فوق الفقر عصة قبر وأشلاء متناثرة؛ من القمة العربية إلى تفجيرات قامشلو
ما أن قاربت الساعة بعد التاسعة صباحاً والعشرون وبضع دقائق أخرى، حتى كانت قامشلو عن بكرة أبيها تُردد السؤال ذاته، من، وكيف؟
أسئلة كثيرة طُرحت ليس أقلها؛ هل لتواجد قوات الحماية الشعبية في منبج، ردة فعل على تفجيرات قامشلو.نعم/لا، لا يهم، ما يهم أن لا أحد من سوريا في منأًى من التفجيرات والموت.
عادة ما يُسرع الكورد للوقوف مع مصاب غيرهم، لكن المشكلة هي في نوعية وكيفية المساعدة والتعاضد الكوردي – الكوردي. كان يتوجب على المجلس الكوردي تحريك لجانه للإنقاذ والإجلاء والتبرع بالدم، سواء وافقت الإدارة الذاتية وحزب الاتحاد الديمقراطي أم لم يوافق، فالغالبية العظمى من الجرحى، والمفقودين، من تحت الأنقاض، والشهداء، هم من المدنيين.
رسالة الرئيس البارزاني كما كل مرة تحمل من الهم والبعد القومي والوطني والكورستاني أكثر بكثير من مجرد موقف حزبي ضيق، في الوقت ذاته جاء الرد من قبل أحد المعنيين بهيئة الصحة في الإدارة الذاتية أن مشافي قامشلو قادرة على استقبال جرحى التفجير، علماً أن أغلب المشافي تعاني نقصاً في الدواء حتى على مستوى السيرومات والسرنكات، وكأن المهم أن لا يكون للإقليم أي دور حتى في الجانب الإنساني.
شهدت مناطق عدة من سويا وقوع صواريخ سكود وبراميل متفجرة، لكن أضرار التفجير في قامشلو لم تكن أقل ضراوة أوأقل شدّة، ولا أقل ضرراً لجهة الضحايا والخسائر المادية، من سقوط قذيفة أو برميل. هي النتيجة ذاتها، إذاً لا مفر، ولا استثناء لأحد ولا لأي منطقة، سوريا تعاني من فقدان الأمن، مقارنة بغيرها مِن مَن يَدعون استتباب الأمن.
كان الجميع يضحك على مخرجات القمة العربية المنعقدة في نواكشوط ولأسباب كثيرة، لكن المشكلة أن العقلية الاستفرادية والاقصائية ليست حكراً على العرب وحدهم، التفجيرات تؤكد وبجلاء فاضح أن لا أحد بمقدوره وحده حماية أرواح الأبرياء والمدنيين، خاصة وأن معركة منبج استنزفت من الكورد الكثير، والتفجير الأخير أوضحَ ضرورة إخراج دوائر الإدارة الذاتية من المناطق السكنية ونقلها إلى أماكن أخرى بعيدة عن التجمعات البشرية.
القمة العربية نسيت أن لها جزراً ودولاً محتلة، وتناست أن دولاً كسوريا وليبيا من الممكن أن تُزال من الخارطة العربية، وأن دولاً كلبنان والعراق ستتحول إلى شكل أخر من الحكم، فاكتفت القمة بالعواطف والانفعالات الشعرية، هو الحال مع الإدارة الذاتية التي لم تستطع تامين الحماية لرعاياها ولا معارضيها ولا منتقديها ولا مؤيديها، فاكتفت بشعارات إرادة الشعب وشرعية الشعب، والمحصلة أن أكثر من 50 أسرة ستبيت في العراء، فلا دار يؤويهم، ولا منزل يعودون إليه بعد أن قضوا جُل عمرهم في سبيل اقتناء منزل متواضع.
الملاحظ في التفجيرات مدى تكاتف أبناء مدينة قامشلو، لكن الملفت في الأمر انقراض الشباب ضمن حملات المتضوعين للإنقاذ أو الإسعاف أو التبرع بالدم. والملاحظ في القمة العربية أن رغبة الخلاص من وقائع المؤتمر كانت أكبر وأشجع من لحظات الحماس والمناقشات.
اليوم قامشلو تغص في مستنقع التفجيرات، وتسبح على برك من الدماء، حيّ الوسطى المسيحي شهد 3 تفجيرات متتالية خلال فترة زمنية قصيرة، كانت نتائجه المزيد من الهجرة، قامشلو طريق حيّ الهلالية، شارع جامع قاسمو، شارع الثورة والمظاهرات، كانت الأشلاء المبعثرة ترسل برسائل واضحة، بالأمس كُنا نقود المظاهرات والأعتصامات، واليوم هاهي أشلائنا تُنير عتمة شارع قاسمو.
ما بين انعقاد القمتين في شرم الشيخ ونواكشوط، كَبرَت الفجوات بين المسؤولين والمواطنين، وارتفعت وتيرة الهجرة والغرق عبر بلمات الموت، وأزداد العالم العربي فقراً وبؤساً وأمية وجهلاً، ومحاربة للفكر والعلم والتكنولوجيا والتمجيد بالشعر والفنون القتالية والمعارك الجانبية.
وما بين كل تفجير وتفجير في قامشلو نزداد استهتاراً وغبائاً وبؤساً وانعداماً للتخطيط والاستراتيجيات. ندعي تحرير مناطق غيرنا، وننسى حماية مناطقنا، من جديد الأمور تزداد وضوحاً، نحن عاجزون عن حماية مناطقنا ما لم يكن التكاتف شعارنا، مالنا ومنبج، وهل سيرقص المسيطرون على منبج بتحريرها منهم وطردهم منها. يوماً بعد يوم تكبر دائرة كراهية مكونات سوريا للكورد، والسبب واضح. لنكتفي بحماية مناطقنا فقط، حينها نكون قد قدمنا الواجب الأكبر للثورة السورية.
رسالة التفجير واضحة عبر ثالوثها المعبر عنه بالتفجير الفاجع والبشع في المنطقة، من جهة هي رسالة للإقليم قبل القيام بالاستفتاء على استقلال الإقليم، ومن جهة ثانية هي رسالة للمجلس الكوردي قبل مؤتمره الرابع واختيار المكان المناسب لهذه الرسالة، ومن جهة ثالثة هي رسالة للـ (ب ي د) والإدارة الذاتية بإمكانية القيام بأي تفجير في أي مكان في أي زمان، فهل سنتعظ من الكارثة البشرية.
الشاحنة مرت بكل هدوء عبر أبرز الشوارع الكوردية في قامشلو، لم تُكمل باتجاه أخر حيث باقي الأطراف المسلحة، اختارت الكورد وحدهم ليكونوا قرابين لتواجدهم في منبج ولأمور أخرى.
حتى بيان ممثل الرئيس الأمريكي كان واضحاً لجهة دعم الكورد ضد داعش، ماذا لو انتهت داعش، وحصلت تسوية سياسية دولية، هل من الممكن أن تكون أطراف كوردية معينة وقوداً لهذه الأتفاقيات؟
لم يعد للكورد أي شيء، سوى الاتفاق الداخلي، وترتيب بيتهم الداخلي، والبقاء ضمن أطر المعارضة السورية، وطرح مشاريعهم عبر أروقة المعارضة، غير ذلك على الأغلب سيكون الكورد الخاسر الأكبر.