حقيقة الكورد وصعاليك الفضائيات
ان من يتابع الأحداث ويتمعن فيما وراء الحدث يعلم ان كل مايحدث هو عبارة عن فلم يتكرر لكن مع تبديل الممثلين والأزياء والمخرجين احيانا.
وعليه فإن مايحدث في منطقة الشرق الأوسط من صراعات محتدمة وليدة تاريخ طويل من عقدتي الجغرافيه والتاريخ الذين كانا كحبلٍ متين تجر طرفاه المتعاكسين إمبراطوريتان هما الامبراطورية الفارسية والإمبراطورية العثمانية لأهداف ومصالح بعينها، ولنشهد في كل قرن أحداثا دموية لاتختلف عن سابقتها سوى ان أدوات القتل تتطور اكثر فأكثر وبتدخل دول تمثل القطب الواحد او القطبين او على شكل تحالفات ومحاور. وفي خضم كل هذا نكون نحن الكورد الكيان الذي لا يراد له ان يستقر. لان استقراره يعني - فيما يعنيه - هدوء واستقرار للمنطقة. والمحللون يعلمون جيدا ان لا استقرار لمنطقة الشرق الأوسط كله دون ان يعطى للكورد حقوقهم في تمليكهم كيانا يتمثل بجغرافيتهم المبنية على اساس تاريخ طويل من المعاناة والتهميش والاقصاء والإبادات. ومع كل هذه الاختلافات في المصالح بين الدول المحيطة بالأجزاء المنقسمة من كوردستان، فان اتفاقها لم يكن الا محاولات متكررة لكبت انفاس القضية الكوردية في هذا الجزء تارةً وفي جزء اخر من كوردستان تارة اخرى. إن مادفعني لكتابة هذا المقال حقاً هو استماعي لأحد الذين أطلقت عليهم الفضائيات بالمحلل السياسي! الذي ما ان بدأ حديثه حتى كمّن يطلق عليه المثل بـ(صمت دهراً ونطق كفراً) اذ صار يكرر عبارة واحدة وهي انه لايمكن استبدال احتلال داعش بالبيشمركة لأن حربا ستحدث في المستقبل بسبب استغلال الكورد للظروف!!! من المخجل والمعيب ان يظهر مثل هؤلاء الاشخاص الذين لايعلمون شيئاً عن تاريخ البيشمركة وبطولاته المشرفة والتي اصبح العالم كله يشيد بها، ليظهروا على شاشات تحت الطلب!! والأكثر خجلاً هو ان يساوي بين قوات البيشمركة التي ارتبط تشكيلها بالدفاع عن ارض الكورد منذ عقود طويلة في نضال مقدس وشرعي، وبين مجموعة ارهابية مؤقتة خلقتها ظروف معينة لأهداف معينة لتذبح وتقتل وتزهق ارواحاً حتى من السنة الذين ينتمي اليهم المحلل نفسه! وتسبي وتقطع الايادي وترجم بحجة استنادها الى نصوص دينية يختلف الامر في تفسيرها أساساً! وفي الوقت الذي يتحدث فيه المحلل عن خطر وجود البيشمركة في عملية تحرير الموصل يغيب عنه ان العراق كله بين انياب ضارية لدول إقليمية وغير إقليمية! لقد ادرك العالم أن البيشمركة هي القوة الوحيدة التي دافعت عن ارضها ببسالة، ووقفت بوجه الارهاب دون ان يكون لها اطماع في شبر واحد من ارض غير ارضه. كما ان البيشمركة تنتمي الى منظومة الدفاع العراقية واي حديث عنها يعني حديث عن منظومة الجيش كله. بعض الحقائق التاريخية قد نسيها او تناساها المحلل ايضاً ومنها، ان سبب عدم تخلي الدولة العثمانية عن الموصل بعد تشكيل الدولة العراقية في عام 1921 كان لسبب اساس وهو ان نصف سكان الموصل كانوا من الكورد وربعهم من العرب والربع الاخر كانوا من المسيحيين واليهود. فشكلت الدولة العثمانية في عام 1924 لجنة ثلاثية مطالبة بانضمام الموصل اليها للسبب الآنف الذكر، ولو كان نصف سكانها من العرب لما طالبت بها الدولة العثمانية حينها. كما ان هناك حقائق في بُطون الكتب التاريخية مثل معجم البلدان لياقوت الحموي الذي اشار الى كثرة عدد الكورد في هذه المدينة. قراءة واحدة للتاريخ القديم والحديث تكفي ليعرف القارئ شيئا عن حقيقة هذه المدينة التي تأسست عام 1800 قبل الميلاد. ومع ذلك لم تكن الموصل يوماً هدفاً للكورد، ولكن تحريرها امر جوهري لأمن كوردستان وأهلها. فعن اي خطر يتحدث المحلل والكورد كانوا طوال القرون الماضية يدافعون عن وجودهم وكيانهم وارضهم؟ الكورد المظلومون في كل المعادلات الدولية والإقليمية. عن اي خطر يتحدث وهو يعلم ان البيشمركة هي وحدها صمام الأمان في هذه المنطقة وأن لديها من العقيدة العسكرية والمبادئ واحترام الاخر مايفوق اي تنظيم اخر؟ بل ان وجود البيشمركة في اي مكان هو لحفظ كرامة تلك الارض ومن عليها.