زوبعة البرلمان في فنجان الموصل
المتابع لصخب التصريحات والبيانات الاعلامية المتواترة والمواقف المرتبكة الخاصة بالموصل، يجد نفسه في حيرة حقيقية تجاه جوانب وزوايا قضية تؤرق البعض وتفرح غيرهم وتؤكد بأن الكل بات يغني على ليلاه. كما أن الاختلافات اللفظية التي نسمعها بشكل متكرر والتي تمثل أهدافاً متناقضة ولها مدلولاتها الضمنية، هي الأخرى تستمد تسمياتها من وحي المؤامرة وتتجاهل مطالب الذين رزحوا تحت وطأة الاحتلال الداعشي والتطرف والإقصاء، وحقهم الأساس في الانعتاق من الظلم والأوضاع الشائكة, وضمان مستقبلهم وفقاً لآليات تكفل حقوقهم وواجباتهم وتحمي وتضمن سلامة مصيرهم بعيداً عن الهلاك والانحدار إلى الهاوية والخسران، وتمنع الاستمرار في دوامة الصراع الدامي الذي أنتجه الآخرون.
السؤال الذي يطرح ذاته هو: ما الذي أرغم أهالي نينوى كي على المطالبة بتقسيم محافظتهم الى محافظات؟ أهي رغبة في التفكيك؟ أم هروب للتخلص من الهيمنة والقمع والتسلط ؟ أم بحث عن حل بين ركام المشكلات والأزمات؟
بعد تحرير العراق من براثن البعث، إستبشر الموصليون كغيرهم بالخير، ولكنهم إصطدموا بالشر بأنواعه المختلفة. جاءهم البعثيون المنهزمون من بقية مناطق العراق، لينضموا الى البعثيين في مدينتهم وينشروا بينهم ثقافة الإرهاب والإنتقام، وجندت مخابرات إقليمية الفقراء والضعفاء والعاطلين عن العمل لاسيما المطرودين من الجيش والشرطة والأجهزة القمعية البعثية السابقة، لينفذوا أعمالاً إرهابية ضد كل المكونات، وعمدت الحكومة المالكية الى حرمان المحافظة وتوابعها من الإعمار وبناء البنى التحتية والخدمات والإستثمار، وهمشت وأهملت ساستها الشرفاء، بينما غازلت قلة إنتهازية حاقدة لا تعرف عواقب أفعالها.
القلة القليلة غير الصالحة المتملقة للمالكي (سنة المالكي) من جهة، والأخوان نجيفي من جهة أخرى، أشغلوا الموصليين بالإنتقام وبقضايا صغيرة وتسقيطية وأذاقوهم الأمرين، والطرفان ساهما في إفساح المجال أمام الذين يحنون لصدام ونظامه المجرم، والمؤمنين بالقاعدة وإرهابها، والتكفيريين المتطرفين، كي يتحركوا بيسر ويستغلوا الاوضاع ليبسطوا سيطرتهم على المدينة والكثير من ضواحيها. ويمارسوا (بالذات في سهل نينوى) الظلم والبطش والقتل والترحيل والترهيب والدمار والخراب.
مع ذلك صمد الموصليون أمام التحديات والمصاعب والويلات الطائفية والعنصرية الواضحة، وواجهوها أملاً في أن يأتيهم الفرج، ولكن الأحداث مهدت لدخول الدواعش واحتلالهم واستيلائهم على اسلحة بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات، فدمروا وقتلوا وهتكوا وسبوا وشردوا وارتكبوا مجازر بشعة وجرائم يندى لها الجبين، وذاق الأهالي الآمنين ويلاً آخر أكثر قبحا من كل الويلات.
الرافضون للتقسيم، في البرلمان العراقي، يتحاملون لكي لايعترفوا بجسامة الويلات التي لحقت بغيرهم وبوحشية تصرفات إخوانهم وأبناء عمومتهم الذين أصبحوا دواعش أو أدلاء لهم، ويرفضون التفاعل الإنساني الحضاري الساعي نحو الأمن الجماعي ويعتدون بشكل سافر على قيمة الحياة، لأنهم بالأساس يؤمنون بالأفكار المنقرضة التي تؤكد على غلبة وسيطرة اللون الواحد، وينكرون متطلبات المرحلة الحالية ومعطيات المراحل السابقة وما أفرزت من أزمات.
لذلك نقول: قرار مجلس النواب العراقي برفض تقسيم محافظة نينوى، زوبعة في الفنجان الموصلي، وقرار سياسي واضح ومخالف لحقوق وإرادة وتوجهات مكونات تلك المدينة، قرار يبغي من ورائه بعض النواب خلق التوترات وإعادة الفتن والانقسام لكي يعتاشوا منه ويستغلوه لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية. وكان من الأجدر بالمجلس أن يتجنب التسرع وأن لا ينساق وراء توجهات سنة المالكي، وأن لايشارك في زوبعة ثارت لتخدم النزوات والمواقف السياسية الازدواجية التي تحاول تسويف وتقزيم المطالب المشروعة. وكان عليه عدم التمترس مع المتباكين على حدود المحافظات التي رسمتها الحكومات العراقية السابقة لأسباب طائفية وعنصرية قومية، خاصة وأنهم على يقين بأن حدود الموصل وبقية المحافظات وحتى حدود هذه الدولة أو تلك، ليست مقدسة وغير مثبتة في القرآن الكريم..