جلسة البرلمان ليوم الأول من آب... من يضبط الايقاع؟!
ما كشفته جلسة البرلمان ليوم الاثنين الأول من آب، كان صادماً ومراً لجماهير وفئات عريضة من المجتمع، الذي أذهلته وقائع الفساد الذي وجد نفسه بين ثنايا مجلس النواب، الحارس الرقيب المفترض على مصالح الناس ورعاية مصالحهم، وقد صحا الناس على حقيقة صادمة مفادها، إن العكس صحيح، فإذا كانت الحكومات في أرجاء المعمورة مشغولة بهموم مواطنيها، فأن الوضع في البلاد تبين العكس تماما.
إن الارهاب والجوع وحاجات الحياة ومتطلباتها وسائر الضغوطات، التي يتعرض لها العراقيون، هي تداعيات مشوارهم السياسي وأقدارهم الجديدة على خرائط المصالح والنفوذ والسياسات الداخلية الخاطئة التي لم تتعظ من دروس الأمس وويلاته، وغياب منهجية البناء والعمل واستيعاب نهجه الدستوري الجديد، التي فاقمت استفحال ظواهر الفساد، بأشكال متعددة أفقرت البلاد والعباد منذ سقوط الدكتاتورية.
وبرغم مرارة الازمات المتفاقمة والتراجعات المتدفقة على خط إعادة الدولة والمجتمع، قدّم العراقيون تضحيات كثيرة في رحلة حث الخطى لوضع البلاد على الطريق الديمقراطي، برغم التهديدات الارهابية المتعددة الاشكال والتلاوين، لتحقيق مناخ جديد تستطيع البلاد أن تعيش في ظلال البناء والاستقرار، والتداول السلمي للسلطة ونبذ العنف والسلاح لاغتصابها على طريقة البيان رقم (1)، الذي يعي العراقيون آثاره الخطيرة وتداعياته، فضلا عن تعيين الحكومة عن طريق صناديق الاقتراع واحترام نتائج السباق الانتخابي مهما كانت، وكل هذه الاشياء والتقاليد إنما تمكّن الناس من شق طريقهم نحو المستقبل بإرادتهم ومشاركتهم.
إدراك الاهمية التاريخية لهذه الخطوة وجوهرها الاساسي، مهمة تقع على عاتق مختلف الأحزاب والكتل والكيانات السياسية، التي عليها بناء آليات سليمة للتعاطي مع الوضع الجديد في البلاد ومتطلباته، فالتجربة الجديدة وضعت البلاد أمام مفترق طرق، فأما تعزيز التجربة الديمقراطية بما تستحقه من تضحيات، لأنها المناخ الامثل للتعايش السياسي والاجتماعي، وطريق تعويض الماضي المفوت لحساب مستقبل أكثر ضمانة، وأما التراجع القهقرى نحو عوالم الاستبداد والفوضى مرة أخرى، وفي صراع كهذا، تحدده شروط تاريخية وجذور اجتماعية وافكار ورؤى ومصالح متعددة، تفعل الارادة الواعية فعلها الإيجابي آزاء تحولات سياسية واجتماعية مطلوبة، والسؤال لمن ستكون الغلبة؟
وبالمعايير الواقعية، فإن التحول يحتاج الى ارادة سياسية واعية قادرة على قلب الموازين بالتضحية والعمل الجاد المثمر ، وتوفير الاسس الارتكازية للتحول بما يقتضيه من توافر نوعي على مختلف الصُعد ، نوعي بشري ونوعي مادي لانجاز المهمات.
بلا شك فإن ما جرى في البلاد من خطوات بعد إسقاط الدكتاتورية ، كان مفتاحاً جديداً لمشكلات مستعصية عاشت البلاد في كنفها ردحاً طويلا من الأزمنة ، كلفّتها الكثير من الآلام والدماء والدموع وفرص المستقبل المهدور.
لكن حسابات الواقع تفرض معادلاتها المختلفة ، التي تحتاج الى صياغة وطنية بمعدلات عالية من النزاهة والصبر ، مثلما تحتاج الى ملاكات بشرية تتفهم الاوضاع والبرامج ، متذوقة بعض معاناة المخاض النضالي والحس الانساني بالمجتمع ، للزّج بها في مفاصل الدولة التشريعية والتنفيذية ، وتلك مهمة الاحزاب والقوى التي لم تضع معايير لهذه الخطوة وحساباتها .
