الحزب الديمقراطي الكوردستاني.. قاتل بشرف وفاوض بمصداقية ترفَّع عن العنف والانتقام
عند التمعن في تاريخ الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وقيادته لحركة التحرر الكوردستانية ولمسيرة النضال من أجل إسترداد حقوق شعبنا المستلبة وتحقيق الاهداف التي تخدم مسيرة الكوردستانيين جميعاً، وسعيه لايجاد وسيلة لتطوير وضمان المستقبل، نلاحظ إنه ومنذ تأسيسه وحتى يومنا هذا، يحظى هذا الحزب بحب وإحترام أبناء شعبنا وتقدير الشعوب المجاورة والاحزاب الصديقة في المنطقة، ويحتفظ بشبابه وقدرته على التطور والتجديد واستقبال الاجيال الكوردية وإعدادهم للنضال لتحقيق الاهداف النبيلة وخدمة القيم الانسانية التي تتجانس مع المصالح العامة، ومازال يوحد صفوف الكوردستانيين ويعمل بجد مع كل المناضلين من أجل صنع قرار الحاضر والمستقبل وتغيير الواقع ورسم صورة الكورد للمستقبل المطلوب. وفي الوقت ذاته نراه كياناً سياسياً نابعاً من بين الامانة الفكرية، يعمل حسب توجيهات ومبادئ القائد الخالد مصطفى البارزاني الذي ناضل وكافح ضد الانغلاق والتعصب والقهر واستلاب حقوق الآخرين وحارب العنصرية والشوفينية والجهل والتخلف والتقاليد والعادات المعوقة لنهضة كوردستان واختار سياسة اللاخوف واللاتردد من أجل سعادة الاجيال القادمة.
هذا الحزب رفض الاستسلام للمشاريع التي كانت تحاول العبث واللعب بالأوراق المناطقية والنعرات المذهبية والقومية لخلط الأوراق وتداخل الخنادق، والتي إستحلت دماء الشعب الكوردستاني المقاوم، وأسقط على مدار سبعين عاماً الكثير من المؤامرات، ولقن أعداء شعبنا دروساً عديدة في أكثر من موقع للمواجهة، وتعتبر ثورة أيلول المجيدة وإنتصاراتها التي أركعت البعث وأرغمته على التوقيع على اتفاقية آذار، وكذلك ثورة كولان التي إندلعت في ظروف بالغة الدقة والتعقيد، وفي ظروف كانت وفق كل الحسابات لصالح الأعداء الذين كانوا يستهدفون الكورد والقضاء على حلمهم، وإنتفاضة شعبنا في آذار 1991 والفدرالية، صفحات مشرقة ومآثر ومواقف شجاعة مستمدة من روح قومية أصيلة تضيء تاريخنا المجيد.
تمر هذه الذكرى وشعبنا يتعرض لظروف بالغة الدقة والتعقيد ويواجه تحديات كبيرة، هدفها تفتيته وتجزئته من أجل السيطرة عليه ونهب ثرواته بتنفيذ مخططات ومؤامرات عديدة تستهدف وحدته الوطنية والقومية، وتحاول زرع الفوضى المجتمعية فيه، وهدم السلم الاهلي وإيقاف عجلة التقدم والبناء والاعمار في الاقليم، والاستسلام للمشاريع التي تريد النيل من معنويات شعبنا، خصوصاً مع بدء مرحلة جديدة من المواجهة بأساليب وطرق جديدة تستغل العدوان الداعشي وورقة التجزئة وتداخل الخنادق وخلط الاوراق من جهة، وزرع الفتن وإثارة المشكلات الداخلية من قبل المشتهرين بعدائهم للكورد وكوردستان وإستغلال الحصار الاقتصادي المفروض علينا من قبل حكومة بغداد, من جهة أخرى، وكلا الجهتيان تستهدفان الإنسان والفكر والحضارة والتاريخ الكوردي لإخراجه من معادلة التوازن في المنطقة واجتثاث صوته، وتنتهيان عند سياسة الفوضى السائدة في المنطقة، لتكون سيوفا مسلطة على رقاب الكوردستانيين، ولكن المؤمنين بمبادىء هذا الحزب الذي مازال يمنح الاجيال القدرة على الثبات والاستمرارية، وتطوير الذات والصمود في وجه المخاطر والهجمات الشرسة والتحديات، والمتمسكين برسالته التي تتجسد في الدفاع الحقيقي عن الحق الذي عصف بالخونة والمتآمرين الى مزبلة التاريخ، قادرون على الصمود وفك الحصار الاقتصادي وكشف المخططات وتقوية الجبهة الداخلية، وتوحيد الصفوف وتقديم حزمة من الإصلاحات الادارية والاقتصادية والسياسية استعداداً للمواجهة وأداء الدور والمهام التي تصب في الدفاع عن الحق والقيم وتفويت الفرصة على أعداء الكورد وكوردستان، وإلحاق الهزيمة بهم مهما كبرت مؤامراتهم.
