، لا يستطيع أن يكبت نوازع الشر في داخله أو يداري حقده ورغبته في العودة الى الحكم، يهدد أيضاً، وكأننا نسينا ما قاله عندما كان مختاراً للعصر ورئيساً للحكومة وقائداً عاما للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع والداخلية والامن الوطني ورئيساً لعدة هيئات مستقلة وغير مستقلة، حينما سألوه عن الجهات والدول التي تتدخل في الشأن العراقي، حيث قال: لا تسألوني عن الجهات التي تتدخل في الشأن العراقي.
بل إسألوا: من الذي لا يتدخل في الشأن العراقي؟