في ذكرى أنفال البارزانيين..ساسة العراق الجديد كالقدامى
هناك الكثير من الآراء ووجهات النظر المنطلقة من الثوابت الإنسانية المتعلقة بالتأويل والتفسير والإختلاف على نوع الجريمة ومكان وزمان تنفيذها، ولكن الجرائم المرتكبة ضد الكورد كأكبر شعب على وجه الأرض لا دولة له، وكشعب معروف بالتسامح وسعة الصدر ونشر المحبة والتآلف بين الناس جميعاً، تختلف عن الكثير من الجرائم وتتشابه مع بعضها في الوحشية والعنف المفرط، وبما أننا نستذكر هذه الايام، الذكرى الاليمة لجرائم الأنفال التي مورست ضد البارزانيين الآمنين من قبل حكومة البعث القمعية التي حاولت تسييس الاسلام وأسلمة السياسة من خلال إستغلال مفردة الأنفال، المفردة التي ذكرت في القرآن الكريم مرتين، ووظفت في الارض لمآرب سيئة وحروب الإبادة آلاف المرات. لابد أن نؤكد أن صدام الدكتاتور، أخفى وراء إستعمال وتوظيف وتأويل هذه المفردة أهدافاً شوفينية تبرر إرتكاب الجرائم التي خطط لها ونفذها ضد الكورد.
الحجم الكبير والمروع لهذه الجريمة وما جاءت معها من ويلات ومآسي وتدمير، لم تحرك ضمائر (الإخوة) في الدين والشركاء في الوطن والساسة وأئمة الاسلام في العالم ودول الجوار ليقولوا كلاماً يدل على عدم جواز قتل النفس البريئة، ولم يخرج أحد من وعاظ السلاطين وفقهاء الحاكم الذين نسوا وتناسوا الحكمة والموعظة الحسنة من دائرة الصمت، وكذلك الحال بالنسبة لضباط الجيش الذي كان يسمى زوراً وبهتانا بالعراقي، لم يترددوا في توجيه السلاح ضدنا، بل كانوا يتفننون في تنفيذ مهامهم الاجرامية، ويبرعون في التدمير المقرون بالكراهية والممزوج بالتدني الأخلاقي وفي شحذ الهمم لصالح الطاغية الذي اراد إختفاء أحقاد وعواطف جيشه ورفاقه الحزبيين وجحوشه وراء النص الديني في إختلافاته مع الآخرين دون رحمة أوتسامح.
الطاغية الذي كان يسعى الى تثبيت اركان إستبداده والتحكم في رقاب الآخرين، بكل القرارات التي أصدرها وما كان لديه من قوة وبأس ومال، كان يسعى لشرعنه جرائمة بقوانين السماء وربطها بالتعاليم الإلهية، وتخندق السياسة وراء الدين، لذلك كان يحاول أن يوهم الناس بأفعاله الدنيئة، ويطالبهم الإلتزام بما يأمر ويتوعد من يخالفه الرأي بالويل والثبور، وفي هذا المجال لم يتورع من الإقدام على ممارسة العنف والجريمة مع القريبين منه ومع المعارضين له وخصومه في الرأي.
اليوم، وبعد مضي ثلاث وثلاثين سنة على جريمة الأنفال التي إرتكبها واحداً من دعاة القومية العربية، يمارس الدواعش، ذات النهج الصدامي ضد الكورد، ونشاهد تصرفات عدوانية من الشركاء في العملية السياسية تتطابق مع تصرفات الصداميين الإجرامية اللاإنسانية السابقة تجاه الكورد، ونسمع تصريحات بغيضة تدل على الإنحياز والتعصب القومي ضدنا، وتؤكد السير المستمر في طريق وتاريخ مليئ بالظلام، لذلك لابد من إنهاء صيغة المواربة والمخاتلة، وإعلان صيغة الوضوح والمكاشفة، والقول: لقد أثبت الواقع المر أن شراكة الكورد مع العرب في العراق عبر عشرات السنين، كانت شراكة مخادعة مفروضة بقوة السلاح، وكل يوم يمر يتأكد للجميع إنها لا تملك قدرة الاستمرار، وأن الساسة العرب الجدد كالقدامى (الجدد بعد 2003، والقدامى قبل ذلك التاريخ)، جميعهم، دون إستثناء، متشابهون ويكنون الكره غير المحدود تجاهنا، يتوجّسون منا ويمارسون التعالي معنا وأنواعا مبتكرة من المؤامرات الهادفة إلى إضعافنا، ويكررون المواقف والشعارات الالتوائية.. عليه ولأجل إنهاء القلق والانزعاج ومنع تكرار جرائم الأنفال التي لاتغتفر، والحيلولة دون إقامة المزيد من المآتم، ومنع إشعال الحرائق ونزف الدماء، لابد من فض الشراكة القسرية بيننا بالحوار والتراضي..