هذا الحزب الذي نسج شمس الحرية وكانت رايته خفاقة على الدوام ومازالت، نجح عبر تاريخه النضالي الطويل في التغلب على المؤامرات، وحقق أعظم الانتصارات القومية، هذا الحزب الذي قاده القائد الخالد مصطفى البارزاني ويقوده حاليا الرئيس مسعود بارزاني، ويحمل هذا الحزب في وجدانه وعقله الانتماء الانساني، ويستحضر كل فصول التاريخ الكوردستاني، ويستلهم تجارب الماضي لرسم المستقبل، ما زال يذهل الكثيرين بعزيمته وبأدائه الوطني الرفيع واستماتته في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان ووجوده وكرامته,
والاستقرار يعيدنا بالذاكرة إلى الصورة الحقيقية المشرقة منذ تأسيسه وحتى يومنا الراهن، كما إنه يؤرق الكثيرين، لأنه جسد رسالة الشعب الكوردستاني والتصق بالجماهير واستقرأ تطلعاتها ومصالحها وأثبت نفسه في كل المراحل، وفق خصائصه البنيوية وسماته التي تكونت معه وتطورت ونمت مع تطوره ونموه وتجددت مع تجدده، ابتداء من التأسيس في 16/8/1946 وخلال فترة النضال السري للحزب حتى فترة العمل العلني بعد ثورة 14 تموز 1958، و تدهور علاقاته مع السلطة في بغداد، إثر الاسلوب الخاطئ لإدارة شؤون البلاد، والتنصل من إلغاء الاحكام العرفية وانهاء فترة الانتقال واجراء انتخابات عامة وسن دستور دائم للبلاد واطلاق سراح السجناء السياسيين الكورد واحترام الحياة الحزبية وحرية الصحافة، ومن ثم قيادته لثورة أيلول في عام 1961 القومية والتحررية العريقة، حيث أثبت وسط الاحداث والتغييرات بانه حزب مناضل طاهر شجاع بعيد عن الارهاب والممارسات الجبانة، وإنتهج سياسة واقعية بعيدة عن التطرف سواء في علاقاته مع الجهات الاقليمية والدولية أم مع الاحزاب الوطنية الكوردستانية والعراقية والعربية. ويمكن القول بإن القتال فُرض عليه أكثر من مرة دفاعا عن الشرف والحرية والحق والكرامة، والانسانية والوجود، وقاتل بشرف وثبات وفاوض بصدق. ولم يلجأ الى العنف والانتقام طوال تاريخه النضالي، وقدم من التضحيات والشهداء ما لم يقدمه أي حزب آخر في المنطقة وربما في العالم أجمع، كما حقق من المكاسب ما لم يحققه أي حزب آخر لشعبه ووطنه وللشعوب الاخرى والانسانية جمعاء، حيث استطاع انتزاع اتفاقية الحادي عشر من آذار 1970 والتي اعترف بموجبها النظام العراقي بالحكم الذاتي لكوردستان، وبعدها قاد ثورة كولان التقدمية وشارك بفعالية في انتفاضة آذار 1991 والانتخابات البرلمانية في 1992 وتشكيل أول حكومة في الاقليم وإقرار الفدرالية، كما ساهم في إسقاط البعث وصدام وفي محاولات إعادة بناء العراق على أسس صحيحة، وفي تهيئة الاستقرار السياسي وازدهار الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وختاماً نقول: إنه الحزب الذي تلتقي حوله مشاعر الجماهير في كافة اجزاء كوردستان ويحتفل الكورد بمناسبة تأسيسه، على يد قائد كوردي حقق إنجازات كبيرة وكثيرة للشعب الكوردستاني والعراقي نتيجة لثوراته وعبر مراحل نضاله السياسي الذي يمتد لسبعين عاما متواصلا، تجسدت فيها معاني عدم الانحراف وعدم التنازل عن المبادئ والمنطلقات، وعدم التراجع عن الأهداف. ولأن له عمراً مديداً وتاريخاً حافلاً بالمفاخر فهو الاداة النضالية الفاعلة لتنظيم شعب كوردستان وتوحيد صفوفه وقيادة نضاله، كان ومازال الفصيل القومي الأكثر حضوراً في تاريخ الأمة الكوردية، والأكثر ديناميكية وعطاءً في حركة الكوردستانيين ونهضتهم، وله من المنجزات التاريخية والمكتسبات مايعزز موقعه في وجدان وقلوب الشرفاء في كوردستان والعراق وعموم العالم. وزرع الثقة في النفوس عبر الاعلان عن مبادئه والتزاماته وتطلعاته وواصل النضال ببطولة فائقة وعزيمة لا تلين ودافع بأمانة عن الحقوق القومية والديمقراطية على مدى العقود السبعة الماضية دون كلل واستطاع إحراز العديد من النجاحات للشعب الكوردستاني من خلال قيادته لثورتي أيلول وكولان، وفي تهيئة الاستقرار السياسي في كوردستان، وازدهار الحياة الاقتصادية والسياسية..