وقد أنتجنا بالصبر والعمل حكومة منتخبة وبرلماناً منتخباً على مدى الأعوام الماضية ، لكسب المستقبل عبر إزالة عوامل القلق التي رافقت مجمل العملية السياسية بدايةً ، ومحاولة خلق بنيوية مناسبة لاعادة هيكلية الدولة ، وما تضرر به المجتمع جراء الكوارث الكثيرة ، التي ألمّت به وصدعت صرحه الاجتماعي.
وإذا كانت السلطة حافلة بالمغريات ، التي قد تدفعها الى جانب عوامل أخرى واقعية وغير واقعية نحو الجنوح والفساد، فأن مرتكز التوازن يبقى مشدوداً الى البرلمان ، الذي هو الجهة الرقابية التي تتكفل بتصحيح الامور والمسارات، ولكن لحظة الانهيارات الجليدية وما يصاحبها من شرعنة للفساد، تبدأ عندما تكون هذه السلطة التشريعية منجرفة في شبهاتها ، والحال ، فأن شرعنة الفساد وتسويفه يصبح ضمن المهمة . من يحمي المجتمع من المزالق والمخاطر اذا شاب البرلمان الفساد ؟
مكمن الخطورة والتحدي الذي لا يراه من يتغافل عن منطق التاريخ او يتجاهله او يجهله والنتيجة واحدة ، إن البلاد تعاني اساسا من مشكلات خطيرة ، فمعدلات الفقر وما تحته تشير نسبتها بحسب المؤشرات الدولية الى اكثر من 8% من السكان ، بجانب أعداد فلكية أخرى تخص الايتام والارامل والكثير من الكوارث الاخرى ، التي بغياب البرامج ستتحول الى ظواهر مقلقة ومهددة.
إن تلوث النائب بالفساد، أمر لا يجد له أية تسويغات أذا علمنا كثرة الامتيازات التي يتمتع بها ، التي توفرت له اساساً كي تحميه من شرور نفسه والنزعات والميول نحو ما لا يحمد عقباه.
وبحتمية الحالة التي تدفعنا للتساؤل هنا ، أين مكمن الخلل، هل في قانون الانتخاب؟ أو في المقومات الشخصية التي من المفترض توافرها بمن يترشح لهذه المهمة؟ أو أن التقاليد السياسية والشعاراتية المرفوعة هنا وهناك ، لا تتخطى الوهن وهدفها المعلن هو التكسب.
في ما يدور عن القانون الانتخابي ، إنه لا يصلح ولا يتماشى مع أوضاع البلاد من جوانب مختلفة ، فضلا عن عوامل أخرى ، فهل يعقل أن يحصل مرشح على خمسة مئة صوت ، ليتأهل للترشح الى القبة البرلمانية ، في وقت تتحدد فيه العتبة بما يزيد على الثلاثين الفا على الاقل.
إن الذين يحصلون على هذه النسبة الهزيلة وأضعافها يقدمون أنفسهم ممثلين للشعب، برغم هزالة نسب الاصوات وهذه تعكس حقيقة وضعهم وحركيتهم في المجتمع ، وهي تستلزم عدم التغافل عن حقائقها ،وثمة عامل العدد الذي أضحى يثقل ميزانية البلد ، فثلاثة مئة وثمانية وعشرون نائباً عدد كبير لا يتفق مع وضع البلد وحاجته ، حيث لم ترث منه البلاد سوى الهموم والديون والمشكلات والسجالات العقيمة ، خاصة في وضعنا الراهن حيث تتساوى قيمة الازمات مع امتيازات النواب.
أما ما يتعلق بخصال النائب وما يجب أن يتحلى به ، فأنها تفرض الوعي بالبلاد وتاريخه والقدرة على الاسهام في حل مشكلاته وخدمة المجتمع عن قناعة ، فأن بلداً مأزوماً كبلدنا ورث مشكلات خطيرة مستعصية ، وثقافة ومفاهيم شوفينية مقيتة ، لا يستقيم فيه التعايش والتسامح والتآخي ، فكيف الأمر مع اشخاص لا يعون تاريخ البلاد بتضاريسها وتنويعاتها القومية والاثنية والدينية.
من المؤسف ، أن يسعى الغالبية من الناس الى التواصل آملين بتحقيق ما هو افضل واحسن ، ولأجل ذلك نراهم يصرون على مواصلة حياتهم الطبيعية ، برغم الاعمال الارهابية والتفجيرات، فشرائح واسعة تعمل بشكل اعتيادي تلبية لنداء الحياة والمستقبل. ما يتطلب تقديم الاحترام والشكر والتكريم الى هؤلاء العراقيين الطيبين في مختلف حقول وميادين العمل حين يسعى المسؤولون لجره الى الفساد وضياع الآفاق.