• Monday, 23 December 2024
logo

تناقضات مشهدنا السياسي

تناقضات مشهدنا السياسي
صبحي ساله يي
في المشهد السياسي الكوردستاني حقائق وثوابت لايمكن تجاوزها لأنها رصينة ومتينة، وفيه متغيرات يستند بعضها على منطلقات عقلانية سليمة، ويرتكز بعضها الآخر على الأوهام والمشكلات والصراعات والتناقضات. وخلف ستار المشهد، ضغوطات تقض المضاجع، ومعاناة وملابسات وأزمات متنوعة، أغلبها قاسية تؤثر على الاوضاع وتحول دون إندمال الجراح، وبعضها مكائد مصطنعة ولها أدوار ومسارات تخريبية تستهدف الانسان وحالته المعنوية وحاجاته الأساسية، أما تراكماتها فتهدد بالتراجع المخيف في أداء الاجهزة الامنية والخدماتية والقضائية والمالية، وتصاعدها يعني تعميق الجراح وتعطيل التقدم، وتعاظم الفساد وغياب المساواة، وجر أذيال التقهقر والفشل في غالبية ميادين الحياة، أما حلها، وهذا هو كما يقال (عين العقل)، وتذليل العقبات أمام خطوات معالجتها يعني الدقة في حساب العواقب واستيعاب المسؤولية واستشراف المستقبل.
يتفق الكثير من المراقبين للمسار السياسي في الاقليم، على أنه يخضع أحياناً للوهم والمزاج السياسي ويتم فيه تعقيد البسيط. فالواهم الباني أساس طموحاته على أريكة الأوهام، والبعيد عن أرض الواقع المنظور، لا يعلم ولا يدرك بأنه سيتم تجريده من التخيلات آجلاً أم عاجلاً وحينها لن يستطيع حتى التمسك بأذيال أحلامه، وأن الحقيقة ستزعجه أينما يكون. أما المعقد والمزاجي، فإنه يحاول ان يدفع الناس باتجاه السخط والاستياء، والخروج عن السكة والحاضنة القانونية والدستورية، وتعميم حالة الإحتجاج والفوضى، عبر التجاوز والتطاول والمبالغة الممجوجة والتخطيط لإثارة الفتن والافتراء والتضليل والخداع والتهجم المسعور، وفبركة الإشاعات الرخيصة والدسائس بلا هوادة من أجل التستر وراءها وعدم مواجهة الحقائق ومن أجل إخفاء رأس جبل الجليد الذي لايمكن تقبله، ومنع إنكشاف كل أبعاد النيات المبيتة المربكة والمؤسفة التي لا يجوز السماح بها، والتي تستهدف الكوردستانيين عموماً، وتكشف المتزايدين والمتلاعبين بمقدرات الشعب.
في مقابل هؤلاء، هناك أناس في المشهد السياسي يدفعون الناس نحو التفاؤل وإنتهاج التقاليد السياسية الرشيدة، لمنع تحول المعقد في المسار الى كارثة تصعب معها لغة الحوار والتفاهم، فيطرحون التوجهات التي تحمل الصفات الوطنية والقومية التي تتطابق مع المنطلقات العقلانية، والتي تردم شروخ التفرقة، وتتصدى للأفكار الفوضوية المفعمة بتشويه الحقائق والتوتر والبلبلة، كما يدعمون التوجهات المتطابقة مع الواقع في المعنى والمضمون، والمتوافقة مع الرغبات والتطلعات والمصالح العامة والتي تحمل بين جنباتها المفاهيم التي تضمن العدالة والمساواة والتعايش، وتكرس بناء ثقة التواصل والعمل المشترك إستناداً الى منطق موضوعي وعقلاني يتجسد في إدراك أبعاد التحديات التي تواجهنا والمخاطر المحدقة بنا، واعادة المسارات الى سبلها الصحيحة..

من ينظر بإمعان الى أعداد الخطط وأوراق العمل المتعددة، وأحجام المشاريع الاصلاحية السياسية والإقتصادية والشعارات والبرامج الكثيرة المطروحة على الساحة السياسية الكوردستانية، يخال أننا مقبلون على نقلة نوعية تاريخية فريدة، ومتوجهون نحو إعادة المسارات الصحيحة ومستحقاتها.. ولكن حتى الآن، ما تحقق لايقارن بتضحيات شعب قدم التضحيات والدماء من أجل الخلاص من الاستعباد والظلم، شعب سالت منه أنهار من الدماء وضحى بمئات الآلاف من أبنائه، شعب يريد أن يحدد رغبته ومصيره ومستقبله وأن يعيش كباقي الشعوب الحرة.

في كل يوم يمرّ علينا، وبعد كل ممارسة عدوانية، من قبل الدواعش، وبعد كل تصريح شوفيني حاقد موجه ضدنا، من قبل دواعش السياسة. يتأكد للجميع كم هو ضروري ومبرر أن ندرك المخاطر، وأن نقرأ الحقائق، وأن نتجاوز التناقضات والأوهام والخلافات الداخلية، وأن نقدم التنازلات لبعضنا، بدلاً من تقديمها للآخرين، وأن نتوحد لندافع عن مصالحنا.
Top